هل تعجز الدولة التونسية عن القبض على وزير سابق متهم بالخيانة العظمى؟
محرر نون بوست المشاهدات: 3666
قبل ثلاثة أيام، نصح المحامي صابر بوعطي رئيس هيئة الدفاع عن وزير الداخلية الأسبق محمد ناجم الغرسلي، بعدم تسليم نفسه للقضاء، مستبعدًا إلقاء القبض على الغرسلي الفار من العدالة وفي حقه بطاقة جلب صادرة عن قاضي التحقيق العسكري بالمحكمة العسكرية الدائمة بتونس.
التآمر على أمن الدولة الخارجي
يواجه ناجم الغرسلي وزير الداخلية التونسي الأسبق، تهمة "التآمر على أمن الدولة الخارجي والخيانة والمشاركة في ذلك ووضع النفس تحت تصرف جيش أجنبي زمن السلم"، وهي التهمة نفسها التي وجهت إلى شفيق جراية رجل الأعمال الموقوف منذ مايو/أيار الماضي.
وتم استدعاء الغرسلي الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في حكومة الحبيب الصيد قبل أن يقال في يناير/كانون الثاني 2016، ليعين بعد ذلك مباشرة سفيرًا مفوضًا فوق العادة لدى المملكة المغربية، ثم مدعيًا عامًا في محكمة التعقيب بتونس العاصمة، شاهدًا في هذه القضية، قبل أن يتطور الملف ليتلقى الاتهام نفسه الموجه إلى رجل الأعمال شفيق جراية، وعديد من القيادات الأمنية الأخرى.
في الثاني من يناير/كانون الثاني 2018، قرّر المجلس الأعلى للقضاء، رفع الحصانة القضائية عن الغرسلي، باعتباره منتميًا لسلك القضاة، بعد أن طالبت المحكمة العسكرية الدائمة في تونس العاصمة بذلك، وهو ما دفع هيئة الدفاع عنه لتقديم طعن لدى المحكمة الإدارية (محكمة تنظر في قضايا تجاوز القانون وخرق القانون)، لإبطال قرار رفع الحصانة عن موكلهم، الذي تغيب عن جلسة سابقة لأسباب صحية.
يذكر أن قضية التآمر على أمن الدولة الخارجي منشورة لدى القضاء العسكري منذ شهر مايو/أيار 2017 عندما تم إيقاف رجل الأعمال شفيق جراية إلى جانب سلسلة من الإيقافات الأخرى التي شملت اثنين من القيادات الأمنية كانا يشغلان مناصب عليا في وزارة الداخلية خلال فترة رئاسة الحبيب الصيد للحكومة، وهما المدير السابق للوحدة الوطنية للأبحاث في الجرائم الإرهابية صابر العجيلي والمدير العام السابق للمصالح المختصة (المخابرات) عماد عاشور.
انطلقت عملية مراقبة رجل الأعمال شفيق جراية منذ أواخر شهر أبريل/نيسان 2017، خاصة بعد زيارته التي وصفت بالمريبة إلى سويسرا للقاء تجار أسلحة تونسيين وليبيين، وقد تم التقاط صور له وتسجيل مقاطع فيديو لهذا الاجتماع، وتزامن ذلك مع وجود معلومات تفيد بإطلاق سراح إرهابي ليبي من مقر إدارة القرجاني المختصة في مكافحة الإرهاب.
يشار إلى أن الغرسلي تغيب مرتين عن جلسة لاستنطاقه، وقدمت هيئة الدفاع عنه (تتكون من قرابة 50 محاميًا) شهادة طبية إلى قاضي التحقيق العسكري الذي طلب ملفًا طبيًا مفصلاً عن الغرسلي، وقالت هيئة الدفاع عن الغرسلي حينها إن الحالة الصحية لموكلهم "حرجة" الأمر الذي استوجب إيوائه بمصحة خاصة بأمراض القلب.
ارتباط بجهات ليبية
تؤكّد مصادر قضائية وأمنية ارتباط المتهمين في هذه القضية، وعلى رأسهم رجل الأعمال شفيق جراية، ووزير الداخلية الأسبق ناجم الغرسلي بجهات ليبية تمثّل خطرًا على الأمن القومي للبلاد، وتسهيل دخول هذه الأطراف إلى تونس وإطلاق سراح آخرين.
في إحدى شهاداته لدى قاضي التحقيق المتعهد بالقضية، أوضح عماد عاشور المدير السابق للمصالح المختصة بوزارة الداخلية التونسية، أن الغرسلي وافق على الالتقاء بالمتهم شفيق جراية، داخل مكتبه بثكنة مكافحة الإرهاب بالقرجاني، بهدف التنسيق معه في ملف يتعلق بإرهابيين تونسيين في ليبيا، وكان ذلك بعلم عبد الرحمن الحاج علي المدير العام السابق للأمن التونسي، والحبيب الصيد رئيس الحكومة السابق الذي لم يمانع في التعامل مع رجل الأعمال المتهم إن كان ذلك يصب في المصلحة الوطنية.
من جهته قالت تقارير إعلامية، إن الغرسلي عند استنطاقه لدى القضاء العسكري، أكّد أن عماد عاشور اتصل به في إحدى المناسبات وأعلمه أن شفيق جراية أخبره بامتلاكه معلومات مهمة وحساسة تهمّ الأمن القومي للبلاد، مضيفًا أن عاشور استشاره بشأن إمكانية الاستماع إلى جراية، وذكر الغرسلي في شهادته أنه اتصل برئيس الحكومة حينها الحبيب الصيد وأخبره بالموضوع فأكّد أنه لا يرى مانعًا من الاستماع إليه، في إشارة إلى أن الصيد على علم بالأمر، هو ما نفاه أيضًا الصيد الذي أكد عدم علمه بأي تواصل مع جراية.
بدوره، أكد صابر العجيلي خلال التحقيق معه أنه التقى رجل الأعمال جراية بتعليمات من مدير عام المصالح المختصة عماد عاشور، مرفوقًا برجل أعمال ليبي في خصوص إرهابيين تونسيين فروا من صبراطة، وباتوا تحت حماية كتائب إرهابية ليبية، وبمقتضى التنسيق مع المحامي وجراية، اتصل العجيلي بعدد من الإرهابيين التونسيين عبر تطبيق إسكايب، وكشف أن تلك الاتصالات مكنت الأمن التونسي من معلومات مهمة في ملف الإرهاب.
أكّدت وسائل إعلام تونسية محلية في وقت سابق، تمكن شفيق جراية من استغلال نفوذه خاصة مع عدد من القيادات الأمنية، ولقائه في العاصمة تونس برجل أعمال ليبي وأحد القادة المسلحين الليبيين الذي دخل التراب التونسي رغم أنه ممنوع قانونيًا من دخول تونس لأسباب أمنية.
وتظاهر رجل الأعمال، حسب جريدة الشروق التونسية، بأنه وراء إطلاق سراح مهندس تونسي تم اختطافه في ليبيا، حتى يتمكن من إقناع عدد من القيادات الأمنية بمرافقته إلى التراب الليبي للنظر في بعض الملفات العالقة وحتى يضمن لنفسه حماية أمنية، وإثر انتشار فيديو استنجاد المهندس بسلطات تونسية تبين أن عملية خطفه كانت تهدف إلى استدراج بعض المسؤولين.
جهات نافذة تحميه
تواصل هروب ناجم الغرسلي وعدم تمكّن الوحدات الأمنية التونسية من إلقاء القبض عليه، يرجع إلى الحماية التي يتمتّع بها، وفي هذا الشأن قالت جريدة الشروق المحلية إنّ الغرسلي تحت حماية سيدة أعمال تملك شبكة من العلاقات داخل أجهزة الدولة ومقربة من أحد الأحزاب الحاكمة وكانت من المقربات من الوزير في أثناء توليه منصب وزير الداخلية.
ويرتبط الغرسلي ذاته بشبكة علاقات أقامها في أثناء توليه منصب محافظ محافظة المهدية وسط البلاد، وأيضًا في أثناء توليه منصب قاضٍ، ويستعين الغرسلي الآن بهذه الشبكة لتسهيل هروبه، وعدم القبض عليه من الأمن التونسي.
ويعرف عن الغرسلي سابقًا، محاباته للفاسدين وتسهيل معاملاتهم، وعند تعيينه في منصب وزير الداخلية في يناير 2015، أعربت القاضية كلثوم كنو عن استنكارها تعيين الغرسلي في هذا المنصب، واعتبرته حينها أسوأ خيار قام به الحبيب الصيد، على اعتبار أنه "قاضٍ غير مستقل لعب أدوارًا قذرة في السابق وتسبب في هرسلة زملائه القضاة الشرفاء وخصم أجورهم دون موجب إرضاءً لأسياده آنذاك وهو من الانتهازيين الكبار".
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: