ماهو السبب المشترك لفشل التنظيمات اليسارية والقومية والإسلامية
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 713 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
منتسبو الاحزاب الشيوعية بالبلدان العربية ومنهم أولئك التونسيون، كانوا من فترة الستينات إلى حد الثمانينات، يتوافدون على الاتحاد السوفياتي، وكان قادتهم مبجلين لدى الأجهزة السوفياتية، وكان الشباب المنتمي لتلك التنظيمات الشيوعية يقع مجازاتهم بمنح دراسية مجانية ببلدان الكتلة الشيوعية، وكانوا يحظون بالتكوين والتوجيه الحزبي أي التوظيف الايديولوجي الذي يفرح به ويقبله أولئك الشباب
منتسبو التنظيمات القومية كانوا لعهد قريب بل قد يكون لحد الان، يحظون بالتبجيل بسوريا والعراق حيث مركزية البعث، وكان المنتمون لتلك الأحزاب من الشباب يستدعى لإكمال دراسته بسوريا أو العراق، وكانوا يتلقون التكوين والتوجيه الحزبي أي التوظيف الايديولوجي الذي يفرح به ويقبله أولئك الشباب
منتسبو الحزيبات والمنظمات المتغربة التونسية يربطون بطرق أسهل علاقاتهم مع فرنسا وعموم المنظمات الغربية، حيث ينالون الحظوة لدى أجهزتها وتقع مجازاتتم بالمنح والتمويلات والدعم الإعلامي ماداموا ممثلين لمشروعهم وحَمَلة راياته، وكان التونسيون المقتلعون أولئك يفرحون بتبعيتهم تلك
ثم كانت الحركات الاسلامية، التي ربطت في فترة ما علاقاتها مع السعودية التي وقع تصويرها نموذجا للاسلام، ثم بعد طول تنقل وصلوا الآن لاتخاذ تركيا نموذجا، حيث تحول الكثير من الاعلاميين والكتاب وغيرهم من ذوي الانتماءات الاسلامية للاستقرار في تركيا
الحزبي أو الكاتب أو المفكر الذي يتخذ جهة ما نموذجا ويقبل بتمويلاتها وتبجيلاتها، يقوم في الحقيقة بقبول رشوة مقابل تحويل نفسه لوظيفي خادم لمشروع تلك الجهة التي تموله أو تدرس منتسبي حزبه وتنظيمه
اتخاذ التجارب الواقعية نماذجا يجعلك بالضرورة وظيفيا تابعا للغير، وهذا خطر كبير على المستوى الذهني والتصوري لأنه يجعل المجهود الفكري موجها لتبرير الموجود أي تبرير ممارسات التجربة النموذج، فتصبح الكتابات والآراء والنقاشات موجهة للإقناع باجتهادات تلك "المدرسة" وزعيمها وشيوخها والدفاع عنها، ويقع نقل ثقافة التبعية تلك للمنتمين لذلك الحزب أو التنظيم التونسي، ويتحول الشباب الغرّ لمتنطعين يتقاتلون مع تونسيين آخرين منتمين لتنظيم آخر يتخذون بدورهم تجربة أخرى نموذجا، وتصبح كافة طاقات أولئك مخصصة للدفاع عن زعيم تلك الدولة أو الدفاع عن فتاوي ذلك الشيخ الذي الأرجح أصدر فتواه خدمة لحاكم تلك الدولة الذي بدوره اتخذ قراره على الأرجح ارضاء لأمريكا، فيتحول شباب التنظيمات التونسيين لمجرد أدوات تدافع على سياسات أمريكا وفرنسا بالوكالة وهم يعتقدون أنهم ينصرون الإسلام
نتيجة هذه التبعية الذهنية يصبح التفكير الحر غائبا، لأن الأفق الأقصى يكون التجربة النموذج، ونصل لحتمية الجمود والتحنيط الفكري لدى الأحزاب التي تتخذ التجارب الاخرى في الواقع نماذجا
وهذه التبعية الفكرية هي أهم سبب لاندثار وعقم عموم الاحزاب والتنظيمات اليسارية والقومية والاسلامية وطبعا تلك الملحقة بفرنسا، لأنها حولت أنفسها لأدوات إلحاق بالغير وتبرير تجارب الآخرين ومنع التفكير الحر الذي يهدف لانتاج تجربة خاصة
بالمقابل يمكن فهم الفكرة الممكنة المقابلة، حينما ننظر لتجربة "ماو تسي تونغ"، حيث لم يتخذ التجربة السوفياتية نموذجا للتقليد وإنما ابتدع نموذجه الخاص به ونجح
كذلك التجارب اليسارية بأمريكا الجنوبية كانت كلها تجاربا تتحرك وتجتهد من دون تبعية للغير
في المستوى الاسلامي، يمكن أن نجد تجربة الثورة الإيرانية التي ابتدعت شكلا من الثورة ولم تتبع في ذلك أحدا، وتمشيها ذلك كان سبب نجاحها
إذن التبعية لاتؤدي إلا للتوظيف من الغير والفشل، وحده الاستقلال الفكري يمثل الطريق للنجاح
ولأن التبعية عقلية ترسخت لدى عموم التونسيين بفعل أسباب متعددة، كان أثر ذلك أن وصلنا لعبثية وعدم جدوى التشكيلات الحزبية الموجودة حاليا لأنها كلها تقريبا قبلت بالتبعية للغير النموذج وجعلت كل همها وسعيها إثبات ذلك لديه، فكان ذلك سبب عقمها وتحولها لأداة إلحاق بالآخر