فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 855 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
توجد العديد من صفحات التواصل الاجتماعي التي تقدم محتويات جيدة، وأن يكون المحتوى جيدا، فإن ذلك لا ينفي كونها للأسف تسوق بالتوازي أفكارا أخرى سيئة
فهؤلاء يتناولون مرة الشخصيات التاريخية من الصحابة والتابعين ومرة أولئك المعاصرين، ثم يركزون في تصوير مواقف تلك الرموز ومعاناتهم لتأكد انهم قدوات بحق، وهم فعلا قدوات، لكن هذا التناول يفسد أكثر مما يصلح
1- تناول القدوات والرموز والتذكير بهم، إن كان يراد منه تذكيرنا بأهميتهم فذلك أساسا أمر نتفق كلنا عليه ولسنا بحاجة لمن يذكرنا بحياة الصحابة ولا بمواقف بعض التابعين ولا بقصص أبطال التحرير وغيره
وإن كان يراد منه أن يقع تذكيرنا من خلال تلك القصص بالغرض من كفاحهم ومواقفهم، فان ذلك القصد لايكون من خلال الشخص
2- الشخص المفترض أنه قدوة تحرك من أجل نصرة المبدئ والفكرة، وهو يتخذ قدوة تحديدا من أجل ذلك، أي أن مقصد التمييز هو الفكرة ومالشخص الا أداة نصرتها، فإن كنا نريد استذكار الشخص كواسطة للفكرة فهذا لاداعي له مادامت الفكرة يمكن تناولها مباشرة، ولما انتفى داعي المنع من تناول الفكرة، فإن التركيز على الشخص يحوله لتناول ليس بقصد نصرة الفكرة وانما استذكارا لذلك الشخص باعتباره الذاتي، أي أن هذا التناول يوظف حقائق تاريخية لانتاج مركزية حول ذلك الشخص
3- الشخص يتناول من خلال سياق معين في معركة أو حدث، يجسم نصرته لفكرة ما، فهنا توجد ثلاثة عوامل وهي الشخص والاطار والفكرة موضوع النصرة، فالتناول المحتمل اطلاقا يمكن أن يجعل كل مرة أحد المتغيرات الثلاثة ثابتا كمحور والباقي يدور حوله
فإن نتخذ الشخص محورا، يجعلنا لاننظر للفكرة (نصرة الاسلام، التصدي لفرنسا....) الا في تلك الحادثة الإطار فقط، وهي ستغيب وستبدو فكرة باهتة لأنها لم تظهر أنها المطلوبة بالايضاح والتمييز حينما ركزنا على الشخص
بينما لو نتخذ الفكرة ثابتا أي محورا للتناول، فإننا سنجد كل مرة حدثا به اشخاص ينصرونها، وتصبح حالة ذلك الشخص القدوة مجرد حالة بطولية من بطولات اخرى
4- إذن حينما نغير المحورية من الشخص للفكرة، سيصبح التناول ليس ذكر ذلك التابعي وماعاناه في حدث قصير أمام "الحجاج"، وإنما ستناول فكرة الثورة المضادة التي قادتها قريش ضد الاسلام والتي تصدى لها أبطال من الصحابة والتابعين عملوا على إحياء ثورة الاسلام التي عملت قريش على خنقها، ومنهم ذلك التابعي الذي قدمته بتركيز على شخصه مما أنسانا الحدث الفكرة التي هو ذاته قدم نفسه لنصرتها، فمحورية الشخص تغيب الفكرة
وحينما تكون الفكرة هي المحور عوض الشخص، فإننا حينما نقدم أحد الابطال الذي تصدى لفرنسا، سنركز على فكرة فرنسا التي احتلتنا وقتلت التونسيين منهم ذلك البطل واغتصبت نساءهم، عوض التركيز على ذلك البطل واسرته وحياته مما ينسينا الحدث الأكبر والفكرة التي قدم البطل نفسه لنصرتها
وقس على ذلك غيرها من الاحداث
5- التناول المتمحور حول الشخص ناتج في أصله من عقلية التبعية للغير فهذا التمشي كله نموذج للفرد التابع، فهو لايرى الوجود والأحداث إلا من خلال عدسة غيره، ولا يمكن تناول التاريخ وأحداثه إلا من خلال مافعلته رموز معينة
لأن عقلية التابع ليست مصممة للتناول من خلال الافكار، فهو لايمكنه فهم أن الفرد مجرد عامل من عوامل أخرى في سياق الاحداث لنصرة فكرة ما
الاخطر ان التناول المبني على محورية الشخص يعمل على إفساد واقعنا، لأنه يكرس فكرة وجوب التبعية للغير في الواقع الحالي، وهذا يمثل مجالا خصبا لانتاج الزعامات وأدوات التحكم بالجموع