د.محمد حاج بكري - تركيا / سورية
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5376
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
العيون نوافذ الروح ومن يتأمل عيني الأسد في مقابلته الأخيرة لا يخفى عليه بريق متوحش كان يخرج منهما مشوبا بطاقة هائلة من الحقد طاقة كان لمعانها كافيا بان يجعل من كلامه المعسول هباء منثورا
انها حقيقة الأسد حقد بدائي غريزة متوحشة ومزاج دموي لذلك كان يجهد كثيرا لتثبيت سحنته في هيئة بشرية وبالكاد كان يقاوم الظهور كحيوان مفترس والكف عن الاثير المتوحش الذي تدفق من عينيه دون جدوى فقد شوشت عليه تلك المخلوقات المارقة ما اعتاد عليه لعشرات السنين في جنة النسيان في هذه اللحظة من الغضب المدمر لا يليق بالاسد الا ان يتصرف كإله ممتن على مخلوقاته كان غضبه كبيرا لانه يتعجب لماذا يكرهونه كل هذا الكره وبين مشهدين متناقضين في ذات واحدة بدت نوافذ الروح اصدق تعبيرا من خطاب اللسان وكان لسان الروح يتقمص هيكل اله جريح لتنكشف ظاهرتان خطيرتان تعملان بطريقة عكسية طاقة سحرية طردية لقوة الشعب وارادته في مواجهة طاقة عكسية متوحشة للمتسلط المستبد من اجل البقاء في السلطة بأي ثمن وخلال العمل الطردي والعكسي للظاهرتين يمكننا رصد حقيقة كبرى تتجلى للعيان مع انهيار كل الأقنعة عن وجه الأسد وذلك ان احساسه بالسلطة المطلقة في سوريا وهو بالنسبة له جزء من معطيات الطبيعة كطلوع الشمس وتدفق الهواء والماء فكيف له بمثل هذا الإحساس الاصغاء الى تلك الملايين من الجراثيم ان ذلك التدفق الجاف للكلمات العقيمة عبر أداء مسرحي نزق ومتعجرف كان يختزن حمولة معنوية نقيضة للألفاظ حمولة تفيض بأقذع أنواع التحقير والاذلال عبر الجدل الواضح بين عينه ولسانه وهي حقيقة مؤلمة تضعنا امام مسافة هائلة في نفس الأسد عن كل القيم السياسية التي يتشدق بها فهو لا يسمع هياج الملايين المطالبة برحيله الا كما يسمع الفيل طنين البعوض انه نسخة صدئة لإله من العالم القديم في الأزمنة الحديثة ولكنه اذ يكشف عن مثل هذا الشعور الخطير واضحا وجليا بعد خفاء كان ينام تحت جلده لعشرات السنين يكشف عن ذلك العار التاريخي المخزي والمعبر عن الإهانة والاذلال كطريقة وحيدة لعلاقات القوة بين السلطة والشعب فالمعاني الجديدة التي يكتبها الشعب للحرية والكرامة والعدالة دلالات أخرى في قاموسه فالمظاهرات مؤامرة خارجية والحراك الشعبي السوري هو نتيجة استماع ضار للقنوات الفضائية الخارجية والديموقراطية ترف لا يستحقه السوريون وهكذا نجد ان المشهد برمته ليس صراع في سوريا بين الدكتاتور والشعب بل هو انكشاف وحراك بشع للأساطير التي تكمن في نفسه أيضا فقد انكشف قناعه المخزي امام ملايين البشر وعلى الهواء مباشرة وان قضايا الديموقراطية والحريات والحقوق التي هي من بديهيات العالم هي هنا في سورية الغاز عويصة مستحيلة على الفهم في عقل الأسد فضلا عن التطبيق انها الأفكار الطائفية المتخلفة للقرون الوسطة تبدو بأوضح صورها في مسألة السلطة .
وفي هذا الاعتبار فان ما يجعل تحقيق تلك المفاهيم خبزا يوميا للناس وللحياة في سورية هو فقط تضحيات وإصرار الشعب على الموت من اجل إشاعة هذه القيم وجعلها في متناول الناس ان الانتقال الديمقراطي في سورية مخاض عسير ليس فقط لسبب ان الماضي وما ينطوي عليه من رؤى وتصورات لمفاهيم السلطة والطاعة الذي ظل باستمرار الجدار الصلب خلف كل المظاهر الحداثية الخادعة لنا بل وكذلك بفعل استعصاء استراتيجي أجمعت عليه القوى الدولية لمنع هذه المنطقة من الدخول في مرحلة الحداثة السياسية وادراجها في استثناء من رياح التغيير خوفا على امن ورفاهية إسرائيل وهكذا فان ما يعرفه الأسد من علاقته بالقوة الدولية التي سوقت له القمع والقتل والتدمير بحجة الإرهاب غذى لديه تلك الغريزة السلطوية المستحكمة ورفعها الى مصاف جعلته يصدق ان سلطته على الشعب هي جزء من غريزة البقاء الطبيعي في الحياة مما يجعل حياته مساوية تماما لغريزته السلطوية
.
الا ان الثورة السورية تطرح افكارها بعيدا عن تلك المعادلات والموازنات الدولية التي جعلت من تاريخ سوريا السير بخطى السلحفاة فهذا شعب يريد ان يعيش ببساطة حياة قائمة على الحقوق والحريات والعدالة مثل كل شعوب العالم ومستعد للموت من اجل أهدافه .
هذه اللغة الجديدة والغريبة عن عقل الأسد المتحجر أصبحت بالنسبة له لغز عويصا فيما أصبحت لأمريكا والغرب حرجا أخلاقيا بالغ الحساسية لهذا يتعجب الأسد من أي موقف مع الثورة بدلا من الوقوف معه انها صناعة ثقيلة للتاريخ ينتجها الثوار في سوريا لكسر ذلك الاستثناء الذي جعلته الأنظمة الغربية نصابا مفروضا وبما ان حيازة الأسد للسلطة في نظره جزء من هبات الطبيعة فان ما يقتلع هذا الإحساس من نفسه لا بد ان يكون زلزالا سوريا يشبه زلزال الطبيعة كما يحدث في سورية الان .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: