مسؤولية الفرد عن أفعاله، إلى أي مدى يكون التفكير شرطا للمسؤولية الفردية
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 634 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
سأبدأ بعينات لتقديم موضوع المقال
1- أحدهم نشأ بمنطقة شعبية ريفية أو حضرية، وجد من قبله يتخذون أحد "الأولياء الصالحين" موئلا في مصائبهم وسندا كما يقولون يلتمسون عونه
ولسبب ما فإن هذا الفرد لايملك القدرة الفكرية التي تسمح له باستيعاب وفهم أن مايفعله لايصح من منظور الاسلام
2- أحدهم وجد الناس تتخذ رئيس البلاد قدوة يجلونه ويتغاضون عن أفاعيله من نهب للثروات وتعامله مع الأعداء، فسار كما ساروا وأصبح مثلهم
ولسبب ما فإن هذا الشخص لم يستوعب أن ذلك الرئيس عدو له ولبلده وأن السكوت عنه والرضاء به خطر وخطأ
-----------------------
الآن هناك مسائل عديدة يجب أن تثار سأوضحها كما يلي:
1- من زاوية ما، سنحكم بالخطأ على الشخصين الذي يتخذ الأولياء الصالحين قربات والذي يساند الحاكم المتسلط، وحكمنا هذا نتيجة تقييم للفعل الواقع نسبة لما يجب أن يكون عليه
تقييمنا لفعل الغير انطلق من فرضية أن الفعل عليه أن يكون منضبطا في إطار معين من المحاذير والواجبات نحن من حددها، ولما لم تصدق عليه أفعال الفرد موضوع التقييم حكمنا بعدم صوابيته
2- المسطرة التي انطلقنا منها لتقييم فعل الغير، حينما استعملناها افترضنا أن الغير عارف بها ومدرك لدلالاتها، لكن هل تأكدنا من صحة فرضيتنا تلك قبل اصدار الحكم على الغير بعدم صوابية أفعاله
بمعنى أخر، هل يصح أن نحكم على الغير بمسطرة هو أساسا لا يعرف محتواها وبدقة لا يفهم محتواها ولا يعرف بل ولا يفهم بالنتيجة أنه عليه اتباعها
3- إذا كان الغير غير مطلع أو ليس على علم بمقاييس تقييم ما، فكيف نحاسبه على عدم اتباعها، أي بأي جدارة وترجيح نحاسبه
هنا علينا أن ندخل لمستوى أكثر عمق، لأن الإطلاع غير العلم المؤدي للإدراك والفهم، إذ يمكن أن يكون أحدهم مطلعا على مايجب فعله ومالا يجب ولكنه غير مدرك لدلالة ذلك، وهنا تأتي مسألة الفرق بين المعرفة والعلم، لأن الإطلاع عبارة عن معرفة، أما العلم فهو تفكير مؤدي لفهم دلالات تلك الواجبات والمحاذير
4- المشكل من جهة ثانية أن الواقع عموما عليه أن ينضبط بمسطرة تقييمية على الكل الخضوع لها، لأن ما نحن بصدده يصح على أية مجال منضبط بقواعد، أي يمكننا دائما أن نجد من لا يحترم قواعد شركة ما أو مجتمع ما أو غيرها من التجمعات البشرية، إذن فالإشكال يصبح عاما وهو كيف نحاكم الغير ونقيم أفعالهم وبأي جدارة، وهذا هو بعض معاني المسؤولية الفردية، أي لأي مدى تمتد المسؤولية الفردية بحيث يتحمل الفرد تبعات فعله
5- بعض حل هذا الإشكال يوجد في مستوى التفريق بين المعرفة والفهم، إذ علينا أن نعي أن المعرفة بالمسطرة التقييمية أي الاطلاع من خلال السماع والمشاهدة للواجبات والمحاذير، لايعني فهمها
لكن هذا التفريق المنهجي سيخلق إشكالا اخر، لأننا لانملك أداة نقيّم من خلالاها ونتأكد أيّ المعارف منتجة للفهم و أيها لا، أي كيف سنعرف أن أحدهم حينما سمع وشاهد من يقول أن زيارة الاولياء لا تصح فهم ذلك أم لا، وكيف سنعرف أن الذي يسعى وراء الحاكم المتسلط ويوافقه حينما سمع وشاهد المعارضين، فهم كلامهم أم لا، بمعنى أي حد من المعرفة أنتج فهما يوجب علينا بعدها تحميل الفرد المسؤولية
6- أرى أن هذا الإشكال لن يحل جذريا، ولكن أعتقد أن بعض الحل يوجد في مستوى فهم الفرد للفعل، أي وجوب مروره لمستوى أكثر من المعرفة وعدم البقاء فيها، لذلك يجب أن يكون الهدف هو الوصول بالناس لمستوى الفهم وليس الاطلاع فقط
حينما نعمل على إيصال الناس لمستوى الفهم فإن ذلك يعني عدم الاكتفاء بالاطلاع على الواقع ومعرفته، و إنما إنتاج فكر خاص بك، وذلك سيكون وجوبا من خلال إعادة النظر في الموجود، وهذا هو بعض تعريف الفرد المسؤول، إنه الفرد المنتج للفكر، إنه الفرد الرسالي بالمفهوم القرآني الذي أتى ليغير الواقع بعد أن يتأمل فيه وينظر في قوانينه
بمعنى آخر فإن اقتران الفعل موضوع المسؤولية بالتفكير، هو الشرط اللازم لتحميل الفرد المسؤولية عن أفعاله