ترحيل المشاكل للآخرة بعد العجز عن حسمها في الدنيا، نموذج للتدين حينما يتحول لأداة تواكل واستقالة من الفعل
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 728 محور: التدين الشكلي
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الجلاد الذي عجزوا عن محاسبته وهو حي، يتمنون رميه بجهنم بعد موته
نقلت الاخبار موت أحد كبار جلادي بن علي المدعو محمود الجوادي ، الذي كما يبدو سام الكثيرين العذابات والألام بأصنافها وهو الذي برع في ذلك
العديد من الصفحات نقلت خبر الموت بتشفي كبير، بل زادت أن نقلت أقوالا أخرى عن موت ابنه وابنته بحادث مرور منذ سنوات، وإن ابنه الاخر هجره، في شماتة باهتة، لكأن موت الابناء أصبح عارا
وغالب الصفحات نقلت الخبر مع تمني العذاب الشديد له من عند الله، واخرون طلبوا له الرمي مباشرة في نار جهنم انتقاما منه وتعويضا لهم عما عجزوا هم عن فعله في الدنيا
1- ماتكشفه هذه الكتابات عن موت هذا الجلاد، أن الكثيرين قلوبهم يملؤها الغيظ والكره لهذا الرجل وعموم الجلادين ورجالات بن علي، و أنها تتمنى عقابه عما فعله
إذن الناس لم تسامح هذا الجلاد و أمثاله عكس ماقيل لنا، ألم تروج النهضة أنها تسامحت مع الجلادين ودليل ذلك قبولها بحكاية العدالة الانتقالية وفصولها التافهة
إذن لماذا تخلت النهضة عن تتبع ومحاسبة هؤلاء الجلادين، لماذا سكتم عن عدم محاسبة هؤلاء، لماذا سكتم عن خيانة حركة النهضة ووقوفها ضدكم إرضاء لفرنسا ومنظومتها والمجتمع الدولي وطلبا لرضاء الاعلام والاحباب قدماء الممولين والمنظمات التي يديرها الاصدقاء الغربيون وتقربا من السفارات
2- هذا الجلاد تبول عليكم وعلى أهلكم، ولم تستطيعوا فعل أدنى شيئء ضده وهو حي رغم تسلمكم السلطة، فأنتم نموذج للعجزة، والان تشمتون به لموته، اعلموا أن الموت ليس عارا ولا عيبا ولا عقابا، ولا يشمت بالموت الا من أوتي أخلاقا من تلك التي تعرفونها، و أنتم بهذا الفعل أضفتم لخوركم وانكساراتكم النفسية إذ لم تعاقبوا مجرما فعل بكم الأفاعيل، هذه الشماتة، فطوبي لكم أن جمعتم "المجد" من طرفيه
3- تظهر جدية العديد من الكتابات التي تدعو الله أن يدخل الجلاد جهنم و أن يخلده فيها، أن هؤلاء ينوون حسم مشكلتهم التي لم تحل مع الجلاد في الدنيا من خلال عقاب يوم القيامة، وهذا تصور يعكس مفهوما غريبا للدين
الاسلام جعل فصلا منهجيا بين الدنيا والاخرة، و جعل لكل منهما قوانينا تحكمها، الاخرة لم تجعل لحل مشاكل الدنيا، لأنها تأتي في مرحلة لاحقة عنها، فلا يعقل أن نحل مشاكلنا الدنيوية من خلال عقاب الاخرة
الآخرة جعلت لمجازاة الأفراد عما فعلوه في الدنيا، ولكنه جزاء غير رجعي
الدنيا لها قوانين تحكمها و أهمها أن الفعل يحسم وينتهي أثره في مجال الدنيا، بمعنى آخر، ماذا يهمنا نحن إن عذب الله ذلك الجلاد يوم القيامة
نحن نريد أن يحاسب الجلاد في الدنيا لكي يكون لفعل المحاسبة أثر في الواقع وتغييره
4- ترحيل محاسبة الافراد للاخرة، يعني التخلي عن الفعل الواجب القيام به في الدنيا، فهنا نحن إزاء استقالة من الفعل، و إن اتخذت ظاهر الزهد والتدين والصلاح، وهذا يفتح المجال لطرف الصراع المقابل للاستحواذ على الواقع والتفرد به
أساسا إدخال الاخرة في حسم الصراعات الدنيوية يفتح الباب للتراخي في القيام بما يستلزمه الفعل موضوعيا أي في الدنيا
الخطير أن هذا الموقف العاجز عن محاسبة الظلمة في الدنيا، يتستر بظاهر التقوى والتسامح مما يصيره موسوما بالموقف الديني ويصبح الاسلام هو الذي تخلى عن تغيير الواقع وسكت عن ظلمه، ثم ينتهي به إسلاما وظيفيا لخدمة الحكام
5- الانهزام عن الفعل أمر يساعد الطرف المقابل، لذلك فإن دعوات ترحيل الصراعات وحسمها للاخرة وترك مواجهة الظلمة ليوم القيامة، موقف يصب في مصلحتهم، لذلك ولهذا فإن المتحكمين بالواقع عموما يروجون لدعوات الزهد والانسحاب من الحياة العامة والتفرغ للاخرة بزعمهم، لأن ذلك يترك المجال لهم وحدهم من دون مغالبة
علما أن فتح الباب للقول بحسم المواجهات مع الواقع ورموزه ليوم القيامة عوض الواقع الحاضر، يجعل كل فعل به أقل مشقة مرجحا للترحيل ليوم القيامة، أي تصبح استقالة عن أي فعل في الواقع