عبثية الفعل السياسي: مشاكلنا ذات طبيعة فكرية وليست تقنية
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 359 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هناك من يناقش المسائل الاقتصادية والاجتماعية كالتشغيل والأسعار ومشاريع التنمية، ويعتقد أنها أسباب مشاكلنا
وهناك من يناقش التصورات السياسية كمحاربة داعش والتصدي للارهاب العالمي والسعي للتقدم والديموقراطية، ويعتقد أنه بصدد تفكيك مشاكلنا
كل هذه التصورات إنما هي تناولات تقنية ونتائجية، فهي نتيجة لاحقة عن تصور ما سابق يؤطر واقعنا وينتج الفهم الذي يعطي الرؤية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية
بالنسبة للكائن العاقل، الفعل التقني الذي يقع تنزيله واقعا، يجب أن يكون مسبوقا وجوبا ضمنيا أو مباشرة، بمجال تصوري يعطي معنى للفعل في سياق منظومة عقدية وفكرية
--------------
نحن في تونس، عموم فواعلنا السياسية والمفكرة من أحزاب وتنظيمات وكتاب، تتحرك مباشرة في المستوى المادي من دون معالجة وتأطير فكري أولي، مثلنا كمثل الذي ينوي بناء عمارة سكنية ويُقدم على ذلك مباشرة من دون أي تخطيط وحسابات هندسية أولية، ثم يستغرب بعد ذلك كيف يتهدم ذلك البناء
ولأن الفعل الذي يتحرك لإحداث أثر في الواقع، يجب فيه تصور فكري سابق يؤطره ويعطيه دلالة، ولما كان ذلك منعدما في حالتنا لأننا لم نقم به، فإن عموم أفعالنا السياسية والثقافية وما تفرع عنها، تقبل ضمنيا بالإطار التصوري الذي يحكم تونس منذ عقود لأنه المجال المفاهيمي التلقائي الفعال الذي يؤثر فينا، وهو تصور تأسيسي عقدي وفكري يدور في أفق المركزية الغربية لم نساهم في إيجاده ولم نكن حاضرين حين أوجد من طرف فرنسا قبل أن تسلم حكم تونس لمنتسبيها ممن يسمى نخب الاستقلال
هذا يجعل كل أفعالنا اللامادية من سياسة وثقافة وفكر، خادمة لزوما للمشروع العقدي المؤسس لتونس الحديثة، لأن ذلك المجال التصوري الذي يضبط التونسيين أسس أصلا ليجعل كل نشاط لدينا ينتهي وجوبا لخدمة مصالح فرنسا اللغوية والثقافية والإقتصادية
إذن مشاكلنا ذات طببيعة فكرية تصورية ابتداء، وعلينا أن نؤسس عقديا وفكريا لأفعالنا السياسية والإقتصادية والإجتماعية ثم ننتقل بعدها لمستوى معالجة الفعل من تنزيل ومتابعة
علينا الاشتغال على معالجة فكرية وعقدية لواقعنا والتأسيس لتأطير عقدي وفكري لكل ذلك
بالمقابل حاليا، عموم أفعالنا التي تتحرك وتبني فوق الواقع الموجود بضمنية صوابيته، هو عمل فاسد لا نفع فيه لنا، وهو مجهود يساهم في مزيد تكريس أسس الواقع وسيكون مرجحا ذهنيا لدى الناس لصوابية الموجود والإقناع به وإضعاف عوامل مقاومته