فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 683 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
التفكير كما وضحت من قبل (1) هو مسار انتاج المعاني، اما استهلاك المعاني الموجودة فهو معرفة
التفكير إذن بحث في المسارات الجديدة المجهولة غير المطروقة أو بدقة غير المحسوم في نهاياتها، فمجال الفكر هو المجهولات التي يمكن أن تكون مفاهيما معروفة فيصبح التفكير تناولا لأبعاد جديدة من معاني ذلك المفهوم المعروف، أو تكون مفاهيما جديدة من دون وجود سابقة تناول لها
بالمقابل فإن المعرفة تتحرك في المعاني المعروفة أي التي ليست مجاهيلا أو مجهولات
التفكير في الموجود استهلاك للمعاني المتعلقة بالواقع، ذلك يعني أن الاكتفاء بالمعرفة الحاصلة سيجعلك تتحرك لزوما في ما تمّ إيجاده من قبل
استهلاك المعرفة الذي يمكن أن نسميه تجوزا تفكيرا، وليكن التفكير المعرفي، منضبط لزوما بمجال وشىروط إيجاد تلك المعارف، حيث أنت لست بوارد إعادة النظر في تلك المعارف و إنما أنت بصدد استهلاكها وفهمها كما هي بشروطها وإطارها، لأن تلك المعرفة تصبح المرجع للفهم فأنت مادمت تسعى لاستيعابها فإنها تبقى متجاوزة لك حيث تكون نهاية استهلاكها هي ذاتها لحظة انعدام الحاجة لها، فلايمكنك اساسا أن تعيد النظر في شروط إيجادها والفرضيات التي استعملت في بنائها
لذلك فإن المعارف ومنها التفكير المعرفي تمثل أداة ذهنية للاقناع بشروط إيجادها، أي أن المعرفة تتحول لوسيلة للاقناع ليس بذاتها لذاتها أي محتواها وانما بالطرق المستعملة في إيجادها وطرق تحصيلها سليمة، وهي عموما شروط علمية ولكنها كذلك زوايا التناول والخلفية العقدية
إذن المعارف يمكن أن تتحول لاداة تحويل ايديولوجي تعمل على الإقناع بالادوات المستعملة لتحصيل المحتوى المعرفي الذي كان ابتداء هو المطلوب فاذا به يصبح مجرد مستوى ثاني من حيث التأثير تاركا الدور الاول لطرق إيجاد تلك المعرفة
---------
هذا يصح بدرجة كبير في الانسانيات حيث المعارف التي تقدم كعلوم تختلط مع زوايا النظر التي استعملت في تحصيلها، ويصبح علم التاريخ وعلم الانسان (انتروبولوجيا) عامل اقناع بزاوية النظر التي استعملت في الفهم أكثر من الاقناع بمحتوى تلك المعارف المفترض أنها هي المطلوبة
بل إن الدارس لتلك المعارف لايفرق بين المستويين أي بين المحتوى الذي هو معرفة وليس علما وبين طرق انشاء تلك المعارف اي زاوية النظر والخلفية العقدية، فينتهي به الحال لتبني فكرة أن الدين ثقافة وأنه ظاهرة تاريخية، وتنشأ في جامعاتنا مسارات دراسية تدرس الاسلام كثقافة في إطار علم الانسان، بينما لا يدرسون الماركسية من حيث قواعدها المنهجية كثقافة مثلا لأنهم يعتبرونها علما بذاته، رغم أن الاسلام له مستوى موازي للماركسية، لكنهم لايعترفون بذلك ويصرون أنه مجرد شعائر وطقوس بدائية
سبب ذلك أن من وضع محتويات علم الانسان انطلق من فهم الاسلام كثقافة بشرية ثم أتى جماعتنا وتبنوا تلك المعارف وتبنوها بمسلماتها المعرفية والعقدية
فتحول علم الانسان وغيره من العلوم الانسانية لأدوات إلحاق فكري بالغير المغالب
----
نحن هنا في نموذج كيف تصيّر المعارف أداة تحويل ايديولوحي لانها معارف وليست تفكيرا حتى و إن كان يشوبها التفكير فهو تفكير في اطارها الذي وضعه بناة تلك المعارف وسموها علوما وماهي بالعلوم، فهو مجرد تفكير معرفي وليس التفكير الحر المطلق الذي ينظر لخارج إطار تلك المعارف
--------
(1) ينظر للمقالات التالية:
تأملات (35): المعرفة ليست التفكير
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10507
تأملات (36): الإدراك ليس الوعي
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10508
تأملات (37): المعرفة ليست العلم
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10509