البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الوزن يومئذ الحق

كاتب المقال أ.د. علي عثمان شحاته - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 1613


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يضع كثير من الناس معيارا لوزن الآخرين، يبنى على مقدار ما يملكون من متاع الحياة الدنيا وزينتها! وكلما زادت ممتلكاتهم وكثرت مظاهر المتاع عندهم؛ كلما ثقل الوزن وزاد الاحترام، واتسعت دائرة النفوذ.

لكن هل هذا هو التقييم الحقيقي لأقدار الناس وأوزانهم عند الله؟
الجواب: لا. لأن المقياس الحقيقي هو مدى ما يملكه الإنسان من قيم ومبادئ حقيقية تصدر عن أمر الله ونهيه، وتتلمس رضاه وتبتعد عما لا يرضيه؛ حين يكون مؤهلا لقبول الخير في ذاته ونفع الناس به؛ فيحصِّل بذلك نفعا لنفسه، ومحبة في قلوب الناس في الدنيا، ويدّخر بها رصيدا عن الله يوم القيامة.

ولا شك أن هذا هو الوزن الحقيقي للإنسان، وهذه هي المنافع الحقيقية؛ لأن أرباحه حينئذ ستكون دائمة، وقيمتها عظيمة لا تقدر بثمن .قال تعالى: "وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ" ( ).

إن موازين الدنيا ومعاييرها إذا خلت من اعتبارات الآخرة فهي هشة ضعيفة هزيلة، مهما كان صاحبها كبيرا عظيما في أعين الناس، لأن قيمته عندهم كانت بمقدار ما يعطيهم، فإذا امتنع العطاء لأي سبب فقد قيمته عند كثير منهم.
وفي الحديث: "إنَّه لَيَأْتي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيامَةِ، لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ، وقالَ: اقْرَؤُوا "فَلا نُقِيمُ لهمْ يَومَ القِيامَةِ وزْنًا" ( ).

فتطيش الأوزان، وتضيع هذه النفخة الكاذبة المزيفة، ويكتشف صاحبها أن زيادة وزنه كانت ورما خبيثا وشحما زائفا، وليست قيمة حقيقية، وكما قال أبو الطيب المتني لسيف الدولة:
أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً . . . أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ( )

سوف يكتشف أصحاب الأوزان الزائفة في الدنيا؛ أنها لا تزن عند الله جناح بعوضة؛ لأن الدنيا التي تقاتلوا عليها وأفنوا أعمارها من أجلها لا تزن – هي الأخرى- عند الله جناح بعوضة؛ هكذا ورد في الحديث: "...لو كانَتِ الدُّنيا تَزِنُ عندَ اللهِ جَناحَ بَعُوضةٍ ما سَقى كافرًا منها قطرةً أبدًا" ( ).

إذن فالمال والجاه والأولاد والأملاك وغيرها من مقاييس المتاع ومعاييره في الدنيا هي ومن يملكها إلى زوال، وهي قد تعطيه مكانة وقوة ومهابة في الدنيا، ولكنها لن تقيم له وزنا عند الله يوم القيامة؛ إلا ما قدم فيه لنفسه، أو ادخرها لآخرته.

قال تعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ" ( ). وقال أيضا: "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ" ( ).

يرد هنا سؤال: هل يمكن أن يحصِّل العبد خَيْري الدنيا والآخرة؟

نعم يستطيع: حين يعرف للمنعم سبحانه وتعالى فضله ونعمه عليه، فيشكره عليها، ثم يطلب منه التوفيق لمرضاته؛ ومن ثم يستعملها فيما أحل الله، قال تعالى: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ .." ( )

يقول الإمام القرطبي: ليس كل ما تهواه النفس يذم ، وليس كل ما يتزين به للناس يكره، وإنما ينهي عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه أو على وجه الرياء في باب الدين. فإن الإنسان يجب أن يرى جميلا. وذلك حظ للنفس لا يلام فيه ( ).

وحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ، قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النّاسِ" ( ).

وأذكِّر هنا أيضا بالوصية الذهبية التي سجلها القرآن الكريم لأهل العلم من قوم قارون حين قالوا له: "وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" ( ).



وعلى ذلك يمكن أن يفوز العبد بنفع أعماله في الدنيا، ويحتفظ بقيمتها في الميزان يوم القيامة.
حين يعترف بالفضل لصاحب الفضل والنعمة سبحانه وتعالى؛ فيشكره عليها، ويستعملها في طاعته، ويحسن لخلق الله كما أحسن الله إليه، ولا يفسد بها في الأرض، هنا فقط يزداد القدر والوزن في الدنيا، وتبقى له قيمته وقدره في ميزان الله يوم القيامة.

أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا الإخلاص قولا وعملا، وأن يثقل موازيننا يوم القيامة.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

--------------
أ.د. علي عثمان شحاته
أستاذ بكلية الدعوة الإسلامية
جامعة الأزهر بالقاهرة
21/9 /2020م




 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

مقالات فكرية، مقالات إسلامية، الفكر الإسلامي، الحق، الأخرة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-09-2020  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد علي العقربي، سامر أبو رمان ، محمود فاروق سيد شعبان، مصطفي زهران، تونسي، خالد الجاف ، مجدى داود، عواطف منصور، صلاح الحريري، أحمد النعيمي، د - المنجي الكعبي، د - محمد بنيعيش، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- محمد رحال، محمد الطرابلسي، سلام الشماع، خبَّاب بن مروان الحمد، فتحي الزغل، أنس الشابي، حسن عثمان، د- هاني ابوالفتوح، د- جابر قميحة، علي الكاش، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - الضاوي خوالدية، محمود طرشوبي، د. خالد الطراولي ، أحمد بوادي، وائل بنجدو، د. أحمد محمد سليمان، فوزي مسعود ، محمد أحمد عزوز، كريم فارق، صالح النعامي ، طلال قسومي، ماهر عدنان قنديل، عبد العزيز كحيل، صباح الموسوي ، عبد الله الفقير، الناصر الرقيق، د - مصطفى فهمي، عبد الغني مزوز، فتحـي قاره بيبـان، حسن الطرابلسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سلوى المغربي، عمر غازي، يزيد بن الحسين، محمد الياسين، مصطفى منيغ، محمد عمر غرس الله، رشيد السيد أحمد، سفيان عبد الكافي، رضا الدبّابي، إسراء أبو رمان، سامح لطف الله، صلاح المختار، محمد اسعد بيوض التميمي، سليمان أحمد أبو ستة، رافع القارصي، طارق خفاجي، أحمد الحباسي، د - شاكر الحوكي ، منجي باكير، المولدي الفرجاني، عمار غيلوفي، نادية سعد، ياسين أحمد، حميدة الطيلوش، رافد العزاوي، محمد شمام ، د.محمد فتحي عبد العال، بيلسان قيصر، د - عادل رضا، د. عبد الآله المالكي، د- محمود علي عريقات، حسني إبراهيم عبد العظيم، حاتم الصولي، د. صلاح عودة الله ، يحيي البوليني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فتحي العابد، الهادي المثلوثي، عبد الرزاق قيراط ، إيمى الأشقر، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - محمد بن موسى الشريف ، عراق المطيري، د. مصطفى يوسف اللداوي، كريم السليتي، العادل السمعلي، د. طارق عبد الحليم، د. أحمد بشير، أشرف إبراهيم حجاج، محرر "بوابتي"، مراد قميزة، عبد الله زيدان، محمد العيادي، عزيز العرباوي، جاسم الرصيف، أبو سمية، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمود سلطان، أحمد ملحم، سعود السبعاني، أ.د. مصطفى رجب، محمد يحي، المولدي اليوسفي، سيد السباعي، رمضان حينوني، ضحى عبد الرحمن، د - صالح المازقي، صفاء العراقي، فهمي شراب، إياد محمود حسين ، علي عبد العال، صفاء العربي، الهيثم زعفان،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز