دولة الإمارات العربية المتحدة وموقفها من العراق
ثالثاً : سنين الحصار الجائــــر الى سنة الاحتلال 2003
رافــد العــزاوي - العراق
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5981 Rafed70@Gmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بعد مرور أربع سنوات على إخراج الجيش العراقي من الكويت بواسطة التحالف الدولي، وفي سنة 1995، وفي جلسة قمة دول مجلس التعاون الخليجي، تحدّث المغفور لهُ بإذن الله (سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان) عن قصة الراعي صاحب قطيع الغنم والذئب الذي كان يُهاجم القطيع ويأخذ خروف واحد شهريا لكي يأكله، فإنزعج الراعي وذهب وطلب 10 كلاب حراسة قوية لكي تحرس لهُ الغنم من الذئب، لكن هنا توجّب على الراعي أن يُقدّم يومياً خروفين لكلاب الحراسة حتى تأكلها كأجرة مقابل حمايتها من الذئب، وبعد فترة وجدَ الراعي أنهُ بدلاً من أن يخسر خروف واحد شهريا للذئب أصبح يخسر يومياً خروفين للكلاب! وهو لا يعرف الى متى سيستمر في هذا الفقدان! فقررَ الراعي ان يستغني عن الكلاب وتفاهم مع الذئب و وافقه على تقديم خروف واحد له شهرياً! وهذا أفضل من خسارة 60 خروف بالشهر!!
وقد كان هذا الموقف منه رحمهُ الله واضحاً جداً جداً بالمعنى في هذه القصة.
بعد تلك الحادثة بدأت دولة الإمارات بفتح ذراعها للعراقيين الراغبين بالعمل فيها وبدؤوا يتدفقون اليها منذ سنة 1996؛ كما بدأت حملات لجمع التبرعات التي كانت ترسلها دولة الامارات للعراق لأن القيادة الإماراتية كانت تستشعر الصعوبات الكبيرة التي تعيشها قطاعات واسعة جداً من الشعب العراقي، وهي بذلك كانت تحاول أن تكسر الحصار الجائر بكل ما إستطاعت عن العراق، وهناك العديد من الشخصيات العراقية كانت تتولى الذهاب الى الامارات لاخذ التبرعات العينية الى أبناء الشعب العراقي والتي كانت تحتوي الادوية الضرورية وحليب الاطفال وكانت توزع بالمجان؛
وقد كانت سمو الشيخة فاطمة زوجة المغفور لهُ بإذن الله سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هي الشخصية الإماراتية الأولى الساعية بهذا المسعى.
أعيدت العلاقات التجارية بين البلدين منذ بدايات 1997 حيثُ تم إفتتاح مكتب تجاري عراقي في دبي، وكان العراق يُشارك في مهرجان دبي سنوياً من خلال جناحه المتواضع، كما كان العراق يصدّر التمور وأشجار النخيل وبعض كميات النفط الاسود الى الامارات.
ثم في عام 2000 تمت إعادة العلاقات الدبلوماسية بمستوى سفارة في العاصمة أبوظبي وقنصلية عامة في دبي، وقد تحولت دبي بسبب (موقعها) الى محطة لقاء للعديد من الوفود الرسمية العراقية التي كانت تتوجه منها الى بلدان آخرى.
في وسط سنة 2002، أرسل الرئيس (صدام حسين) رحمهُ الله بهدية هي عبارة عن عدة أطنان من الرز العراقي العنبر ذو الرائحة الزكية من درجة أولى الى كل مِن:
1. المغفور لهُ بإذن الله سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمهُ الله رئيس دولة الإمارات.
2. سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله، وكان في ذلك الوقت يتولى منصب وزير دفاع دولة الامارات و ولي عهد إمارة دبــي.
3. حمد بن خليفة آل ثاني أمير قــطـر الحالي.
4. السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان.
وقد جاءت هذه الشحنة الى ميناء دبي ومنها تم شحنها الى باقي الجهات التي يجب تسليمها لها؛ وكانت الكميات الأكبر من هذه الهدية قد أُهُديت الى قيادة دولة الإمارات، ونحنُ نعرف جيداً أن الرئيس (صدام حسين) رحمهُ الله اذا لم يكن مُقتنعاً بشيء ما فأنه لا يوجد أحد يستطيع أن يجبرهُ عليه، وأرسالهُ للهدية بشكلها المخصوص الى قيادة الامارات، يعطي دلالة على إحترام و مَعــــزّة خاصة.
وفي ذكرى العيد الوطني لجمهورية العراق في 17 تموز 2001، أقامت القنصلية العامة في دبـــي بذلك الوقت إحتفالا راقياً في فندق البستان روتانا، ونرى أن دولة الإمارات كانت حريصة على أن يكون الحضور الإماراتي في ذلك الاحتفال رفيع المستوى، حيثُ حضرَ الإحتفال سمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي ولي عهد ونائب حاكم الشارقة ورئيس المجلس التنفيذي، علماً أن السفارة العراقية في العاصمة أبوظبي أيضاً أقامت إحتفالا وكان مستوى الحضور بنفس المستوى العالي في دبي، وهو ما لا يحدث مع كل الدول، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على عمق إحترام القيادة في دولة الامارات للعراق ولشعبه ولقيادته في ذلك الوقت.
وفي ذلك الوقت لم تنقطع زيارات الوفود الخاصة من دولة الامارات الى العراق حيثُ كانت تلك الوفود (وهي مكونة من بعض أصحب السمو الشيوخ) تذهب للعراق بأعداد كبيرة جداً في وقت صيد الصقور، وكانت تُعامل بإحترام كبير جدا من القيادة العراقية، وأيضاً هذا الشيء يعطي دلالة على إحترام و مَعــــزّة خاصة.
ومن سنة 2000 الى سنة 2003، زارت الوفود الرسمية دولة الامارات كثيراً، ففي سنة 2001، زار دولة الامارات المرحوم الدكتور سعدون حمادي ، وكانت أكبر تلك الزيارات شأناُ هي زيارة السيد (عــــزت إبراهيم) لدولة الإمارات مرتين، وقد كانت الأخيرة في الاشهر الوسطى لسنة 2002، وقد كان سبب الزيارة هو طلب تدخل الإمارات رسمياً لإبعاد الأذى المتوقع من جبروت وطغيان الإدارة الأمريكية والتي تولى قيادتها مجموعة من الشياطين (المحافظين) الجدد برئاسة بوش الأبن المجرم، بعد أن كثرت الاشارات الى إحتمالية وجود حرب أخرى تشنها الادارة المجرمة بعد حرب أفغانستان.
وبهذا الخصوص فأنني شاهدتُ بنفسي المقابلة التلفزيونية التي أجريت مع سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في سنة 2007 مع إحدى القنوات الأمريكية الاخبارية المشهورة وكان يتحدث باللغة الأنكليزية مع المحاور الأمريكي، فسألهُ المحاور الأمريكي:
[ سمو الحاكم كان لكم موقف معارض من الحرب على العراق في 2003، وقد سمعنا أنكم عارضتم هذا الموضوع بقوة ونصحتم الادارة الامريكية بأن لا تقوم بهذا الشيء، ماهو تعليقكم؟! ]
فأجاب سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم:
[ نعم لقد نصحنا الادارة الامريكية الحالية بأن لا تــُقدم على هذه الحرب لأن في هذا خطأ كبير جداً، كما أن المبررات والاسباب التي وضِعت للحرب كلها كانت واهية، واليوم أثبتَ أمريكيا أنها لم تكن حقيقية، لكن أنظر اليوم وبعد اربع سنوات كاملة، الى ما وصلت اليه أحوال المنطقة العربية كلها بسبب هذه الحرب! ومازالت نتائج الحرب سلبية و أوقعت ضحايا أبرياء كثيرون ]
هذه المقابلة جرت وكان المجرم بوش مازال في الحكم.
وطبعا هنا سيأتي من يقول:
[أن الإمارات دولة تجارة وهي لم تقم بما قامت من محاولات لفك الحصار قبل 2003 الا لكي تستفيد هي من العراق تجارياً]
وسأجيب فأقول:
القاعدة العامة والأساسية في العلاقات بين الدول هي: [في السياسة لا توجد صداقات دائمة وإنما توجد مصالح دائمة]
ولا باس أن يستفيد العراق والإمارات من موضوع التجارة ما بين البلدين، لأن كل الناس البسطاء لمست كيف كانت نوعية الصابون المصري الذي كان يأتي من ضمن مذكرة التفاهم، كل الناس لمست الفرق الكبير بباقي مواد الحصة التموينية عن الحاجيات المستوردة من الامارات.
وياليتنا بقينا على ذلك التبادل التجاري ، لأن اليوم نرى إن كل الوجوه المقرفة الحاكمة في عراق اليوم هم (مسلبجية وقُطّاع طُرق) وهم اليوم باعوا العراق كلهُ ونحنُ نتفرج عليهم بالقنوات الفضائية!
كما أننا نرى أن قطاع الكهرباء مثلا تقوم بتأهليه عدو العراق والعرب إيران!! وقد أعترف بهذا الوزير المُستقيل الرائع (رعد شلال)، كما أن العراق اليوم هو سوق لكل شيء (خايس) أو متعفن قادم من إيران بالدرجة الأولى.
على كل حال، ومن خلال المقالتين السابقتين عن نفس هذا الموضوع، وجدتُ تهجّماً غير مسبوق على دولة الإمارات وبشكل يدلل أكثر على الأزدواج بالمعايير وعدم فهم لكل ما يحيط بنا من مشاكل، وهذه فعلا مشكلة كبيرة أننا لا نستطيع أن نفهم السياسة بالمعايير العالمية الموجودة!
هنا سأتطرق الى موضوع مهم جداً وهي المبادرة الأخيرة لدولة الامارات في عام 2003 وقبل الإحتلال ومن المغفور لهُ بإذن الله (سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان)، وأنا عندما سأكتب عن هذا الموضوع فأنا متأكد تماماً أن هذه المقالة سوف تُهاجم بقوة مثلما تمت مهاجمة سابقاتها وهذا شيء طبيعي لان لكل شخص رأيهِ، ولكنني كنتُ أتمنى أن يستوعب العراقيين الدرس من الماضي جيداً، ولكن مع الاسف مازال يوجد من يعيش في عقلية الستينات والسبعينيات والشعارات التي الفارغة من محتواها.
على كل حال، أنا عندما أصف مبادرة دولة الامارات في عام 2003 ، أستطيع أن أعطي مثل عنها [والمثل يُضرب ولا يُقاس] بعملية جراحية تُجرى لمريض مصاب بمرض الغنغرينا، وقد إنتشرَ هذا المرض اللعين في ساقه، وهنا ليس أمام الطبيب الا حل واحد وهو (بتر الساق)، والا فأن المرض سينتشر في كل جسم المريض مما يؤدي الى موت المريض، فهل يُخاطر الطبيب بإبقاء الساق من أجل الحفاظ على الشكل العام للمريض وبالتالي سوف يتضرر ويموت؟ أم أنه يقطع الساق من اجل عدم إنتشار المرض، وبالتالي من الممكن أن يستعين المريض بساق إصطناعية؟!
ماذا كان ممكن أن تفعل كــــــــــــل الدول العربية مجتمعة أمام المجرم بوش وهي تراه مثل الثور المجنون يسحق كل من يقف أمامه؟ هذا إذا إفترضنا أن كل الدول العربية كانت تحاول إنقاذ العراق،
وهل كانت كل الدول العربية تستطيع أن تقف بوجه الجنون الأمريكي؟
لقد رأينا المجرم بوش في عام 2001 وبعد مسرحية 11 سبتمبر، فقد قال وبكل صراحة و وقاحة:[من لم يكن معنا فهو ضدنا] ولا أعتقد أن عبارته تحتاج الى شرح،
لقد رأينا كيف وقفت فرنسا في مجلس الأمن الدولي (وهي عضو دائم) في جلستهِ الشهيرة ممثلة بوزير الخارجية (دومينيك دوفيلبان) بوجه الولايات المتحدة ممثلة بـ(كولن باول) عندما ساقَ أكاذيب أسلحة الدمار الشامل، مما أدى الى سحب أي غطاء قانوني من الأمم المتحدة للعمل العسكري، ولكن هل إستطاعت فرنسا أن تفعل أكثر من هذا؟ ومعها الصين و روسيا؟
الجواب هو بطبيعة الحال: كــــلا
لقد مضت إدارة الشر الأمريكية ومعها بريطانيا وأسبانيا وكم دولة تتطلع الى الفوائد المادية من الإحتلال،
طيب إذن ماهو الحل البديل للكارثة؟
هل تتصورون أننا نعيش في زمن الأنبياء والصالحين لكي نتخيل أن هذه القوة الأمريكية الهائلة والتي كانت مخصصة لمجابهة كل دول حلف وارشو من الممكن دحرها بما يملك العراق من أسلحة تصنيع سنة 1989؟! وهو بلا غطاء جوي!
هل كان أحد يتصور أنه هناك جيش من الملائكة سوف يأتي للقتال مع الجيش العراقي؟!
نعم كان لدينا رجال أبطال وقد قاموا القوات الغازية في أم قصر والناصرية وفي معركة المطار العظيمة ومازالوا يُقاومون الى حد اليوم، لكن خسائرنا كانت أكبر!تضحياتنا كانت أكبر
هل كان يتوجب على الفلوجة أن يتم قصفها بالفسور الابيض ولمرتين؟ وهل كان يجب أن يعاني أهلها من التشوهات الخلقية في أطفالهم؟!
هل كان يتوجب أن يتم السماح للريح الطائفية بالانبعاث من تحت المستنقعات الآسنة في قم وطهران؟!
هل كان يتوجب علينا أن نفقد خبرائنا وعلمائنا وأساتذتنا وأطبائنا؟!
هل كان يتوجب أن يصبح العراق ساحة تصفية حسابات يدفع ثمنها الشعب العراقي البريء؟!
هل كان مفروضا علينا أن نتفرّق في كل بقاع الارض بلا إستثناء نطلب الهروب من أجهزة المالكي القمعية والمليشيات الصفوية وفرق الموت الكردية؟!
دولة الامارات في ذلك الوقت كانت تحاول أن تقدم الحل البديل للكارثة، كان يمكن أن يخرج الرئيس صدام حسين رحمه الله لكي يستقر في الامارات، وكان يمكن أن يُسلّم المسؤولية الى قيادات الجيش العراقي لكي تتولى المسؤولية لفترة محددة، ولربما إستطاعت أن تتدخل بعدها الأمم المتحدة لكي ترتب الوضع من جديد بدون إحتلال، بدون قصف، بدون إنفلات أمني.
فلا كان قد تم الغاء الجيش، ولا تم حل الاجهزة الأمنية
ولا كان دخل أشباه الرجال والعمائم العفنة من اللذين يقودون المهزلة السياسية في عراق اليوم،
لقد كانت تلك المبادرة آخر الدواء ولا دواء بعدها
ألا يُضحي رب الاسرة بنفسهِ في سبيل أطفاله؟!
ألم يُقدّم الشهيد اللواء الركن سنان عبد الجبار أبوكلل نفسهُ فداءاً لولدهِ الذي خطفتهُ عصابات النجس أحمد الجلبي؟
ألم يكن يستحق الشعب العراقي هذه التضحية؟!
أتمنى من كل قلبي أن تفهموا ما أقول لا أن تأخذكم الحماسة والشعارات و و و ... الخ
طبعا تم وأد المبادرة، وتم إتهام الإمارات بسيل من التهم السخيفة
وهنا ملاحظة مهمة فلعلي أقول إن الأخ أمين القومية العربية (العقيد معمر القذافي) كان له ((دوراً ما)) في وأد تلك المباردة! لأنه ظهر على شاشات القنوات الفضائية وقال:
[صدام حسين لا يمكن أن يخرج من العراق هو عراقي واذا كان سيموت فانه سيموت في أرض العراق]
وكأني به اراه يدفع الرئيس صدام حسين رحمه الله الى مصيره المحتوم!
وكأني به يريد ان يقول للرئيس صدام حسين رحمه الله: لا تقبل بالمبادرة ! ولكن لماذا؟ هل لانه كان مشترك بالمؤامرة في ذلك الوقت؟ حتى يُسهل إحتلال العراق؟! أنا شخصيا أعتقد ذلك.
على كل حال الرئيس صدام حسين رحمه الله لم يفر من المعركة مثلما فعل الأخ أمين القومية العربية وترك قواته تواجه الموت وحدها في سرت، وإستشهد الرئيس صدام حسين على يد أقذر مخلوقات خلقها الله على كوكب الارض؛ و خسرنا العراق، وفقدنا الاستقلال، وتسلط علينا شذاذ الافاق والمنحرفين جنسياً وأخلاقيا، ومازال وسيبقى الحبل على الجرار، ما لم نصحوا، ما لم نقرر أن نوقف ما نحنُ فيه من ضياع
لكل من سوف ينتقد هذه المقالة أقول: الماضي ذهب ولن يعود ولا يمكن تبديله لكن المراهنة على شعارات طنانة لن يفيد، علينا أن نستفيد من أخطائنا، حاولوا أن تفتحوا قلوبكم قبل عقولكم، ارجعوا الى إستاذ السياسة العظيم (نوري السعيد باشا) رحمه الله وأنظروا كيف خلق دولة من لا شيء.
يقول الله عزوجل في محكم كتابه الكريم في سورة المائدة الآية 8:
بسم الله الرحمن الرحيم
((يا أيها اللذين أمنوا كونوا قوامين لله شُهداء بالقسطِ ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى وأتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون))
صدق الله العظيم
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: