حينما نتحدث في الرياضة لا داعي أن تستحضر مواضيع الطبخ
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 339 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من أهم مشاكلنا، يمكن الإفراد بالذكر الفوضى المنهجية التي تؤطر مجمل سلوكياتنا حين التعامل مع قضايا الواقع
اذا كنت تتناول مشكلة بين طرفين تخص المجال الفلاحي مثلا، فلا معنى أن تستدعي تميز أحدهما وكفاءته في اللغة العربية، وذلك للأسباب التالية:
أولا الكفاءة في اللغة لا دخل لها في كفاءة الفلاحة
ثانيا هذا يسمى خروجا عن الموضوع وتحويلا لأصل التناول وتحريفه نحو اتجاه آخر
ثالثا هذا التناول التحريفي يترك الموضوع الأصلي من دون حل، ويعمل على تعقيد طرق فهمنا للواقع من خلال خلق مساحات جانبية تشتت الذهن، تنتهي وتبقى عادة كلها من دون حل
----------
قدمت للفكرة بهذا المدخل "الكاريكاتوري"، لأن هذه العاهة المنهجية تمثل أهم مايميز تناولاتنا لقضايا الواقع، وهي من أبرز سمات الفرد التابع الذي تصبغ مواقفه بالتبعية في السلوك والاضطراب في فهم الواقع
يمكن ذكر بعض نماذج هذا التناول الفاسد:
1 - حينما يقع ذكر قادة "الاخوان المسلمون" بمصر المسجونين والمهزومين في صراع لم يحسنوا إدارته، عوض أن تناقش أسباب هزيمتهم، يقع استدعاء أن ذلك القيادي الإخواني حافظ للقرآن، أو أنه مدرس جامعي مختص في كذا وكذا من الفروع العلمية الدقيقة، أو أنه كان يحسن تدريس طلبته ويساعدهم
طيب ماذا سيفيدنا كل هذا الذي ذكرتموه في مستوى المشكلة المطروحة وهي الانقلاب الذي يحكم مصر، ولو كانت لتلك الميزات الفردية فائدة في موضوع السلطة التي ضيعوها، لما كانوا بالسجون أو لما قتلوا
إلا أن يكون استدعاء تلك الصفات والكفاءات الغرض منه إنتاج حالة من التعاطف مع أولئك المنهزمين بفعل اختياراتهم الفاسدة، وهو تصور صحيح حيث يمكن أن يؤدي ذلك للتعاطف معهم
لكن علينا أن ندرك أنه تعاطف يخلق راحة زائفة تلغي وتطرد الدواعي التي تذكرنا بواجب التصدي للمشكل الحقيقي، فنقوم نحن بصنع حل وهمي يدور حول خلق التعاطف مع الضحية، لكنه حقيقة ليس حلا لأنه لم ينظر في السبب ووجه بدل ذلك التناول وحرفه بعيدا عن الموضوع المطروح، فهو تعاطف زاد من تعقيد المشكل
وهذه معالجة نزّلت النظر من مستوى محورية الظاهرة والموضوع لمستوى محورية الفرد، وهي سمات المعالجات السائبة المنفلتة
2 - حينما يستدعى سجن الغنوشي رئيس مجلس النواب في سياق المغالبة مع الانقلاب، يقع التذكير بمساحة جانبية وهي أن الغنوشي ألف كتبا وأنها طبعت وترجمت في بلدان عديدة
وهذا تصرف يعكس تناولا مضطربا، إذ مادخل كتب الغنوشي في مسألة التصدي للإنقلاب وسجنه باعتباره رئيس مجلس نيابي شرعي، يعني هل كان الانقلاب لديكم سيكون مقبولا لو لم يكن رئيس مجلس النواب كاتبا ألف كتبا، ثم هل أفادت كتب الغنوشي في التصدي للانقلاب
ومعالجة الإنقلاب بهذه الطريقة، نزّلت النظر من مستوى محورية الظاهرة والموضوع لمستوى محورية الفرد، وهي سمات المعالجات السائبة المنفلتة
3 - حينما ندعو لرفض التبعية لفرنسا وإنهاء عمليات الإلحاق الذهني بها وأول أدواته اللغة الفرنسية وتسيّدها المجال العام، أي أننا نرفض الإلحاق لذاته كمفهوم، يطرح البعض موضوعا فرعيا يجادل في جدارة اللغة الفرنسية اعتمادا على فائدتها، فيقول أن علينا رفض اللغة الفرنسية لأنها ليست مصنفة كلغة هامة عالميا
هذا تناول تحريفي للموضوع أفسد فكرة رفض التبعية، لأنه حوّل الرفض وجعله ينزل من مستوى رفض بناء على المفهوم أي رفض التبعية لأنها تبعية لمستوى رفض بناء على المعنى والمصلحة (1) أي رفض التبعية لأنها من دون فائدة، فهو عوض الرفض بسبب المفهوم قام بمفاضلة في درجات التبعية أي درجات معنى المفهوم
أي أنه يمكنك أن تقبل بتسيّد فرنسا وتبعيتنا لفرنسا وغلبتها لنا إن كان هناك فائدة ومردود مادي، وبمثل هذه العقلية وهذا الفهم المتهتّك، سادت فرنسا تونس وحكمتنا طيلة عقود
----------
(1) الخلط بين المفهوم والمعنى مشكلة فكرية تمثل أهم مظاهر واقعنا
وقد كتبت عشرات المقالات في مسألة المعنى، يمكن الإطلاع عليها بمحور : مقالات في المعنى https://cutt.us/GIDGd