تجليات جماليات الحضور و التشكيل عبر قراءة في صالون ''الفصل الخامس"
ألفة خليفي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2496
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يعتبر الفن مرساة العلاقات البشرية والمعبّر بعمق صادق عن الروح الذاتية، التي تمثل الوعي الذي يصل إلى منارتها الأشدّ حساسيّة والأكثر إضاءة عبر تلك الرؤية والتجربة التي ميّزت مسار الفنانين والباحثين التشكيليين إنتظم بمدينة صفاقس يوم الإثنين 2 أفريل 2018 إفتتاح صالون صفاقس السنوي للفنون في دورته 25 تحت عنوان الفصل الخامس '' نسبة إلى قصيدة للشاعر محمد البقلوطي '' و الذي تتواصل فعالياته إلي يوم الجمعة 6 أفريل 2018 .
حيث أن هذه التظاهرة جعلت الحلم والمخيّلة لدى ذات الفنان تلتقي بين أروقة هذا الصالون الذي جمع بين أهدابه ألوان فنية مختلفة و متنوعة راوحت بين التشكيلي و الرقمي حيث يبرز فيها التنوع و الإختلاف و لعل هذا ما يتجلى عبر إشكاليات متعددة ترواح بين الألوان الزيتية و الأكريليك و التقنيات المتنوعة التي تزواج بين المواد ، لنذكر من ذلك أعمال على سبيل المثال لا الحصر ''قبضة'' لكمال الكشو و ''كلمات'' لبلحسن و الأجسام''' الهجينة'' لهدى الخراط و كذلك ''لقاء ''لنجوى عبد المقصود و '' سمكات '' لغازي زليلة...، إنها رؤية فنية متّسمة بملامح شاعرية تتنفّس تعبيريّة شّاملة تتجلى في تحوّلاتها ضمن عوالم ترتبط بالجمال التشكيلي الإبداعي، ليبدو إنتماؤها مدمجا مع تطلّعات الإنسان في أعماله من خلال واقع جمالي وبصري يبعث التأمّل، ويدفعه إلى البحث المستمر الذي يجعل ذاته تنبثق مبدعة أفكاره الحرّة.
في حين يكون لزاما على الفنان الكشف عن خاصيته الفنية و التشكيلية التي تتلاءم مع مختلف توظيفات الخامات حيث أن هذا الصالون تميز بتنوع المواضيع التي تشكلت عبر ألوان الرسامين التي كشفت عن تنوع هائل في التعبير وسرعة الإنجاز والتلقائية مع الخامات التي تحمل في معطياتها التعبير عن الشفافية والتلقائية من جهة و عن الحبكة و الإتقان من جهة ثانية ، كما أنها تمثل مثيراً بصرياً للمتذوق يمكن من خلاله ترجمة وقراءة فكر الفنان في أشكال بصرية و لمسية، فيما نطلق عليه "العين تلمس"، عبر مصطلح مفهومي يبرز قيمة المادة في العمل الفني فهي لا ترتكز على إثارتها للحواس فقط، بل في التعبير الذي تملكه بداخلها ، بل إنها عنصرا أساسيا للحياة التشكيلية عبر رؤية مفهومية أصبحت تكتسح حياة الإنسان وتأخذ دورا تفاعليا تأثيريا يكشف عن عالم مفاهيمي تحدث عنها "جيل دولوز" في قوله "إن الهدف من استعمال المواد في الفن هو نقلها من المعنى إلى المعنى المفهومي للأشياء" ، التي تتمازج فيه المعطيات لتعطي لمحة فنية تكون فيها المضامين مستوفية لمبادىء تعبيرية تؤسس لعناصر تفاعلية ينتجها تفاعل المفهوم مع الموضوع و المواد و ذلك من خلال الكشف عن علاقتها بإنتاج عمل فني عبر رؤية منحتها سيرورة تظهر خاصة عند لقاء المتقبل مع العمل لغة بصرية، يتعامل معها كل البشر بمختلف ميولهم، و إتجاهاتهم عبر حضور الفكر والمواد التي تبين العلاقات الجمالية التي تكون حاضرة في العمل الفني ولعل هذا ما يتأكد خاصة في قول هيدقير الذي يعتبر بأن الفن "خطاب إنساني يجنح إلى منح الظواهر الطبيعية أبعادا دلالية تتجاوز الأبعاد المادية الوظيفية " فهي رؤية فنية و فلسفية تساهم في الكشف عن أسرار المادة و التقنيات التي تميزت بمرآها المفهومي المعاصر عبر تفاعلية الفضاء التشكيلي مع المكان وفق صورة فنية تساهم في تجسد إنشائية الفعل الفني وشد الانتباه عن طريق الأشكال والألوان والمضامين عبر التشكيل المعاصر .
فهذا الصالون كان بمثابة التجربة التي يحاول عبرها الفنان أن يساهم بدور بارز في الفاعلية داخل كيان العمل الفني، الذي يتطلب بالضرورة توفر تقنيات محكمة تكشف عن إظهار خصائص العمل الفني و تزيد من قدرته التعبيرية، بإعتبار أن جل هذه الأعمال التي إحتضنها صالون صفاقس سنة 2018 باتت تمثل الوعاء الظاهر والملموس لنوعية الفكر الذي يستطيع الفنان أن يقول أفكاره من خلالها، وهي مقياس لتوتره أو إستقراره ، الذي عبره نستطيع التعرف و إستكشاف حالة الفنان الوجدانية، التي لازمته أثناء العمل، بل ربما تكون هي المثير الذي يشحن الفنان بالتوتر والمحرك لإبداعه فالعمل الفني يمثل'' رسالة مرئية تحمل دلالة تؤدي إلى معنى يستقبله المتلقي على شكل إما علامة أيقونة أو إشارة رمزية والفكرة أو الدلالة هي مضمون العمل الفني الرسالة البصرية التشكيلية '' وهي التي تعني أن الفن عالم يمثل الأصل، الخصب والعطاء من خلال الشكل الذي يحيط بالإنسان من ظواهر وموجودات محسوسة بحيث يشكل الصورة البصرية التي تساهم في خلق تواشج بين الفضاء و الأثر الفني من خلال التداخل مع فضاء عرضه الذي يكشف عن التجليات الجمالية للعمل الفني .
من خلال هذه القراءة بات من الضروري إزاحة الستار عن الجدلية التي تجمع العمل الفني بالفضاء و التي تكشف عن تشكيل عمل في نطاق رؤى بصرية يصمم من خلالها الفضاء بطريقة تركيبية تتماشى مع صياغاته الوظيفية التي تكون حاملة لتشكيلات تستجيب إلى ذوق الجمهور وتناغم يمتزج بين البعد الدلالي للصورة و المعنى الفني التأويلي للعمل فهنا تظهر تتكشف القراءات المتعددة و المختلفة التي أصبحت مرتهنة بالتطوّرات الحياتيّة والتّشكيليّة في آن واحد ليتمكن بذلك الباحث و الفنان من مسائلة العمل الفنّي من حيث الخصوصية الفنّية والجوهرية وإمكاناتها في الارتقاء بالفنّ نحو البعد الإبداعي دون الرجوع إلى الأصل والاستلهام منه.
----------
الإحالات:
1- « L’art conceptuel cherche une dématérialisation opposée par généralisation en instaurant un plan de composition suffisamment neutralisé » gille deleuse ,Félix Guattari :Quesque la philosophie , Édition de minuit , Paris. P 187
2- هيدقير أصل العمل الفني ترجمة الدكتور أبو العيد دود ومنشورات الاختلاف ، الجزائر 2001 ص 142.
3-يوسف ، مراد : مبادئ علم النفس العام ، دار المعارف ، القاهرة ، ط 5 ، 1966 ، ص 173.
----------
المراجع :
• يوسف ، مراد : مبادئ علم النفس العام ، دار المعارف ، القاهرة ، ط 5 ، 1966 .
• مارتن هيدقير، أصل العمل الفني ترجمة الدكتور أبو العيد دود ومنشورات الاختلاف ، الجزائر 2001.
• Gille deleuse ,Félix Guattari :Quesque la philosophie , Édition de minuit , Paris.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: