البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

حديث السيادة والتخوين في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1683



ندخل في نهاية شهر حزيران/ يونيو معركة أخرى مزيفة في تونس، وستدوم المعركة مدة طويلة لأن الحسم فيها ليس عسكريا. ولن يكون فيها منتصر ومهزوم، بل سيهدر وقت كثير قبل أن يحدث حدث يغيب المعركة ويفتح أخرى بنفس الوسائل والأسلوب.

لقد صارت المعارك المزيفة اختصاصا تونسيا خاصة تحت حكم قيس سعيد. عنوان هذه المعركة السيادة الوطنية، وأحد طرفيها هم عشاق البيادة العسكرية الذين ناصروا انقلاب السيسي على الديمقراطية وناصروا الانقلابي حفتر في ليبيا ويرون بشار زعيما قوميا، ويمنعون وضع الدستور التونسي المدني حيز التنفيذ.

انطلقت المعركة بمكالمة هاتفية بلهجة آمرة وجهتها مسؤولة بالخارجية الأمريكية لرئيس الحكومة هشام المشيشي بوجوب بناء المحكمة الدستورية وبسرعة، فقرأ معارضو الحكومة الأمر كتدخل سافر في الشؤون الداخلية للبلد، بما يجعل رئيس الحكومة ومن ورائه الحزام البرلماني الذي يسنده خونة وعملاء للإمبريالية، وبما يجعل كل جدال منطقي لهذا الموقف تبريرا للخيانة ومشاركة فيها. وعلينا أن نصمت لأن هناك من لا يريد انتخاب أعضاء المحكمة؛ التي هي جزء من الدستور الذي يحكم البلد والذي على أساسه تم انتخابه.

تناقضات بالجملة في مواقف التخوين

هذه المكالمة الهاتفية الأمريكية ليست الأولى، فقد سبقتها مكالمة كامالا هاريس لرئيس الدولة تؤكد على ضرورة استكمال المؤسسات الدستورية، لكن ذلك لم يسترع انتباه أنصار الرئيس، فغضوا الطرف عنها ولم يشعروا بأن السيادة الوطنية مخترقة.

هؤلاء الغيورون على السيادة صمتوا على حدث أفظع، فقد سمعوا ورأوا الرئيس يتحدث عن فترة الاحتلال وتدمير السيادة الوطنية بصفتها مرحلة حماية قانونية مشروعة، حتى أن الرئيس قبّل كتف رئيس دولة الاحتلال في سابقة لم يعرفها البلد منذ استقلاله.

من بعض الغيورين على السيادة في هذه الأيام من أمضى على اتفاق مجهول المحتوى مع الأمريكيين؛ لم يطلع التونسيون على مضمونه، ومنهم من دعا الفرنسيين للتدخل في تونس لحماية الديمقراطية من الإسلاميين، وهؤلاء جميعا وقفوا في صف العسكر المصري وهو يتلقى الأوامر الأمريكية والأوروبية بالانقلاب على الديمقراطية الناشئة في مصر، وهم أنفسهم من يقف بعد مع المنشق حفتر على أمل أن يهزم الثورة الليبية، وهم يرون السلاح الفرنسي والروسي بين يديه ومليشيات فاغنز والجنجويد تحفر المقابر الجماعية في ليبيا؛ فيطالبون برحيل الاحتلال التركي.

لو رغبنا في تتبع تناقضات زاعمي الغيرة على السيادة الوطنية لوجدنا لهم ما به نحبر آلاف الصفحات، لذلك نقول إن هذه الغيرة الناشئة هي نفاق سياسي محض يستهدف الحكومة وحزامها السياسي. في ذات الوقت هذ الحزام لا يجد المخرج القانوني من التعطيل الذي أحدثه الرئيس وحزامه في مجالات مختلفة، منها انتخاب المحكمة الدستورية، ونستشف لديهم ترحيبا بالضغط الخارجي كأنهم يستدعونه، وهذا وجه من وجوه العجز غير القابلة للتبرير.

السؤال الذي لن يجيب عليه المزايدون بالسيادة: هل إلغاء المحكمة الدستورية بدعوى سقوط الآجال يؤسس للسيادة الوطنية ويمنع التدخل الخارجي في شؤون البلد؟ أليست السيادة على الداخل الوطني وعلى العلاقات الخارجية مشروطة بوجود مؤسسات قانونية فاعلة؛ تحل المشاكل الخلافية بإرادة داخلية وتقطع ذرائع التدخل الخارجي؟

لا ننتظر منهم إجابة فهم أعجز من تبرير تأويل الرئيس للقانون الدستور.. إنهم لا يرونه على صواب، لكنهم يعجزون نكاية في خصومهم عن التصريح، فيحولون الأمر إلى مزايدة سياسية تديم الخلاف الداخلي ولا تحله، وهو ما يفتح باب التدخل الخارجي الذي لا نراه يراعي مصالحنا ولكنه يمهد بخلافنا لمصالحه، وهنا العقدة وحلها.

البراغماتي الأمريكي لا يقيم وزنا للخطاب الأيديولوجي

أمام حالة الاحتباس السياسي الداخلي التي صنعها الرئيس وحزامه، لا يمكننا ونحن نبحث عن مخارج وحلول أن نتعلق بوهم الحب الأمريكي لتونس. ننطلق من يقين واقعي جدا.. الأمريكي يبحث عن مصالحه ويكيّف سياساته على ضوء ذلك، وإذا كان رأى يوما أن وجود أحزاب إسلامية في الحكم في المنطقة العربية يهدد مصالحه فلا نراه يتوقف عند ذلك طويلا، بل نراه يعيد تقدير مصالحه ويغير حلفاءه. لذلك لا نستغرب أن نجده يتحالف ويمد للإسلاميين؛ لا إيمانا بأطروحاتهم ولكن لأنهم العنصر الأقوى على الساحة ويمكنهم فعل شيء ما يمهد له أولا ويمهد لهم ثانيا، وهم الباحثون عن تشريع وجودهم في ساحة أقصتهم منذ نصف قرن ولم تسمح لهم بالمشاركة بل لم تسمح لهم بالحياة.

هل سيكون هذا التحالف الأمريكي الإسلامي (وهو تحالف افتراضي بعد) لصالح تونس وبلدان تشبهها (ليبيا ومصر مثلا)؟ الإجابة السهلة هي لا كبيرة، ولكن هل يوجد حل لا يسمح بتدخل خارجي مهما كانت الجهة المتدخلة؟ الإجابة هي لا كبيرة أخرى. إذن ما العمل؟ وهو السؤال العملي الذي يقود التحولات والثورات أيضا.

لقد كانت بوابة دخول القوى الخارجية بين فرقاء الوطن الواحد هي دوما فرقتهم الداخلية، وهذا لم يبدأ اليوم أو في تونس بالذات بل هو تاريخ طويل وقاعدة سوسيولوجية يمكن تطبيقها على كل تجارب الأوطان الأخرى. وإغلاق باب الدخول على الأجنبي يبدأ ببناء تفاهمات داخلية حول المشتركات الوطنية، فهل نجد علامات على ذلك في معارك التونسيين الداخلية؟ الإجابة هي لا كبيرة بحجم لا يقاس.

الحلول في الداخل ولا يمكن استيرادها

هذه قناعة نقرأ بها التاريخ.. فرقاء الوطن الواحد محكومون بالتعايش والعمل المشترك رغم الخلافات التي هي مكون ضروري في كل تجربة سياسية، والحكمة السياسية عند التصدي للشأن العام تتجسد من خلال تحويل الخلافات إلى عنصر بناء لا إلى عنصر هدم وصراع.

في الحالة التونسية في الوقت الراهن يمكن ممارسة التطهر السياسي باتهام الآخرين بالعمالة للأجنبي (لا أحد نظيف اليد والقلب من ارتباط خارجي)، لذلك يمكن للمتهم أن يتهم أيضا، فكل فريق ملك أو يسعى أن يملك خيوط ارتباط مصلحي واستقواء مع قوة خارجية. ولا فرق في الواقع بين الاستقواء بفرنسا أو الاستقواء بقوة أخرى (أمريكا بريطانيا أو حتى الواق الواق)، وتعادل نوايا الخيانة/ العمالة أو الاستقواء بالأجنبي يجب أن ينتج كفّا مباشرا وحاسما عن كل استقواء، والانكباب على مصالحات داخلية. لا يوجد صديق في الخارج إلا بمقابل من مصالحه أولا.

عندما نتحدث بلغة "يجب" فنحن لا نقدم دروسا في الأخلاق السياسية لأحد، بل نكرس قناعة بسيطة وواضحة. قوة كل بلد في داخله، وتعبر عنها نخبه وطاقاته العلمية والثقافية، وتنفذها قواه الإدارية والاقتصادية. وفي اللحظة التونسية الراهنة هذه القناعة هي المصير الوحيد المتبقي للخروج من حضيض الأزمة الصحية والاقتصادية التي تطحن عظام البلد وتفتت نسجه.

ليس أسهل من الوقوف على ربوة التطهر السياسي ونعت الآخرين بالعمالة، ولكن الوضع الكارثي سيجرف حتى الربوة التي يقف عليها المتطهرون.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، بقايا فرنسا، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 1-07-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. كاظم عبد الحسين عباس ، إيمى الأشقر، د- جابر قميحة، صباح الموسوي ، أحمد النعيمي، محمد أحمد عزوز، عزيز العرباوي، محمد يحي، طارق خفاجي، كريم فارق، رضا الدبّابي، عبد العزيز كحيل، علي عبد العال، أحمد بوادي، حسن عثمان، تونسي، محمد عمر غرس الله، د. طارق عبد الحليم، عبد الغني مزوز، يحيي البوليني، يزيد بن الحسين، فتحي العابد، سامح لطف الله، صالح النعامي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - صالح المازقي، العادل السمعلي، عبد الرزاق قيراط ، حسن الطرابلسي، عبد الله الفقير، عمر غازي، د- هاني ابوالفتوح، عبد الله زيدان، صفاء العربي، رشيد السيد أحمد، د - الضاوي خوالدية، أ.د. مصطفى رجب، ضحى عبد الرحمن، حميدة الطيلوش، د.محمد فتحي عبد العال، سلوى المغربي، حاتم الصولي، د. أحمد بشير، سليمان أحمد أبو ستة، حسني إبراهيم عبد العظيم، ماهر عدنان قنديل، الهيثم زعفان، أنس الشابي، مصطفي زهران، عمار غيلوفي، إسراء أبو رمان، مراد قميزة، فتحـي قاره بيبـان، عراق المطيري، سفيان عبد الكافي، خبَّاب بن مروان الحمد، الهادي المثلوثي، سامر أبو رمان ، محمد اسعد بيوض التميمي، بيلسان قيصر، محمود طرشوبي، محمد شمام ، صفاء العراقي، محمد الطرابلسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، ياسين أحمد، محمود فاروق سيد شعبان، محمد الياسين، د. أحمد محمد سليمان، د- محمود علي عريقات، صلاح الحريري، د- محمد رحال، د - مصطفى فهمي، د - عادل رضا، إياد محمود حسين ، الناصر الرقيق، فتحي الزغل، صلاح المختار، المولدي اليوسفي، د - المنجي الكعبي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد الحباسي، أحمد ملحم، محمد علي العقربي، أبو سمية، د - محمد بنيعيش، محمود سلطان، فوزي مسعود ، وائل بنجدو، د. خالد الطراولي ، مجدى داود، د. مصطفى يوسف اللداوي، سعود السبعاني، محمد العيادي، كريم السليتي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. عبد الآله المالكي، فهمي شراب، رافع القارصي، عواطف منصور، د. صلاح عودة الله ، خالد الجاف ، نادية سعد، مصطفى منيغ، محرر "بوابتي"، سلام الشماع، جاسم الرصيف، طلال قسومي، رحاب اسعد بيوض التميمي، رافد العزاوي، د - شاكر الحوكي ، أشرف إبراهيم حجاج، سيد السباعي، رمضان حينوني، المولدي الفرجاني، د - محمد بن موسى الشريف ، منجي باكير، علي الكاش،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز