فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 294 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
آليات الإدراك لدى البشر مصصمه للتعامل مع المجال الخارجي أي كل ماهو غير الفرد ذاته
مهمات التعامل مع غيرك تتحكم فيها أجهزة مادية وهي الحواس الخمس، لكن حتى التفاعل اللامادي أي الادراك ثم الوعي، مصمم ضمنيا للإنتباه لما هو خارج عنك
لذلك نركز ابتداء في ما هو صادر عن غيرنا ونتعامل أكثر مع مايتأتى من تصورات منها وما تنتجه من تفاعلات ذهنية
إذن التعامل مع الخارج عن الذات، هو الخيار والتصميم الافتراضي الأولي لدى البشر، أي أنه التعامل التلقائي الذي يشترك فيه البشر مع الحيوان، لا يتطلب ذلك أي استدعاء عاقل لاختيار الفعل، حيث أن التفاعل مع المجال الخارجي حتى وإن كان محتواه عاقلا فإن اتجاهك ذلك نشاط تلقائي
-------------------------
بالمقابل فإن الإلتفات للبحث في مساحة الداخل أي لذاتك واختياراتك وكل مايتعلق بك، فعل عاقل لاحق عن وجود إرادة وهو المستوى الذي يميز الفرد عن الحيوان
لسبب ما يبدو أن الفرد غير مهيئء ولا هو مجهز ولايملك أدوات إدراك داخله كما هو مجهز بأدوات إدراك العالم الخارجي عنه، ويكون نتيجة هذا "الفقر والاحتياج"، أن تعامل الفرد مع نفسه يكون فيه قصور وجوبا
يختلف الناس في درجات قصور التعامل مع النفس وفهمها، حيث يكون عدم إدراك النفس والعجز عن ردعها متعاظما كلما ضعفت الإمكانيات الذهنية والوعي بفعل دواعي الموضوعية أو التدين لدى الفرد، ويتزايد في الإتجاه المقابل الإلتفات لمساحة الذات وفهمها كلما تنامت لدى الفرد تلك القدرات
ولأن مساحة الفرد الداخلية ليست محمية بأدوات إدراك موضوعية، فإن التحرك فيها يكون غير مضبوط وغير مقدور على التحكم فيه إلا قليلا، مما يؤدي لإسرافات قد تصل للانحرافات
المشكل أن الفرد حينما يتحرك في مساحته الداخلية وينقل المعاني للخارج أي للناس، فإنها تكون عادة معاني مضطربة ومشوبة بأنواع من المبالغات، لايمكن رغم ذلك للفرد إدراكها، لأنه لا يملك أجهزة تتيح الإنتباه لذلك
يمكن تفسير هذا العجز الذاتي بأن العملية كلها لاتجوز عقليا، إذ أن تناول النفس بالبحث نوع من الدّور والدوران، لأن موضوع البحث هو ذاته أداة البحث، فالسبب هو النتيحة، وهذا لايصح
لكل ذلك، فإن الذي يتحدث عن نفسه يقول عادة كلاما خفيفا في عمومه أو يقرب من الخفة، ويحسن بالعقلاء أن لا يتحدثوا عن أنفسهم
والذي يتحدث عن أهله وعن عائلته وعن قبيلته وبلده، فإن كلامه يكون فيه مبالغات وشطط، والأحسن أن لا يعتد بكلامه ذلك
والناس تنتقد غيرها في مواضيع عديدة (*)، لكنها أحيانا تجدها هي ذاتها غير ملتزمة بما تدعو له، وليس سبب ذلك أنه نفاق أو مايشبه لأن النفاق يفترض إدراكا بالفعل وهو ما لايتوفر في مثل هذه الحالات، وإنما هو عجز ذاتي في النفس البشرية، لا يبرأ منه إلا من أوتي قدرة على التوقف عند نفسه كثيرا
------------------------
(*) يمكن أن أذكر نموذجا لهذا التناقض، وهو أن العديد من الذين ينصرون اللغة العرية والهوية عموما، تجدهم يكتبون اسمائهم بالفرنسية عوض العربية، أي أنهم لايطبقون تلك المبادىء التي يدعون لها وينصرونها على أنفسهم في أبسط مستوياتها