فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 533 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الكتابة والكلام أوعية لنقل الفكرة، لكنها وسائط معدة سابقا، ثم تأتي الفكرة لتحل في وعاء الكلمة أو وعاء اللفظة المكتوبة تلك
مادامت الفكرة ستحل في واسطة لحملها وعرضها على الناس، ذلك يعني أن الفكرة لن تكون طليقة في مسارها نحو المجال العام، الفكرة ستتعرض حتما لعملية اخضاع في مستوى ما، بحيث تتأقلم مع الوعاء الناقل لها، لأن الكلمة أو اللفظة تجريد ذهني لمعاني سابقة لدى الناس، فهو تصور ذهني قائم مسبقا
أي أن صاحب الفكرة سيضطر لتعديل فكرته وشكلها بحيث تنطبق على الوعاء الذي ستحل فيه، أو بدقة لكي تستجيب لخصائص اللباس المعد سلفا لها، وهي الكلمة المنطوقة أو اللفظة المكتوبة
إلا أن تكون الفكرة مطابقة تماما للباس الموجود أي لوعاء الفكرة، وهذا يحدث في حالة الفكرة غير الجديدة أي المكررة النمطية
إذن الأفكار لايمكن نقلها بدقة من خلال أوعية الكلام والالفاظ، وهذا يدفع للجوء لطرق أخرى منها:
- استعمال اللفظ بمعاني مستحدثة من خلال إنتاج مصطلحات جديدة لتكون أوعية للافكار الجديدة
- استعمال المجاز في الكتابة، وهذا يكثر في الأدب، لأن اللفظ العادي بمعانيه الحقيقية عاجز عن نقل الفكرة
- الاتجاه نحو أشكال تعبيرية غير اللفظ والكلمة، كالرسم والنحت والموسيقى، وتسمى هذه الطرق فنا
والحقيقة كلمة فن من حيث أنه يفهم كمستوى تعبيري دون الوظيفي، أراها غير معبرة لدور هذه الوسائط في نقل المعاني التي تعجز عن نقلها الأوعية العادية لنقل المعنى، فهي هنا تؤدي أدوارا ليست فنية و إنما وظيفة اقتصادية أو اجتماعية أو تعليمية أو غيرها
فالرسم والموسيقى والنحت ليست فنا فقط، بل هي في سياقنا أوعية وظيفية متقدمة لنقل المعاني التي ضاقت بها الكلمة واللفظ
نلاحظ إذن أنه توجد علاقة بين الحاجة لنقل الأفكار الجديدة وبين شيوع طرق التعبير، فكلما كثر الكلام الفعال والكتابة الفعالة والرسم والموسيقى الفعالة والنحت، إلا وكان ذلك دليلا على أن ذلك المجتمع حيّ وموضوع لمخاض فكري، وكلما نقصت مستويات الانتاج في تلك الوسائط وأوعية المعاني، كلما كان ذلك دليلا على انعدام التجديد في الفكر والاكتفاء بالنمطي السائد