عبد الرزاق قيراط – تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6429 abder.guirat@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بقدر ما تمسّك الشعب اليمنيّ بمطالبه لتغيير النظام، تشبّث الرئيس علي عبد الله صالح بالبقاء في السلطة باعتباره الرجل الوحيد الصالح في اليمن صاحب الأيادي الأمينة الذي يجب أن يبقى متصدّيا "للفاسدين و العملاء و الغوغائيّين" كما وصفهم بنفسه.
مازال الرئيس اليمنيّ صامدا على موقفه الرافض للخروج بضغط الساحات و الميادين. لا يريد أن يخرج مجبرا مهانا بل بصورة مشرّفة و هو في هذه الحالة مستعدّ "لتسليم السلطة خلال ساعات".
و لكنّ ساعات الرئيس كألف سنة ممّا تعدّون يا أهل اليمن. مهما عصفتم و اعتصمتم " سيصمد أمام كل العواصف وسيتحدى كل الذين تحدّوا اليمن لإثارة الفوضى "، إنّه باق و لا شيء يدلّ على أنّه سئم الحكم و قد ساعده في هذا البقاء الأسلحة الذكيّة التي حارب بها خصومه.
كانت البداية بالأسلحة الغبيّة التقليديّة القمعيّة، فقنابل الغاز و الرصاص الحيّ و عنف البلطجيّة أثبتت فشلها في القضاء على الثورات العربيّة لأنّها تعطي نتيجة عكسيّة إذ تؤجّج المزيد من مشاعر الغضب.
لذلك استنجد صالح بأسلحة جديدة أكثر فتكا و نجاحا و في مقدّمتها سلاح اللغة الذي مكّنه من ربح الكثير من الوقت فالرئيس في جميع خطبه يدغدغ مشاعر شعبه بإعلانه الاستعداد لتسليم السلطة و لكنّه و في نفس الوقت يملي شروطه
و بها يتراجع عن وعود التسليم. و هكذا يراوح بين إطلاق الوعود و نقض العهود فهو يقول حينا :" السلطة سئمناها، ولا أحد يريد أن يتمسك بالسلطة فهي مغرم وليست مغنما". ثمّ يقول" نرفض الانقلاب على الديمقراطية والحرّية والدستور".
كان ذلك بعد أن أُعلنت المبادرة السعوديّة الخليجيّة فرحّب بها صالح و أبدى استعداده لمحادثات مع المعارضة في إطار مجلس التعاون الخليجي لنسمع بعد ذلك توصيفه لها بكونها مبادرة «غير ديمقراطية» و غضبه من التصريحات القطريّة بشأنها. و هذا مثال آخر للكرّ و الفرّ اللفظيّ أملا في ربح المزيد من الوقت للبقاء في الحكم فنحن نتحدّث دائما عن الحكّام العرب الذين لا يريدون الرحيل.
و هكذا يتكرّر المشهد اليمنيّ بشكل طريف فتتوالى المبادرات و معها الخيبات التي أخرجت أهل اليمن من ديارهم و أبقتهم في ميدان التغيير في اليوم تلو الآخر و في الجمعة تلو الجمعة.
جمعة التحدّي و الرحيل و الصمود و الخلاص و الغضب و الثبات، تعدّدت الأسماء و المطلب واحد لشعب يريد إسقاط الرئيس. فيردّ الرئيس بجمعة التسامح والسلام والتضامن و البيعة و يخرج لهم الآلاف من أنصاره صدّا للهجوم و قد نجح في ذلك لأنّه يحارب بنفس السلاح الذي يستعمل للإطاحة بحكمه فكأنّه يقول على لسان الشاعر أبي نوّاس:
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغـراء + وداوني بالتي كانت هي الــداء
هكذا يلجأ صالح إلى بيت أبي نوّاس في أوّل هروب له من لوم الغاضبين، فوجد عنده الدواء الشافي من داء الثورة الذي انتقلت عدواه بسرعة كبيرة، دواء تركيبته العجيبة ثورة بثورة و جمعة بجمعة، و كلّها أسماء لها معانيها الكفيلة بالتشويش على جهود معارضيه تماما كما شوّشت الأنظمة الاستبداديّة الأخرى على أخبار ثورة شعوبها فحاربت القنوات التي تذيع أنباءها في محاولة لتعطيل صوتها المنادي بالحرّيّة و الكرامة.
و لكن هل سيصمد الرئيس اليمني طويلا في بيت أبي نوّاس الشاعر أم سيبحث قريبا عن بيت آخر يلجأ إليه هربا من شعبه الثائر؟
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: