احتفالات رأس السنة نموذج للتبعية للمركزية الغربية وليست فعلا دينيا مسيحيا كي يكون موضوع فتاوى
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 656 محور: إسلام العقيدة
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يقول الكثير إنهم يحتفلون برأس السنة، ومنهم الذين يسمونها سنة ميلادية وآخرون دون ذلك يتهيبون الدلالة وحمولتها السلبية فيقولون إنها سنة إدارية، لكن في كل الحالات لاتمر هذه المناسبة من دون أن يتنازع الناس حولها، وتراهم يتجادلون في كل ما يمسها، وأخص ما يبدؤون ويعيدون فيه رأي الاسلام في هذه المناسبة، فتظهر الفتاوي التي تقول أنها تنطلق من رأي الاسلام ويجتهد كل أولئك وينتجون أحكامهم
ولاتغني تلك الاحكام وصرامتها عن تواصل تلك الاحتفالات وتواصل إقبال الناس عليها
هناك خلل ما إذن، في تعاملنا مع هذه الاحتفالات
- هذه الاحتفالات عمل ثقافي وإن كان يدور حول فكرة دينية في أصلها، حيث فعل الاحتفال ليس من الدين المسيحي وليس مما يتعبد به
والفعل الثقافي تنزيل فكرة مشتقة من الخلفية العقدية لمستوى التمثّل الواقعي، وهذا يصح على احتفالاتنا التي تدور مثلا حول الاولياء الصالحين فهي فعل ثقافي وإن كانت في أصلها تدور حول فكرة دينية وهي الولي الصالح ومعاني الكرامات والتقوى، لكن ذلك الفعل الثقافي أي "الزردة" تمثّل للمرجعية العقدية بطريقة فهم الفرد العادي وقد تشوبها انحرافات نسبة للعقيدة المرجع، وهذا هو أحد معاني الثقافة التي هي تنزيل العقيدة المؤطرة للواقع لمستوى فهم الناس لها في ممارساتهم، فالثقافة هي العقيدة المسموح بتغييرها لأن الثقافة فعل بشري لاتحمل أي صرامة مفهومية ولاقدسية حين المس بها مادامت الاعمال الثقافية أعمال بشرية وانعكاس أفهامهم لمعاني عقيدتهم
وقد يكون الفعل الثقافي منضبطا بالعقيدة ساعتها يكون فعلا ثقافيا وفعلا عقديا مثل لباس المرأة الاسلامي فهو من زاوية شكله ولونه فعل ثقافي ومن زاوية مطابقته لشروط اللبس الاسلامي فعل عقدي
- احتفالات الميلاد إذن فعل ثقافي متولّد من مجال مفاهيمي يدور حول الخلفية العقدية الغربية، فهو أحد مظاهر تأثير الآخر الثقافي وبالنهاية الآخر العقدي علينا
فهي إذن احتفالات تعني تأثير المجال المفاهيمي الغربي علينا، وهو مجال مشتق من المركزية العقدية الغربية التي من مكوناتها المسيحية وتمثلاتها الثقافية لدى الفرد الغربي، وإلا فإن المركزية العقدية الغربية لاتلعب المسيحية فيها الا أدوارا بسيطة، بالمقابل المركزية الغربية أهم معانيها تكمن في علوية الرجل الغربي واعتداده بمهمته ومسؤوليته نحو باقي العالم في ادواره الحضارية المزعومة التي سمحت له أن يقوم بغزو باقي القارات وأن يقدم أفكاره كمنظومات قيميّة كونية وأن يرفض اي مشاركة له في التأطير الفكري للبشر
- اذن هذه الاحتفالات يجب أن تفهم كمغالبة من طرف المركزية العقدية الغربية في بعدها الثقافي، والتصدي لها يجب أن يكون من خلال منظومة عقدية وفكرية شاملة تولّد مجالا مفاهيميا يؤثر في الفكر والثقافة، وهذا لايكون الا من خلال مركزية عقدية مغالبة وهي المركزية الاسلامية وهو ما ليس موجودا حاليا، ولن تكون الفتاوي بطريقتها الحالية قادرة ابدا على التصدي لتلك الاحتفالات
لان تلك الاحتفالات ليست هي الخطر في ذاتها وانما معاني الالحاق التي تحملها هي الخطر، تلك الاحتفالات مجرد مظهر من إطار شامل مولّد للفكر والثقافة وأنماط الحياة ومنها الاحتفالات وهو الذي اسميه المجال المفاهيمي
هذه اذن احتفالات مروجة لمجال مفاهيمي مغالب وهذا هو الخطر
إذن نحن لانتصدى لاحتفال مجرد ولا لاجتماع أكل المرطبات ولا لفعل ديني مسيحي كما يقع تصوير الأمر، نحن نرفض الاحتفال باعتباره اداة للترويج لمجال مفاهيمي مغالب يعمل على تمهيد الطريق للمركزية الغربية
إذن نحن لكي نتصدى لهذه الاحتفالات فإن ذلك لايكون بالفتاوي، وانما علينا العمل على انشاء مركزية عقدية اسلامية ستتكفل بتوليد مجال مفاهيمي ينتج بدوره مناسبات ومعاني الفرح والحزن واللباس وغيرها من مظاهر الحياة من فن وثقافة
وهذه المركزية العقدية الاسلامية غير موجودة الآن، وإن كانت هناك محاولات في هذا المجال وهي المحاولة الايرانية التي تعمل على التحرك في مجال مفاهيمي مستقل مشتق من معاني اسلامية بأفق شيعي يرفض التبعية للمركزية الغربية، وبدرجة أقل المحاولة السعودية التي كانت تقول بالولاء والبراء الذي يمثل ركنا مهما في معنى المركزية العقدية الاسلامية، قبل أن يقع الغاؤها السنوات الاخيرة
أما تركيا فهي تقر بالتبعية للمركزية العقدية الغربية ولم تقم بمحاولة انشاء مركزية عقدية مستقلة مولدة لمعاني الفعل الثقافي والفكري الدائرة في مجال مفاهيمي اسلامي
علما أن آخر عهد لنا بالمركزية العقدية الاسلامية المستقلة كانت الدولة العثمانية على علاتها
- فكرة الفتاوي كأداة للتصدي للمغالبات الثقافية والفكرية الغربية مقاربة فاسدة منهجيا، لان الفتوى تتعلق بفعل مؤطر فهو تناول نقطي (1)، بينما نحن نتعامل مع ظواهر، ثم هي ذاتها نتيجة سياق سبقها، كما أن الفتاوي أصلا لم تجعل لمثل هذه الحالات، لان فكرة الفتوى نشأت بفرضية تناسق المجال المفاهيمي و اسلاميته، ولم يكن في بال الاوائل ان نتعرض لحالات مستجدة كما لدينا الان يكون فيها الفعل منتجا من خلال مجال مفاهيمي مغالب مما يجعل فرضيات الفتوى من حيث تناسق الاطار، غير متوفرة