"لا تحزن ستُفرج": ثقافة التطبيع مع النكبات وبث عقلية التسليم
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 508 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لطالما اعترضتني كتابات تتعامل مع الاحداث المتنوعة منها الانقلاب وسجن الناس وغلاء الأسعار وعموم النكبات، بطريقة فيها قدر كبير من التسليم والتطبيع مع الهزيمة
تجد أحدهم يكتب مباشرة من دون مقدمات، أن ستُفرج وأن لا تحزن وأن "سيحلها حلّال"، ثم يزيد أحدهم من أولئك الاكثر مقدرة في هذا الاتجاه أن لا تقلقوا سيأتي يوم وينتهي كل شىء، يقصد ستنتهي المشاكل، ويقول آخر إن كل هذا العَنَت ابتلاء من الله ليختبرنا
لكن لا أحد من هؤلاء قال كيف ستنتهي المشاكل ولا بأي طريقة ولا بأي تكلفة ولا متى ستنتهي، وأما الذي يذكرنا بكون المشاكل ابتلاء من الله، فكان عليه أن يعرف أن القول بفكرة الابتلاء تفسير وليس تبريرا لكنه يقول ذلك كتبرير للواقع والعجز وليس تفسيرا، فهو يقوم بمغالطات عن طريق توظيف الدين لتزيين العجز في سياق مسعى الاقناع بذلك الواقع والتشويش على امكانية رفضه
ثم كون المشاكل تلك ستنتهي، هذا أمر بديهي اذ لا دائم الا وجه الله، فالتذكير به حشو يهدف لتكثيف ظلال التعمية عن الفهم
هناك مايشبه التسليم بالعجز وانتظار شيىء غيبي غامض، سيتكفل بإنهاء مشاكلنا تلك على طريقة: اذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، في انتظار ذلك علينا الصبر والتحمل، هذا هو معنى هذا الكلام وتلك الصياغات الزاهدة في الفعل
الاشكال في هذه المواقف أنها تمثل منهجا لدى قطاع كبير من الناس للتعامل مع الواقع، ولما كانت مواقفا تقول في حقيقتها بعَدم الاعتراض على أي مما يحدث ووجوب الصبر عليه، فإن هذا الكلام ينتهي لاداة فعالة لتكريس الواقع الفاسد والتطبيع معه والدعوة لعدم التصدي له بتوظيف مستويات ايجابية للعجز كأن يسوّق على أنه صبر وابتلاء سيجازى صاحبه
أحد أوجه الخطر أن مثل هذا الكلام يصدر من أناس ذوي مناصب سياسية ورموز ولهم متابعون، فتتحول تدويناتهم التي تتعامل مع الاحداث بمنطق التسليم وانتظار الفرج المجهول، الى دعوة للاستكانة والخمول، عوض أن تكون حمّالة لمعاني الفعل والتثوير