البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

مقالات منسية : الجامعة العربية وسياسة الارتجال

كاتب المقال عباس محمود العقاد   
 المشاهدات: 3335


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


قبل بضع سنوات كانت بريطانيا العظمى شديدة الرغبة في تعزيز الجامعة العربية، حتى زعم الصهيونيون وأبواقهم في الولايات المتحدة أن الجامعة كلها مشروع من مشروعات دوننج ستريت

وبعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين واشتباك القتال بين العرب والصهيونيين كان موقف بريطانيا العظمى محفوفًا بالغموض تارة والتردد تارة أخرى؛ لأنها كانت تريد أن تملي على العرب سياستها وتريد من الجهة الأخرى أن توافق الولايات المتحدة ولا تجهر بمخالفتها، فكانت خطتها كلها في المسائل العربية تنم على الحذر والمغالطة والحرص على أخذ «العصا من النصف» كما يقولون.

واليوم يقال إنها قد عادت إلى الرغبة في إبقاء الجامعة العربية وتعزيز مكانتها، ولكن برعايتها وأَعْيُنِها وعلى شريطة أن تكون حكومات العرب جميعًا موالية لها «متفاهمة معها»

وقد ذهب بعضهم في تأييد هذه الرغبة البريطانية مذهبًا واسعًا يتناول تفسير الحوادث الأخيرة في الشرق العربي كله، ويربط بين هذه الحوادث وبين المؤتمرات والزيارات التي تنعقد وتتوالى منذ أسابيع في العاصمة الإنجليزية.

لا، بل توسع أصحاب هذا الرأي في تفسيرهم وربطهم بين الحوادث والدعوات حتى اعتقدوا أن بريطانيا العظمى ترمي إلى مشروع أكبر من مشروع الكتلة العربية وهو مشروع الكتلة الإسلامية أو الكتلة الشرقية، وأن ظهور الدعوة إلى هذا المشروع أول الأمر على لسان العرب «المتنجلزين» يُسوِّغ الاعتقاد بأن بريطانيا العظمى تُرحِّب على الأقل بالكتلة الإسلامية أو الكتلة الشرقية وترجو أن تستعين بهذه الكتلة في سياستها الآسيوية أوقات السلم وفي خططها العسكرية إذا نشب القتال بين المعسكرين وتحوَّلت مناورات السياسة والحرب جميعًا إلى تلك الرقعة التي تشغلها الأمم الإسلامية من أواسط آسيا إلى شمال أفريقية.

ونحن الشرقيين — على فرض صحة هذه الأقاويل — نفهم واجبنا نحو أنفسنا ونحو العالم الذي لا ننفصل عنه، ولا نريد أن ننفصل عنه بسياستنا. وواجبنا هو اتخاذ الخطة الصالحة لنا وللعالم بأجمعه، كائنًا ما كان موقف الدولة البريطانية من جامعات الأمم العربية أو الإسلامية أو الإنسانية، ولا علينا متى عرفنا الخطة الصالحة لسلامة بلادنا ولتقرير السلام في العالم كله أن تكون هذه الخطة موافقة لما تُدبِّره بريطانيا العظمى أو محبطة لذلك التدبير؛ فإن السياسة البريطانية تستطيع أن تسلك مسلك الارتجال والتردد في مشروعاتها الشرقية التي لا خطر منها على كيانها، ولكننا نحن لا نستطيع أن نسلك مسلك الارتجال في مشروع يمس كيان هذا البلد أو يمس كيان البلاد التي يؤازرها وتؤازره ويتجه معها إلى جهة واحدة.

***
على أننا نخشى أن نقول إن سياسة الارتجال والتردد عدوى سريعة الانتقال وأن من أعاجيب هذه العدوى أنها تنتقل من دوننج ستريت إلى أماكن خاصة في بلاد الشرق الأدنى.
فلماذا هذه الرحلات وهذه الحركات المفاجئة وهذه الأقاويل التي تحيط بها في وقت واحد؟

ينادي منادٍ مِنْ قِبَلِ ذلك القُطْر لِيُعْلِنَ مطامعه «التقليدية» ويستسلم لنوبات الصراحة التي تعتريه حينًا بعد حين

وينادي في الوقت نفسه منادٍ مِنْ قِبَلِ العراق باستنكار كل إشاعة تتهم العراق بالطمع في قُطْر من الأقطار العربية، ويُسمِّي تلك الإشاعات بهتانًا وتلفيقًا من «الانتهازيين».

وتأتي الأنباء باجتماع الساسة من هنا وهناك في بقعة من البقاع الشرقية للتشاور على ما يُقال في تنفيذ المطامع التي تجهر بها الصراحة تارة وتنكرها السياسة والكياسة تارة أخرى.
أهي سياسة مرتجلة تتخبط وتتردَّد كلما عنت لها فرصة أو عرضت لها مناسبة؟ أم هي سياسة مرسومة يظهر عليها الارتجال والتخبط لأنها مرسومة في الخفاء يطَّلِع عليها فريق ويجهلها فريق آخر، ولا يطَّلِع عليها المطلعون إلا في فترات تنقطع أو تتصل على حسب المفاجآت؟
إنَّ مصر — على أية حال — لا تحب أن تذهب ضحية لنوبات الارتجال، ولا تحب في الوقت نفسه أن تجهل ما يدور حولها من هذه النوبات والنزوات.

وهناك تخبط ظاهر لا حاجة بنا إلى مجاراة أحد فيه؛ لأن حدود كل تخبط عندنا هي سلامة بلادنا وضمان حقوقنا، واجتناب المأساة التي تُعرِّضنا للخذلان كلما عولنا على من لا يصلحون للتعويل عليهم في مآزق الخطر والشدة.
وفي وسعنا أن نمر بكثير من تلك النوبات والنزوات وتلك المفاجآت والمناورات ونحن نقول: «لا يعنينا … واللهم حوالينا ولا علينا.»
ونحن قادرون على أن نقولها دائمًا ما دُمْنا نعمل العمل الذي لا نُلام عليه ثم لا نبالي ما عداه.

والعمل الذي لا نُلام عليه هو صيانة بلادنا، والوقوف عند حدِّنا، واجتناب كل ما تلزمنا فيه شبهة التقصير على سُنَّة واحدة لا تمييز فيها بين أمة وأمة من العاملين على الوحدة العربية أو الوحدة الشرقية، فليس من حقنا ولا من حق أحد أن يديننا بما لا يُدان به سوانا، وكفانا ما جربناه من تلك الواجبات والفروض التي لا مشاركة فيها ولا شكر عليها.

-----------
جريدة الأساس
٢٩ أغسطس ١٩٤٩


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الأدب السياسي، تاريخ الأدب، عباس محمود العقاد، جامعة الدول العربية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-03-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
منجي باكير، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، الهادي المثلوثي، محمد شمام ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فتحـي قاره بيبـان، أنس الشابي، محمد الياسين، طلال قسومي، محرر "بوابتي"، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عراق المطيري، الهيثم زعفان، د - عادل رضا، د- محمود علي عريقات، حسني إبراهيم عبد العظيم، إيمى الأشقر، د. خالد الطراولي ، محمد الطرابلسي، رضا الدبّابي، عمر غازي، رمضان حينوني، رحاب اسعد بيوض التميمي، بيلسان قيصر، د. مصطفى يوسف اللداوي، سيد السباعي، د - محمد بنيعيش، ماهر عدنان قنديل، د - محمد بن موسى الشريف ، حاتم الصولي، سليمان أحمد أبو ستة، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. أحمد محمد سليمان، حسن عثمان، د- جابر قميحة، عمار غيلوفي، فتحي الزغل، أبو سمية، صلاح المختار، سعود السبعاني، صلاح الحريري، فتحي العابد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، إياد محمود حسين ، مراد قميزة، د - المنجي الكعبي، يحيي البوليني، د - صالح المازقي، رافد العزاوي، د - الضاوي خوالدية، محمد أحمد عزوز، فهمي شراب، خبَّاب بن مروان الحمد، محمود فاروق سيد شعبان، نادية سعد، المولدي الفرجاني، عبد الغني مزوز، علي الكاش، رافع القارصي، مصطفى منيغ، عبد الله زيدان، د. طارق عبد الحليم، خالد الجاف ، إسراء أبو رمان، عبد الرزاق قيراط ، سلوى المغربي، محمد العيادي، صالح النعامي ، أحمد بوادي، كريم فارق، صفاء العربي، ضحى عبد الرحمن، محمد اسعد بيوض التميمي، كريم السليتي، د. أحمد بشير، صفاء العراقي، سامح لطف الله، محمد علي العقربي، أحمد الحباسي، حسن الطرابلسي، عواطف منصور، المولدي اليوسفي، فوزي مسعود ، د. عبد الآله المالكي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد العزيز كحيل، جاسم الرصيف، د. صلاح عودة الله ، محمود سلطان، سامر أبو رمان ، طارق خفاجي، علي عبد العال، تونسي، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد النعيمي، حميدة الطيلوش، أ.د. مصطفى رجب، رشيد السيد أحمد، مجدى داود، أحمد ملحم، د - شاكر الحوكي ، د - مصطفى فهمي، د- محمد رحال، وائل بنجدو، عبد الله الفقير، ياسين أحمد، د- هاني ابوالفتوح، يزيد بن الحسين، محمود طرشوبي، د.محمد فتحي عبد العال، الناصر الرقيق، العادل السمعلي، صباح الموسوي ، محمد يحي، سلام الشماع، عزيز العرباوي، محمد عمر غرس الله، مصطفي زهران، سفيان عبد الكافي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز