المفكرون الذين يقبعون داخل الدائرة الفرنسية ويفرحون ببؤسهم ذلك
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 690 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يقبع الكثير بل أغلب التونسيين في غرفة صغيرة تقع بدورها داخل مدينة عظيمة، وهم ملازمون لتلك المساحة الصغيرة لا يبرحونها منذ عقود
لا يشاهد هؤلاء المرتكسون بتلك الغرفة، العالم إلا من خلال كوّة صغيرة توجد في أعلى جدار الغرفة
لم يتعرف هؤلاء على العالم الخارجي إلا من خلال ما تتيحه تلك النافذة الضيقة، ولما تطاول عليهم العهد وهم على تلك الحال المنغلق، رسخ في أذهانهم أن العالم هو ذلك الذي يشاهدونه
تحول القابعون في تلك الغرفة لمحتجزين ماديا، لكن الأخطر أنهم تطبّعوا مع ذلك فتحولوا لمحتجزين ذهنيا فتأقلموا مع فكرة أن تلك الغرفة هي المقر الأمثل وأنها الوضع السليم النموذجي، بل وأصبحوا يقيّمون ما هو خارج الغرفة من خلال أفهامهم المحدودة بحدود الغرفة وبقيم ومفاهيم أشربوها داخل الغرفة
إنها العزة بالجهل و "الفرعنة" الفارغة
---------------
الغرفة هي تونس تحت تسلط منظومة فرنسا التي تحكمنا منذ أكثر من قرن، والقابعون داخلها هم عموم التونسيين، وخاصة فواعلها المفكرة من كتاب و مثقفين وتنظيمات وأحزاب
هؤلاء لم يفكروا يوما في الخروج من أسر الغرفة التي فتحوا أعينهم داخلها، يتعارك كل هؤلاء ويتنازعون ولكنهم لم يفكروا في كسر جدران الغرفة والخروج للهواء النقي وللعالم الرحب الفسيح
لم يفكروا في أن زاوية النظر التي يشاهدون من خلالها العالم مجرد زاوية صغيرة تتيحها نافذة الغرفة بينما الأفق شاسع وأكبر بكثير
لذلك تجد الذين يسمون مفكرين وكتاب وحتى إن ذهب بهم الحال بعيدا فإنهم لا ينفكون عن الرجوع للغرفة وظلمتها
ف"مفكرو الثورة" حينما يكتبون في التصدي لأحداث تونس لا يعرفون من كل إعلام العالم النضالي والجاد، إلا صحيفة "لوموند" وموقع "ميديابارت"
وهم إن أرادوا الاستشهاد بمفكر أو فيلسوف غربي وما أكثرهم ولعا بهذا السلوك، فإنهم لا يعرفون من كل مفكري العالم وفلاسفته الا الفرنسيين في عامتهم
ثم إن هؤلاء القابعين بطمأنينة ساذجة داخل تلك الغرفة، مازالوا يعتقدون أنهم على شيئ وهم لايتقنون لغة العالم الانقليزية
لا أفهم حقيقة كيف لمن لا يحسن الانقليزية (1) أن يكون مطلعا على أحداث العالم وعلى آراء مفكريه وفلاسفته وعلى نقاشات مراكز البحوث العالمية، لأن كل هذا يتم عن طريق اللغة الانقليزية، بل الفرنسيون ذاتهم لايستعملون إلا الانقليزية حين يتعاملون مع تلك المستويات
---------
علينا كسر جدران الغرفة والخروج منها، علينا أن نفهم أن العالم شاسع أضعافا مضاعفة ما نراه من خلال نافذة الغرفة التي نحتجز فيها منذ أكثر من قرن
علينا الخروج للفضاء الرحب ونتنفس الهواء النقي، علينا إطلاق بصرنا لكي يتقوّى من بعد ضعف لازمه لطول النظر من زاوية واحدة
علينا استبعاد عسس تلك الغرفة الذين كانوا سببا في قبوعنا بها دهرا، وهم الذين عملوا على إقناعنا و أوهموننا بأهمية البقاء داخلها وخطر الخروج منها، هم الذين كانوا سببا في عدم ارشادنا وتوعيتنا بهذا العالم الذي كنا غائبين عنه
--------
(1) التمكن من الانقليزية الذي أقصده هو الحدود التي تجعلك تفهم مايقال ومايكتب وليس بالضرورة أن تتميز فيها كتابة وحديثا