فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 377 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من يريد إحداث أثر في الواقع عليه أن يسعى لأن يكون فعله مدركا من طرف الناس، فأن تفعل لايعني أن الناس أدركت فعلك كما تقصده أنت
لذلك لايكفي أن تفعل وإنما عليك أن تجعل الغير يدرك فعلك، لأن الناس تتعامل مع المدركات ولاتتعامل مع الموجودات والإنجازات
وسبب ذلك أن الواقع ليس بالضرورة هو المدرَك من الفرد وأن المدرَكات ليست بالضرورة حقيقة الموجود (1)
التفريق بين مستوى الإدراك ومستوى الواقع مسألة قديمة، حيث توجد مساحة ما بين موضوع الإدراك والإدراك الفردي له فيكون نتيجته أن الإدراك البشري للواقع فيه إمكانية الخطأ
لكن في زمننا، منظومات التشكيل الذهني (تعليم، تثقيف، إعلام) استولت على تلك المساحة الوسيطة السائبة وجعلتها ملكا لها تغذيها بمحتوياتها ونفخت فيها ووسعت هامش الخطأ الإدراكي من ضياع إدراكي بسيط لضياع إدراكي كبير، فيكون أثر ذلك أن الفرد يدرك أمورا تبعد كثيرا عن حقيقة الموجود، بل يصل الحال أن الفرد يُتلاعب به إذ يدرك أشياء غير موجودة أصلا
--------------
هذا الكلام الذي أكتبه ليس ترفا فكريا وإنما هي معاني تفسر واقعنا الذي نعيشه
هناك في واقعنا من يقوم بإنجازات سياسية (2) أو علمية أو غيرها، لكن لايُتعامل معها بتقدير من طرف الناس، هذا يعني أن الناس لم تدرك ذلك الإنجاز على حقيقته، أي أن الإدراك غير الفعل المنجز وأن إدراك الناس للواقع منفصل عن أفعال ذلك الواقع، أي أنهم لايدركون الموجود كما هو
بالمقابل يمكن للناس أن تتكوّن لها إدراكات متخيلة لا نظير لها في الواقع، وتفسير ذلك كون منظومات التشكيل الذهني تتكفل بتغذية المساحة الوسيطة ماقبل إدراك الفرد لها وتملؤها بمعاني من عندها، ويمكن أن تكون معاني زائفة، ويقبل الفرد كل ذلك لأنه في عمليات إدراكه لايقوم عادة بالتثبت في مصداقية مايصل لإدراكاته نسبة لحقيقتها في الواقع
-----------
(1) رغم استعمالهما بما يشبه الترادف، فإن الواقع غير الحقيقة، والواقع باختزال هو صورة لحقيقة فكرة ما، فالحقيقة هي إذن المستوى الأعلى التصوري لواقع ما
(2) يمكن أن نذكر هنا نموذجا معبرا من تونس وهو أن المنظومة التي حكمت بعد 2011 قامت بإنجازات كثيرة، لكن الناس لم تدرك ذلك، وهذا سببه أن الواقع لايعني آليا إدراكا له