النقاش ليس أمرا محمودا دائما: جدلية المفهوم والمعنى
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 541 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
طرح المواضيع للنقاش يكون أحيانا طريقة لنشر تصورات سيئة وإشاعتها في الواقع أي أداة للتحكم في المجتمع
والزعم أن كل شيئ يجب أن يطرح للنقاس على العموم، إحدى المغالطات التي تستعملها منظومات القصف الذهني لاقتلاع الناس من مجالهم المفاهيمي
الحقيقة أن اعتبار النقاش أمرا جيدا في إطلاقه، أحد نماذج الخلط بين المفهوم والمعنى الذي كتبت فيه من قبل(1)، لأن الناس لايفرقون بين النقاش كمفهوم وبعض نماذجه الجيدة أي معاني النقاش، التي تحيل لبسط الآراء وتبادلها، لكن النقاش ليس ذلك فقط لأنه يمكن أن يكون ذا موضوع خطير
النقاش يمكن تعريفه أنه تناول للأفكار بالبحث وتقليبها في مستوى اتجاهي القبول والرفض ومتعلقاتهما، وهو يتناول عينات من معاني الموجودات، فالنقاش يتعلق بالمعنى وليس بالمفهوم، أي لايصح الحكم على النقاش كفهوم وإنما علينا النظر في معاني موضوع النقاش، وهذه بعض مستويات الفرق بين المفهوم والمعنى
بغرض استيعاب خطر النقاش هكذا على اطلاقه وأنه ليس دائما جيدا، تصور أن إذاعة ما تريد طرح المواضيع التالية للنقاش على العموم:
1- أكل لحوم البشر ونقاش الآراء حول مذاق لحم البشر واختلافه عن لحم الحيوانات
2- زنا المحارم و"الايجابيات والسلبيات" في ذلك، مع ذكر تجارب يرويها أصحابها
3- تجربة قتل البشر ومدى تأثيرها على الصحة العقلية من حيث أنها تجربة فريدة
لا شك أننا لو اعتمدنا فكرة جدارة طرح كل شيئ للنقاش، فسنجد بعض من يساند طرح المواضيع أعلاها للنقاش، ولكم أن تفهموا أن ذلك يمثل تطبيعا مع تلك الأفعال وإن كان العمل في ظاهره نقاشا، ذلك يعني أن النقاش كمعنى أي كموضوع ليس دائما مقبولا
------------------------------------------------
دعونا نبحث كيف تعمل هذه الآلية المغالطة، أي خلط مفهوم النقاش مع معاني النقاش وعيناته
النقاش معالجة للاماديات أي للتصورات الخام أو الأفكار أو كليهما، وهذه المعالجة تتحكم في نهاياتها أي نتائجها نسبة للفرد، عوامل عديدة، منها طريقة تكوين القناعات لدى الناس التي تتم من خلال أساليب تقديم الفكرة وقابلية الفرد للتأثر بأدوات التشكيل والتوجيه الذهني من تعليم وتثقيف وإعلام
أيّ واقع يخضع وجوبا لمركزية عقدية مباشرة (المركزية العقدية الغربية المؤثرة) أو ضمنية (المركزية العقدية الإسلامية الباهتة)، وتلك المركزية العقدية تنتج مجالا مفاهيميا هو الذي يصيغ المفاهيم ومعانيها وهو المصدر الذي يغذي أدوات التشكيل الذهني من تعليم وتثقيف وإعلام
بالتالي كل واقع تحكمه مفاهيم ومعاني معينة تمثل أعمدة للمجال المفاهيمي الضابط، إذن الأفكار في واقع معين ليست كلها سواء من حيث قيمتها، أي أنه في كل واقع توجد أفكار وتصورات محورية عبارة عن أعمدة تستند إليها باقي التصورات، إن تخلخلت تلك الأفكار المحورية فإن كل البناء التصوري سيتهدم
تلك الأفكار الرئيسية يمكن اعتبارها أفكارا أعمدة مما لا يجب طرحه للنقاش والاعتراض داخل ذلك المجال المفاهيمي
وهذه قاعدة تصح في كل المركزيات العقدية، إذ كل مجتمع بما في ذلك المجتمعات الغربية، له تصورات محورية ينبني عليها مجاله المفاهيمي لايقبل بزعزعتها، بقطع النظر عن صحتها المعيارية من خارجها، مايهم هو قناعة الناس بها
لما كان كل مجتمع له وجوبا أفكار محورية، ولما كان النقاش يعني احتمالية رفض فكرة ما، فإنه لايصح طرح الافكار المحورية في مجتمع ما للنقاش، أي لايصح أن يطرح كل شيئ للنقاش، لأن أقل الخطر حينما نجعل أفكارنا المحورية موضوع نقاش، أننا نجعل أفكارنا سائبة مسطحة لا تراتبية في أهميتها، فيكون النقاش تنزيلا للفكرة من مستوى أعلى لمستوى أدنى، ويكون أثر ذلك تكسير الحواجز النفسية للأفكار المحورية في حياتنا، وهذا يمثل مقدمة لتفكيك مجالنا المفاهيمي
تكسير الحواجز النفسية وخلق الجرأة، هي الطريقة المعتمدة من أدوات التشكيل الذهني في ضرب ما تبقى لدينا من معاني مركزيتنا الإسلامية وتفتيتها بغرض الإلحاق بالمركزية الغربية
يمكن ذكر نماذج لهذه العملية من خلال ما تقدمه أدوات التشكيل الذهني التابعة لمنظومة فرنسا التي تحكم تونس منذ عقود:
1- نقاش الخيانة الزوجية في الإعلام، فيتحول الموضوع من فعل مذموم بالإجماع لموضوع فيه آراء
2- نقاش الزنا واللواط، فيصبح الموضوع من محل ذم بإجماع، لوجهات نظر تقدم فيه الآراء
3- لبس المرأة المتعري من مرحلة كان أمرا مذموما لحالة التطبيع معه وإشاعته حتى لم يعد أحد يتكلم فيه
4- التبعية للغرب ولفرنسا تحديدا، كان الأمر خيانة، فإذا به يتحول لموضوع فيه خلاف مادام اتباع فرنسا هم من يتحكم في أدوات التشكل الذهني، حتى وصل بنا الحال أن أصبح الفرنسيون أنفسهم وزراء ورؤساء حكومات بتونس
الأصل أن لا تكون أيّ من هذه المواضيع أعلاه موضع نقاش، ويجرم الحديث فيها، لكن لأن منظومة فرنسا لها هدف، فإنها تعتمد هذا الأسلوب لتمرير مشروعها بالتدريج معتمدة مغالطة أن النقاش وطرح وجهات النظر أمر جيد
ولأنهم يعرفون فساد هذه المغالطة، فإنهم هم من أوجد بالمقابل القوانين في تونس التي تمنع طرح مواضيع معينة للنقاش كمسألة الارهاب والتكفير وغيرها، إذن هم يعرفون أن النقاش على إطلاقه لايصح
-----------------
(1) ينظر لفهم أكثر لهذه المسألة:
المفهوم والمعنى والفعل: جدلية الزمن وتغير المعنى
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10798
التقييم يكون للفكرة وليس للفعل
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10828
يستحيل جمع الناس على معاني واحدة وإن اجتمعوا حول المفهوم
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10776
لايصح القول بالإشتراك في الحرية إلا لدى المنتسبين لمجال مفاهيمي واحد
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10777