الواقع يحمي نفسه ببناء الاصنام ووجوب الثورة وتفكيك المجال المفاهيمي
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 628 محور: تفكيك منظومة فرنسا
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الواقع يقوم بإنشاء أصنامه وأوثانه لحماية وجوده، وأول الأصنام القوانين التي تصيّر بمثابة الآلهة تتعقب الناس في مايفعلون ومالايفعلون
ثم مع القوانين المؤسسة تتفرع منظومة ذهنية كاملة تروج لذلك الواقع، تقوم أدوات التشيكل الذهني بتداولها واتخاذها مرجعا،
ثم ندخل مرحلة الجدلية، أي أنه تصبح القوانين عاكسة لما تروجه أدوات التوجيه الذهني التي هي نفسها أطلقها المتحكمون بالواقع وأرادوها عاكسة لمنظومتهم العقدية وعموما مصالحهم
هذا الواقع ومكوناته اللامادية ينشىء ما لا التي أسميه المجال المفاهيمي، وهو المساحة التي تتحرك فيها التصورات والمفاهيم ومعانيها المنتجة في نطاق تفاعلها مع مكونات الواقع
أي أن المجال المفاهيمي لواقع ما هو تفريع من منظومة عقدية وفكرية كانت هي المنتجة لهيكل ذلك الواقع
المجال المفاهيمي لفرط تداوله مفاهيما معينة أنتجها المتحكمون بالواقع، ينتهي لصناعة المسلمات والفرضيات التي لا تناقش ولايرقى لها الشك في زعم الناس
فالمجال المفاهيمي يخلق مكبلات ذهنية تعيق حرية الفرد للتملص من الأطر المفاهيمية التي روجتها أدوات التوجيه الذهني، وتتحول عمليات التصدي لتلك المفاهيم عملية صعبة نفسيا وذهنيا وذات تكلفة مادية للفرد حينما يقوم بإعادة النظر في مسلمات الواقع
ثم إن كل من يحكم الواقع يبني مسلماته ويحرص على الترويج لها، وبعد عقود يجد الفرد نفسه محاطا بطبقات متراكمة من المفاهيم التي تتغذى من بعضها مادامت مراحل الواقع تشترك في نفس المركزية العقدية
اذ في تونس مثلا كل مراحل الحكم (بورقيبة، بن علي، "الثورة"...) انتجت كل منها مفاهيما وأصناما ذهنية، لكنها كلها تشترك في كونها تتغذى من المركزية العقدية الغربية
وهذا الوضع يزيد من صعوبة فعل مواجهة الواقع لأن الفرد إن نجح في الخروج من الطبقة التي يعيشها مباشرة من المفهوم فإنه سيجد نفسه في الطبقة التي سبقتها وهي التي انتجتها التي قبلها التي بدورها تتغذى من مسلمات المركزية الغربية
فالفرد لتونس لو أراد إعادة النظر في مسألة المرأة التي تمثل ركنا جوهريا وصنما داخل المجال المفاهيمي الذي توظفه منظومة فرنسا، لعورض من داخل صفه وجماعة حزبه وتنظيمه ولتبرؤا منه، وذلك لشدة فعل عمليات القصف والتوجيه الذهني التي خضع لها التونسيون ومنهم من يقدم كرموز حزبية وقيادية
بل حتى المتحدثون في أمور الدين من شيوخ ومفتين لايستطيعون طرح موضوع المرأة من زاوية المركزية الاسلامية، ورفض وجهة نظر المركزية الغربية التي يقع فرضها بتونس
العكس هو الصحيح حيث نجد كل هؤلاء يتدافعون لإثبات أن الحزب أو الاسلام يوافق ماتقول به المركزية الغربية
إذن هذا يقود لما يشبه استحالة تغيير الواقع من خلال أدواته الداخلية أي من خلال تغيير القوانين، لأن تغيير القانون لن يستطيع تغيير المجال المفاهيمي الذي أوجد ووافق على ذلك القانون لأنه بناء ذهني حصيلة عقود من حكم مركزية عقدية غربية
نصل هنا لحقيقة استحالة تغيير المركزية الغربية المؤطرة لمجمل البناء اللامادي بتونس من داخلها، وإنما يجب وجود عمل يهدف لتفكيكها مرة واحدة وهذا لايقع الا من خارجها وهو فعل الثورة أي تغيير المركزية العقدية، وقد بينت من قبل أن الثورة هي العمل الذي يقوم بتغيير المركزية العقدية المؤطرة للواقع (1)
إذن لن نتحرر من فرنسا إلا الا بتفكيك مركزيتها العقدية التي تحكمنا منذ أكثر من قرن، ولن يحصل ذلك الا بثورة جذرية