فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 663 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يحصل أني أدخل في نقاش فكري مع أحدهم، فيمضي معي قليلا، ثم سرعان ما تراه يستحضر أسماء للمحاججة بها، فيهرب من الموضوع ويتكأ على تلك الرموز التي استدعاها لتوجيه النقاش معتقدا أن ذلك سيحسم المسألة
فمرة يلوح في وجهك تعريفات الحرية حسب "كانط " ومرة يذكرك بمفهوم التاريخ حسب "هيجل" ومرة يذكرك بنظرية القيمة حسب "ماركس" ثم يزيد تذكيرك أنها صحيحة وباقية الاستعمال ولا أحد في العالم رفضها أو اعترض عليها
هو لا يفهم أني أريد رأيه هو في الموضوع الذي نتناوله، ولا أريد رأي "ماركس" أو "هيجل" أو "كانط" الإطلاقي
مالذي يجعل أحدهم يستحضر رأي مفكر ما في سياق نقاش، لماذا لم يناقش برأيه الذاتي الذي استقاه من ذلك المفكر، لماذا لايكوّن رأيه الخاص وصيغته الخاصة حتى وإن كان في أساسه مبنيا على فكرة غيره، وماهي دلالات هذه "المواقف التفكيرية"
1- الاعتماد على الغير والإحالة إليه له أهمية في مستوى المعلومات حيث أنك حينما تذكر معلومة ما، عليك أن تحيل لمصدر يؤكد صحتها الوجودية أي أنها موجودة وليس بالضرورة صحة محتواها وصوابيتها
والمعلومة قد تكون كمية تقنية أو علمية، أو معلومة تتعلق بقولة لأحدهم أو آية، فالإحالات تعني مصداقية المعلومة المنقولة، ولا تعني أي شيئ آخر، وأهم ذلك ان الإحالة لا تعني أن المحتوى المحال إليه ذو قيمة ولا أنه مناسب لذلك السياق
2- الإحالة في الأمور الكمية التقنية تستعمل حينما تكون المعلومة المنقولة شرطا في صحة المقال (الارقام والاحصائيات ....)، فهي إحالة ذات قيمة، لأن المعلومة المعنية في تلك الحالة هي كما نقرأها بذاتها المطلوبة (مثلا نسبة نمو 5 بالمائة دلالتها كما هي ظاهرا)، بينما الاحالات للافكار لايكفي فيها الاحالة لقائلها، لأن الفكرة ليست الكلمات المنقولة فقط فضلا أن تكون إسم قائلها
3- الذي يريد نقل فكرة عن الغير يفترض أنه يفهمها ويستطيع أن يكتبها ويدافع عنها، ثم إن تلك الفكرة يمكن أن تكون من إنتاج ذاتي ويمكن أن تكون حصيلة خلاصات مطالعات للغير، في كل الحالات المتمكن من فكرة بقطع النظر عن مسار نشأتها لايوجد مايمنعه من عدم عرضها والدفاع عنها، فالاستناد للغير أي الاحالات للاشخاص ليس يوجد مايبرره في مستوى الاقناع بالفكرة كفكرة، أي أن الاستناد للغير ليس له تعلق بلزوم تفسير الفكرة لأن الفكرة تفسر بذاتها حيث إنها عندما تخرج من قائلها تحمل عوامل وجودها المبني على قواعد منطقية وخلو من المغالطات، لأن الفكرة مستقلة عن مصدرها و إلا أصبحت كلاما ذاتيا لا معنى له خارج مجال من قاله
4- الذي يعتمد على ذكر شخص لإسناد رأيه، ينطلق من فرضية تقول أن الكلام لايأخذ قيمته المنطقية أي صوابيته التي تعني الخلو من المغالطة وحمل المعنى، من ذاته اي من بنائه الداخلي كما تحمله صياغة الكلمات في جمل، وإنما يتصورون أن الكلام يحمل قيمة من سبب خارجي عنه و أوله مصدر الكلام وقائله، فهم يرون أن قائل الكلام هو من يعطي قيمة له، ويكفي في هذه الحالة أن تستند لقائل الكلام حتى ينتهي النقاش ويحسم لان شخصا ما قاله
فماركس مثلا حينما يقول: الموت كذب (1)، انتهى الامر لا نقاش في هذه الجملة، ولا مجال لتفسيرها او الاعتراض عليها مادام ماركس قد قالها
5- الذين يتكؤون على عكازات خارجية أي على قائل القولة أو الفكرة، يجعلون الكلام له باطن لانفهمه لكن يفهمه فقط منتجه وهو قائله، لأن الكلام لو كان ذا معنى ظاهر واضح لاعتمدوه للإقناع في سياق نقاشاتهم التي استعملوا فيها تلك الاحالات
6- الذين يحيلون للغير من قدوات الفكر، يجعلون الكلام غير موضوعي أي من دون تعلق بمضوعه الظاهر كما نفهمه أي أنهم يلغون دلالات اللغة الظاهرة، و إنما هو كلام يحمل اسرارا لا نفهمها، ثم إنهم يرفعون أولئك المفكرين لمنصبة القديسين لأنهم يقولون كلاما لا يفهمه الغير و إنما تاتي قيمته من قيمتهم الشخصية التي رفعت لمرتبة اعلى من مراتب البشر
7- هؤلاء الذين يتكؤون على عكازات حينما يفكرون، يمثلون الفرد التابع في نسخته "المفكرة"، وهم عوامل إلحاق بالغير، هم عبدة أشخاص، وهم أدوات نشر البلادة الذهنية لأنهم يصرون على تحييد عقولهم حين تناول المسائل، وهذا ينتهي بهم لإنتاج الأوثان بفعلهم الذي يفعلوه و إن زعموا أنهم يفكرون وقدموا بمظهر المفكرين
**********
(1) ماركس لم يقل ذلك ، هذا مثل سقته بغرض الجدل