توظيف جامعة الزيتونة في مسألة الإرهاب: الفكر يوظف المعرفة
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 436 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
المعرفة غير الفكر، وذو الفكر هو الذي يوظف أصحاب المعارف، لفهم هذه المعاني لنأخذ عينات من الواقع
كان بورقيبة يوظف شيوخ الزيتونة وكبار رموزها في مشروعه، فجعلهم قضاة ورؤساء مؤسسات جامعية هزلية قدّها كما يريد هو، ووافقه كل اولئك "العلماء" وقبلوا أن يخدموا عنده بتوظيف معارفهم الدينية
كما كان بورقيبة يوظف كبار اساتذة الجامعات الذين درسوا بالجامعات الفرنسية في مشروعه الفكري والمجتمعي عموما
ثم انظر إن اردت الدول العربية خاصة المغرب والأردن والسعودية، كيف يوظفون كبار المشائخ الدكاترة في جامعاتهم ومؤسساتهم الدينية الوظيفية المتحركة لخدمة مشروع حكام تلك الدول
واذكر القذافي وصدام حسين كيف كان يوظف "علماء" الدين ورجال الثقافة وغيرهم في مشاريعه الايديولوجية
-----------
كيف نفسر هذا، كيف لشخص يقال إنه عالم دين يحوز ألقاب شيخ ودكتور أن يقبل العمل تحت حاكم سياسي، بل الأخطر أنه يقبل بالدوران في ما يخالف الاسلام
أفترض أن أغلب أولئك "العلماء" يعتقدون انهم يخدمون الاسلام واستبعد أنهم يتعمدون عصيانه بمايفعلون، وذلك لقصور فكري لديهم
إذن مايحصل في مجمل الحالات الغريبة التي ذكرتها مما يقع ببلداننا، أن صاحب الفكر أي صاحب المشروع الإيديولوجي يوظف صاحب المعرفة أي عالم الدين وأستاذ الجامعة
رجال السياسة الذين ذكرتهم كلهم كبورقيبة والقذافي وصدام حسين وحكام السعودية والأردن والمغرب، لهم مشاريع فكرية وايديولوجية، أي لهم تصورات يحكمون بها الواقع، أي أن هؤلاء أصحاب فكر ومشاريع لتغيير الواقع وضبطه بطريقة ما، بقطع النظر عن جدارة تلك المشاريع الفكرية معياريا والحكم عليها أو لها فذلك موضوع آخر
------------------
"عالم" الدين واستاذ الجامعة في مستوى وظائفهم تلك، هم رجال معرفة وليسوا رجال فكر
المختص في الدين يراكم المعارف ولايراكم علما ولاتزيده تلك المعارف قدرة فكرية
أستاذ الجامعة بتميزه في اختصاص ما، راكم معارفا ولم يراكم علما ولا زاده كل ذلك قدرة تفكيرية
التفكير عمل متحرك زمني يبحث في انتاج المعاني من خلال المجاهيل، بينما المعارف بحث في ماهو معروف من المعاني، لذلك هي معارف
أي أن التميز المعرفي لايعني بالضرورة تميزا فكريا، وقد يوجد التميزان الإثنان ولكن ذلك ليس للزوم ذاتي بينهما
-------------
الخروج من أسر الواقع نحو آفاق جديدة يلزمه التفكير وليس المعارف، نتيجة لهذا فأصحاب المشاريع الفكرية والعقدية مفكرون بطريقة ما، لأن مشاريعهم الجديدة لا تحل بالمعرفة السابقة
لذلك بورقيبة مفكر والقذافي مفكر وصدام مفكر وهتلر مفكر ومنظرو العائلة الهاشمية بالأردن مفكرون ومنظرو الحكم بالمغرب مفكرون ومنظرو حكم آل سعود مفكرون
المفكر يوظف أصحاب المعارف، أي أن صاحب الفكر هو الذي يحدد نوعية المعارف التي ستستعمل في مشروعه، وصاحب الفكر هو الذي يحدد اتجاه معرفة ما
فصاحب الفكر أي المتحكم بالواقع هو الذي يقول لرجل الدين ولأستاذ الجامعة أن يتحدثوا في تلك الفضائل ويظهروها وتلك الرذائل ويذموها وفي تلك الاشياء تحديدا وأن لاتتحدث في غيرها، وأصحاب المعارف سيتحدثون بكلام صحيح في ذاته، لكن لأنها معارف محددة بسياق فإنها تتحول لكلام أي معارف خادمة لمشروع يحدد إطاره صاحب الفكر
ولأن أصحاب المعارف لايحركهم الفكر وإنما المعرفة والاختصاص، فانهم يقبلون بكل ذلك
ثم يزيد المختصون بالمعارف الدينية أكثر فيبررون أفعالهم بالقول أن المشروع الذي يعملون فيه مطابق للاسلام من خلال التفسير البعدي، ولن يعجزوا على اثبات ذلك لان كل تفسير بعدي يسهل اثباته، لكن لأنه مصادرة فهو عمل فاسد عقليا
ولأن أصحاب المعارف لايستوعبون الإطار الفكري الاكبر الغائب عنهم والذي يمثل المحرك الأول لهم، فانهم يتحولون لخدم لمشاريع غيرهم من دون انتباه منهم
---------------
وآخر نماذج ذلك تحول جامعة الزيتونة لأداة لتكريس المشروع الغربي عن طريق تبني مصطلح الإرهاب والاشتراك في مجهودات محاربته
والحال أن مصطلح الارهاب ذو ظلال ايديولوجية وكان ومازال وعاء لمجهودات الغرب وممثليه المحليين للتصدي للاسلام والمنضبطين به
جامعة الزيتونة تبنت مصطلح الإرهاب المضلل وارتضت بالتالي أن تكون مجرد خادم لدى غيرها توظف في مشاريعه الايديولوجية، بل توظف في مشاريع تعارض مايفترض ان جامعة الزيتونة تخدمه أي الإسلام
أصل كل هذا الإنحراف أن المتحكمين بجامعة الزيتونة ليسوا أصحاب فكر ومشاريع فكرية على الأقل في ما نرى من مواقفهم، وإنما اكتفوا بأدوارهم المعرفية، وتركوا لأصحاب المشاريع الفكرية أن يوظفوهم
وهذا معنى أن المعرفة لا تغير واقعا ولا تمكن من فهم آلياته