محاولة الاغتيال الرمزي للزواري وتهرب السبسي من مهامه كرئيس جمهورية
طارق الكحلاوي - تونس المشاهدات: 3725
يقول البعض إن هناك اغتيالين حصلا في علاقة بالشهيد محمد الزواري، الاغتيال الإسرائيلي، ثم الاغتيال الرمزي الذي ساهمت فيه السلطة على مستوى أعلى مسؤول فيها، محاطا ببعض الأصوات الهستيرية في الإعلام. ولولا الهبة العفوية التي انبثقت تقريبا من كل العائلات الفكرية التونسية، وتقريبا كلها لديها عبر عقود شهداء بين فلسطين وجنوب لبنان، لولا ذلك وتبني حماس للزواري لتم دفن رمزي آخر للزواري. يعرف الرأي العام ما يكفي من المعطيات حول الاغتيال الإسرائيلي، لكنه يحتاج أيضا للتركيز على الاغتيال الرمزي.
مر أكثر من أسبوع بعد الاغتيال الإسرائيلي لمحمد الزواري. وإلى هذه اللحظة لا يوجد أي رد فعل من أي نوع كان على هذه الجريمة الإرهابية من رئيس الجمهورية، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، المسؤول عن حماية السيادة التونسية، والمشرف على سياسة الدولة تجاه الخارج. بما في ذلك أول الأسبوع في البلاغ الرسمي لاجتماع "المجلس الأعلى للجيوش"، حيث تجاهل الموضوع كأنه في كوكب آخر. هذا الشخص نفسه الذي زايد على الجميع بشعار "تحيا تونس". سلوك لا يعبر عن الإرادة الحرة للشعب التونسي وهو يحتفل بذكرى ثورته.
أكثر من أسبوع ولا تزال السلطة التونسية تختفي وراء التفاصيل التقنية الأمنية وتكرار شعارات عامة حول ان السيادة التونسية "خط أحمر"، دون أي إشارة بأي شكل كان لإسرائيل. هذا عدا عن التحرك ديبلوماسيا ضد الاعتداء.
والأدهى أن هذا الموقف أسوأ حتى من ابن علي، فعندما قامت إسرائيل باغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) في 16 إفريل 1988 لم تعلن مسؤوليتها عن العملية، ورغم ذلك سارعت تونس مباشرة في اليوم نفسه إلى طلب اجتماع عاجل لمجلس الأمن، وخاض وزير الخارجية التونسي آنذاك محمود المستيري معركة مع القوى الدولية الكبرى التي تذرعت ب"عدم وجود ادلة قاطعة على تورط اسرائيل." نفس الذريعة التي يتذرع بها الآن السبسي وأعوانه. وفي النهاية تحصلت تونس على الحد الأدنى أي القرار 611 الذي يشجب "العدوان الذي ارتكب ضد السيادة وسلامة الأراضي التونسية"، دون أن يخص إسرائيل بالذكر.
حينها لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن العملية، وعندما فعلت كان ذلك بشكل غير رسمي فقط بعد حوالي 25 سنة من العملية، أي سنة 2013 في سياق حديث صحفي لضابط في وحدة الاستطلاع التي قامت بالعملية. وبالمناسبة كل المؤشرات والقرائن (خاصة التعليمات والسلوكات الأمنية في محيط الجريمة ليلة وقوعها)، التي احاطت باغتيال أبو جهاد سنة 1988 تحيل على تورط ابن علي إما مباشرة أو بالتواطؤ مع إسرائيل.
يختفي السبسي، دون الحديث عن وزيره الأول ضخم الجثة بلا فائدة، وراء مقاربة أمنية لاغتيال محمد الزواري. الندوة الصحفية لوزير الداخلية بعد عرض كل المعطيات التي تشير بوضوح إلى عملية مخابراتية إسرائيلية بتعاون تونسي، يتحدث عن "إمكانية ضلوع جهاز أجنبي" وأنه لا يمكن له تأكيد أي شيء.
طبعا في كل العمليات التي قامت بها إسرائيل في تونس من حمام الشط إلى اغتيال أبو جهاد، في جميعها لم تصدر إسرائيل تبنيا رسميا لعملياتها، وكان علينا الانتظار لسنوات قبل التعرف على الرواية الإسرائيلية. ورغم ذلك اتخذت تونس موقفا رسميا واضحا وتتبعت إسرائيل في الهيئات الدولية. الآن لدينا ولأول مرة مسارعة قناة إسرائيلية قريبة من الأجهزة الاستعلاماتية بإعداد تقرير بشكل استعلاماتي (عملية إخفاء ومواراة هوية الصحفي)، تتحدث بافتخار عن العملية. والأهم تبن ضمني من قبل أفيغدور ليبرمان المسؤول الثاني في حكومة نتنياهو معتبرا، أن "إسرائيل تعرف ماذا تفعل". ورغم ذلك تتهرب الدولة التونسية من أي سعي ولو شكلي لاتخاذ موقف سياسي واضح. يتهربون وراء "الرواية والتفاصيل الأمنية" حتى تضيع بينها المسؤولية السياسية.
الحقيقة أن هناك تاريخا للمقاولات المحلية تونسيا بمسألة الصراع العربي الإسرائيلي؛ حيث كانت هناك تقاليد في ذلك أرساها الرئيس الراحل بورقيبة، وهو ما كتبت عنه منذ سنوات في إطار مسألة التطبيع في المغرب العربي باسم مستعار آنذاك (الطاهر الأسود). وهذا التساهل هو الذي خلق الأجواء حتى لوجود تواطؤ في عملية اغتيال أبو جهاد مثلما نقلت مصادر إسرائيلية.
وقد وصل النشاط المخابراتي الإسرائيلي في تونس حسب هذه المصادر إلى مستوى قياسي منذ وصول منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس سنة 1982، ولا يتعلق ذلك بوجود بعض العملاء من الأوساط الفلسطينية للموساد مثل (نائب السفير الفلسطيني في تونس عدنان ياسين وابنه هاني) فحسب، بل شمل أيضا - حسب تصريحات مصادر مخابراتية إسرائيلية نقلتها عنها صحف أمريكية - "مسؤولين تونسيين رفيعي المستوى"، بالإضافة إلى عناصر من الأمن التونسي ساهمت مثلا بعلم ومن دون علم (معتقدة أنها تعمل مع مخابرات أوروبية) في التحضير الإسرائيلي لعملية اغتيال أبو جهاد. وصدر ذلك خاصة في كتاب Black, I. and Benny, M. Israel’s Secret Wars الصادر سنة 1991.
نحن إزاء سلطة تعاني من انفصام حاد. فقط بعد مرور ستة أيام كاملة يعتبر الوزير الأول المعين من السبسي أن محمد الزواري شهيد، وترسل الحكومة أخيرا أحد أعضائها لتعزية عائلته. لكنها لا تستطيع أن تعلن هوية الجاني وتدينه سياسيا (مختفية وراء تفاصيل أمنية). السبسي في الأثناء يواصل حالة الإنكار والسبات في غرفة نوم بورقيبة.
إذا لم يكن محمد الزواري قتيلا بل شهيدا، بالمعنى السياسي البديهي للكلمة في سياق انتمائه لكتائب القسام، هو شهيد من أنه كان شهيد الاغتيال الإسرائيلي؟! هل هناك شكوك مثلا أن يكون شهيد اغتيال ناميبي أو سلوفاكي؟!
الوقت يمر ومع كل يوم تخسر هذه السلطة فرصة أخرى لكي تكون سوية نفسيا على الأقل، بينما لم يعد من الممكن أن نتوقع منها أن تكون وطنية، في المقابل يوجد قرار إسرائيلي استثنائي بالتبني المبكر غير المباشر على غير ما جرت به العادة. يرجع هذا على الأرجح لضعف ردة الفعل الرسمية التونسية "اللينة" و"المائعة" التي يمثلها تحديدا رئيس الجمهورية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: