تحويل الدين لثقافة ثم التباكي، نموذج احتفالات المولد

فوزي مسعود - تونس
المشاهدات: 556
محور: المفكر التابع

يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط

صادف مايقال أنها احتفالات المولد هذه السنة ما خالطها مما تعرفون من سلكويات غير أخلاقية
وقد انبرى الكثير يسفه ممارسات تلك الفتيات المتعريات اللاتي فهمن الأمر كما هو حقيقة وهو أنه حفلة ثقافية، لكن المعارضون الذين يقبلون تحويل الاسلام من عقيدة لثقافة من خلال تشجيعهم تلك الاحتفالات التي لامعنى لها في الاسلام العقيدة، يزعمون معارضة ذلك حينما تحول المحتوى الثقافي لتلك الحفلات لغير مايريدون، اذن فمعارضتهم لا علاقة ولا تعلق لها بالاسلام وانما هي معارضة تدور في المستوى الثقافي اي رفض للمحتوى الثقافي لاننا اساسا ننتحرك في انتاج ثقافي لا علاقة له بالاسلام

يعني مايقع هو اختلاف حول محتوى ثقافي ويراد مواجهته بنقل مستواه من ثقافة لدين، والحال أن من أوجد تلك الاحتفالات وأعطاها الشرعية هو من أسس أصلا لهذا التحريف في الاسلام

وهذه هي المغالطة التي سأوضحها لاحقا، وهي تحويل الاسلام وتنزيله من مستوى عقيدة لمستوى ثقافة والزعم ان ذلك من الاسلام من خلال التغطية باثارة الدخان المختفي تحت احكام الحلال والحرام

سأفصل الموضوع في نقاط كالتالي:

1- تناول الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، لايجب ان ينظر اليه من زاوية التحليل والتحريم

الحلال والحرام احكام فقهية حدّية، وليست ادوات لفهم الموجود، ذلك ان الحكم الفقهي متعلق بفعل في نقطة زمنية معينة ومكان معين وشروط معينة، لذلك فهو حكم حدي نقطي، بينما مسار الفعل الذي انتج تلك النقطة اكثر من ان يكون تلك النقطة فقط، فالفعل يمضي حسب مسار كامل نسبة للزمن وفيه نقاط عديدة منها النقطة التي وقع فيها الفعل المتعلق به الحكم الفقهي

اذن لفهم مسار حدث ما يجب النظر لمسار الفعل كاملا وتغيراته نسبة للزمن، ولا يكفي النظر لنقطة فقط من مساره المتعلقة بالحكم الفقهي

لكل ذلك فان الاحكام الفقهية لا تفسر مسار الفعل ولا تؤدي لفهم الواقع، ولا يجب استعمال الاحكام الفقهية لفهم الواقع والموجودات، وهذا الخلل المنهجي يمثل اكبر مدخل لتحنيط واقعنا وجعله يشذ عن احكام الاسلام لان التناول الفقهي القاصر يراد استعماله لتفسير الواقع، فيكون ذلك غير ممكن، فتصبح احكام الفقه لا معنى لها وينفصل الواقع عن الاسلام نتيجة خلل منهجي وهو اخضاع فهم الواقع لاحكام فقهية حدية

لتقريب الفكرة، وللذين لهم معرفة بالرياضيات، فان حكم الحلال والحرام عبارة عن نقطة من مسار دالة رياضية (fonction)، فبغرض فهم مسار تلك الدالة علينا دراستها كاملة في مسارها المتغير عبر مجال وجودها (domaine définition)، بينما الحكم الفقهي متعلق بنقطة معينة فقط من مسار كل تلك الدالة فهو يشبه (continuité) في نقطة معينة في الرياضيات، ومن الخطأ بالطبع اختزال كل الدالة (fonction) ومنحياتها في مجرد نقطة لفهمها والواقع من ورائها الذي تمثله، إذ نصبح كأننا الغينا الواقع واختزلناه بنقطة (1)

لذلك الحلال والحرام لا معنى له في فهم الواقع ولا يجب ان يستعمل في تناول احتفالات المولد

2- الانسان يؤطره في مستواه اللامادي الذهني ثلاث مجالات تتحرك فيها المعاني و المفاهيم، وهي من حيث ترتيبها حسب اتساع تأثيرها: العقيدة فالفكر فالثقافة

العقيدة هي التصورات الدينية أو الوضعية التي تقدم معنى لوجود الانسان وتعطي التفسير لأفعاله في بعديها المادي واللامادي (العقائد التي لاتعترف بالبعد اللامادي فتفسيرها له هو الغاؤه)
الفكر هو البعد اللامادي للموجودات المشتقة معانيها من العقيدة
اما الثقافة فهي تنزيل الفكرة في بعدي الزمان والمكان، اي أن الثاقفة هي الفكرة المشتقة بدورها من عقيدة، وتنزيل فهمها في واقع معين

العقيدة ذات إتجاه واحد عمودي لا سلطة للانسان عليها بالتغيير أو التحوير، اما الفكر فهو منتوج بشري موضوع تغيير لكنه تغيير لايخضع ولايخوضه الا أصحاب الفكر والرأي الاصيل غير النمطي من حيث أنه موجود لامادي يؤثر في غيره من الموجودات المادية
بينما الثقافة مجال متاح بل جعل للتغييرات المفتوحة من كل الاتجاهات، لأن الأفكار حين تنزيلها واقعا تصبح موضوع افهام الناس ومعايشتهم لها، ففكرة الكرم او الشجاعة او العفة او التدين تتنزل من معانيها اللامادية كما وضعها المفكرون والفقهاء والفلاسفة لتعاش لدى الناس بأفهام مختلفة، وهو ما ينزلونه في ثقافتهم من أعمال فنية كالرسم والشعر والغناء وغيره

إذن الثقافة ليست فكرا والفكر ليس عقيدة، و أقل من ذلك أن الثقافة لايمكن أن تكون عقيدة

3- احتفالات المولد تدور حول شخص نبي الاسلام صلى الله عليه وسلم، وهي تبدىء وتعيد في ذكر شمائله اللامادية لكن كذلك أوصافه المادية الجسمية من توسط خلقته ولون شعره وعينيه وغيرها، فهذه معاني تجعل من النبي موضوع تبجيل ومحور الاهتمام

طيب، لماذا تحتفلون بمولد النبي، ألانه رسول مثلا، الرسول يعني مبلغ الرسالة ولا علاقة له بالرسالة فهو لم يوجدها ولم يؤثر فيها لكي نلصقها بها، نحن طلب منا كمسلمين أن نحتفل بالرسالة أي الاسلام من خلال التزامها ولم يطلب منا الاحتفال بمن أوصل الينا الرسالة
من أين لكم ان الرسول تقام له الاحتفالات، هذا تزيّد لا معنى له في الاسلام العقيدة

اذن من أين تاتي هذه الاحتفالات، إنها ثقافة وجدت بفعل أسباب تاريخية ليس الان مجال بحثها، ولما كانت مجرد ثقافة فإن علينا ان نفهمها كذلك لا اعتبارها من الدين والافتاء بشأنها

4- عدم فهم المستويات الثلاث للدوائر اللامادية المؤثرة في الفرد وهي العقيدة والفكر والثقافة، ينتج عنه خلط كبير وتحريف للاسلام من وراء ذلك

مصداق ذلك أن العديد من شرائع الاسلام تحولت لثقافة، فشهر رمضان الذي هو من الاسلام أي عقيدة تحول لثقافة، والصلاة التي من الاسلام أي عقيدة تحولت لثقافة وانظروا لصلاة العيد والجمع، والحج الذي هو من العقيدة تحول لثقافة حيث التباهي والماديات والشركات الربحية

وتحويل الإسلام من مستوى عقيدة لمستوى ثقافة يكون مدخلا لزرع الانحرافات في الاسلام وتغليب الواقع ضده، لان الثقافة نتاج الواقع، فحينما تنزل الاسلام من عقيدة لثقافة فإنك ترذل العقيدة وتحارب معانيها

إذن احتفالات العيد كان من الاساس التخلي عنها لانها باعتبارها ثقافة متعلقة بالاسلام ستكون مدخلا لمغالبته، او على الاقل عدم الدفاع عن تلك الاحتفالات من منظور الاسلام، ولنقل فقط انها احتفالات ثقافية كمناسبة الاولياء الصالحين "الزرد" مثلا، لا ان تدافع عنها وتفتي فيها من منظور الاسلام، والحال أنها لا علاقة لها بالاسلام العقيدة

--------------
(1) لفهم هذا الموضوع بعمق اكثر، ينظر لبحث لي، بعنوان: الربط بفرنسا :الآليات الذهنية لصناعة الضحايا (2) – التفسير النتائجي
https://myportail.com/articles_myportail.php?id=9988

اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

احتفالات المولد، الإسلام، الثقافة، العقيدة، الفكر،

6-10-2022

لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه

رابط المقال

لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال

البريد الإلكتروني

اسمك