عمر غازي - السعودية
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5748
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا يحتاج المتابع البسيط لكثير عناء ليدرك المغزى من أحداث التخريب التي وقعت في قرية العوامية بمحافظة القطيف شرقي المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، فبنظرة فاحصة على الحدث وتوقيته وتفاصيله وتبعاته وملابساته نخرج بنتيجة واضحة وهي أنه لا يمكن اعتبار ما حدث شغباً أو حتى تظاهرة أو تجمعاً أو مسيرة احتجاجية، وانما حادثة تخريبية مقصودة فلا يعقل أن يخرج أناس (ملثمون) يتسلح بعضهم بـ(أسلحة بيضاء ونارية) و (قنابل مولوتوف) في موكب يتألف من (عشرات الدرجات النارية) يحملون أعلام إيران وحزب الله وصور المرجعيات الشيعية ويسبون الشرطة والأسرة الحاكمة في السعودية بأشد (الألفاظ النابية السوقية) كما أوضحت مقاطع اليوتيوب لنقول أن هذا احتجاج سلمي أو مظاهرة مطالبة بحقوق ، أو أنهم لجأوا للعنف كما أن غالبية المصابين في الأحداث هم من رجال الأمن.
والهدف من ذلك يبدوا جليا وواضحا للعيان وهو الرد الإيراني العاجل على المساعي الرامية لخسارة حليفها الاستراتيجي سوريا والتي تعتقد طهران أن دول الخليج تدعم المعارضة السورية بشدة في الوقت الراهن من أجل إسقاط نظام الأسد المحالف لإيران وهو ما هدد به الأسد نفسه قبل أيام، فأرادت إيران من خلال اللعب على الأوتار الطائفية التخفيف من الضغط على النظام السوري عن طريق التشغيب على المملكة العربية السعودية وتلفيق الاتهامات والأكاذيب اعلاميا عن مجازر وعمليات قمع وقتل وخلافه.
وبطبيعة الحال لم ولن تنسى طهران دور السعودية في قيادة درع الجزيرة لإحباط المحاولات الرامية لتهييج المواطنين الشيعة بإيعاز منها، وكذلك فشل المحاولة البائسة لزعزعة الأمن في السعودية والتي أطلق عليها ثورة حنين والتي حاولت تصديرها لمدن المملكة عن طريق شيعة القطيف وقراها دون جدوى، الأمر الذي سيزيد حتما من دوافع الانتقام تجاه المملكة العربية السعودية لدى نظام ولاية الفقيه.
يبدو إن شبح الخسارة الفادحة لإيران في سوريا أفقدها صوابها فعمدت إلى تكتيكاتها القديمة البالية لينطبق عليها المثل الشعبي (الخواجة لما بيفلس بيدور في دفاتره القديمة) فعمدت على إثارة الفوضى الداخلية وأعمال التخريب عن طريق العناصر الشيعية الموالية لها وبتدريب من المخابرات الإيرانية مثلما حدث في أحداث الحج 1987 ونفق المعيصم بمكة وتفجير 1988 بالجبيل وتفجيرات الخبر 1996، والأسلوب الثاني الذي انتهجته أيضا سبق لها استخدامه وهو اغتيال الدبلوماسيين السعوديين بالخارج وهو الأسلوب الذي راج في أواخر الثمانيات بعد التضييق على حزب الله الحجاز فرأينا مؤامرة الاغتيال الفاشلة للسفير السعودي في واشنطن.
وإذا أردنا أن نضع هذه الحادثة في إطارها الصحيح المنضبط فمن المتعين على عقلاء الشيعة أن يتصدوا لأصابع الفتنة الإيرانية ومن ينجرف ورائها من مجموعات مغرر بها وأن يضعوا نصب أعينهم مصلحة الوطن واستقراره ووحدته وفق كل اعتبار، كما تصدى علماء أهل السنة والجماعة ودعاتها ومفكريها والعقلاء من عموم الشعب والمثقفين والإعلاميين لدعاة الفتنة والتطرف والغلو من الفئة الضالة والعناصر الإرهابية لتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات المنحرفة التي تتخذ من لغة القتل والدمار وترويع الآمنين والإخلال بالأمن وهتك الحرمات وأسفاك الدماء المعصومة مطية لها للوصول لمآربها عبر تأويلات منحرفة.
واعتقد أن أغلب القيادات الشيعية في المملكة على درجة كافية من الوطنية والتعقل بعد عقود من الممانعة والمعارضة والمراجعة حيث يقول الشيخ حسن الصفار القيادي الشيعي والرئيس السابق لحركة الإصلاح الشيعية المعارضة في مكاشفاته مع الإعلامي عبد العزيز قاسم حول ملابسات رجوعة لحياض الوطن بعد سنوات من التنقل بين طهران ودمشق ولندن: " بعد احتلال العراق للكويت واستعانة المملكة بقوات التحالف لحماية المملكة وتحرير الكويت، دخلت المنطقة وضعاً جديداً، ورأينا الخطر محدقاً ببلادنا، خاصة مع موقعية المنطقة الشرقية الحساسة، وقد بذل النظام العراقي الزائل جهوداً مكثفة لاستمالتنا نحو موقفه، بأن نعارض مجئ قوات التحالف، ونصعّد معارضتنا للنظام في المملكة، واتصلت بنا حركات إسلامية سنية كثيرة تشجعنا على ذلك، لأن الموقف العام عندهم كان بهذا الاتجاه، ولكننا درسنا الأمر بموضوعية وبروح وطنية، فقررنا أن ننحاز لوطننا، وأن نقف معه في وقت المحنة والشدة، فأعلنت في تصريح بثته وكالة رويتر للأنباء في وقته، بأننا وإن كنا نعاني كطائفة من بعض المشاكل، إلا أن ذلك لا يعني أن نقف مع العدوان العراقي أو نبرر له، ورفضنا كل الإغراءات، وطالبنا مجتمعنا في المنطقة الشرقية بالتطوع للدفاع عن الوطن، وبحفظ الأمن والاستقرار في ذلك الظرف الحساس، هذا الموقف قابلته حكومة خادم الحرمين الشريفين بالتقدير، وكان هناك بعض الوسطاء مثل سفير المملكة في الشام "الأستاذ أحمد الكحيمي" الذي كان كان له دور طيب والدكتور ناصر المنقور سفير المملكة بلندن قبل القصيبي وبعض الأخوة في أمريكا التقوا أيضاً مع السفير السعودي الأمير بندر بن سلطان فتكثفت اللقاءات وتكثف التواصل بيننا وبين الدولة تقديراً منا للظرف الذي يمر به البلد وتقديرا من الدولة للموقف الوطني الذي اتخذناه".
عمر غازي
كاتب مصري وباحث بمركز الدين والسياسة
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: