عبد الرزاق قيراط - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6442
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
انتظر الشعب السوريّ خطاب الرئيس الأسد الذي زُعم أنّه سيعلن عن قرارات هامّة و سيطمئن الجميع.
و جاء الخطاب المنتظر و ظهر الزعيم القائد في غمرة من التصفيق و التهليل ثمّ غادر المنبر بصورة بطوليّة عجيبة
غير أنّ بطولته لم تكن جرأة صادقة لبداية الإصلاح الحقيقي و إنّما فروسيّة لغويّة اشمأزّت لها نفوس من تابعها و خيّبت آمالهم. و السبب أنّ الخطاب جاء لوئد الإصلاح لا لإحيائه.
فقوله على سبيل المثال: " نريد أن نسرع في الإصلاح لا أن نتسرّع " جملة خبيثة كان النفي فيها سيّد الموقف و هي تتحدّث عن إرادة للإصلاح ظاهرها الرغبة السريعة و باطنها المزيد من التأنّي خوفا من مخاطر السرعة و التسرّع.
بل إنّ ذلك الإصلاح يبدو غير مرحّب به في سوريّة لأنّه مجرّد "صرعة موسم"، أو "موجة تعيشها المنطقة "
و بذلك " فإنّه يكون مدمّرا".
و هكذا لم تعد سوريّة في حاجة لهذا الإصلاح المدمّر و في التأنّي السلامة و في العجلة الندامة. بل إنّ الرئيس الطبيب يشخّص مطالب الشعب بالقول إنّها مؤامرة، و الحديث عن المؤامرة رافق جميع فقرات الخطاب ليكون بذلك من أفقر الخطب على مستوى تلبية الإنتظارات التي سبقته.
فخطاب الأسد حافل بالمعاني البهلوانيّة التي تشخّص الداء ثمّ تنفي وجوده جملة و تفصيلا، فمن بين أسباب الثورة الفساد و ما أدراك ما الفساد و لكنّ الأسد لا يرى الفاسدين في سوريّة فهو يقول:
" لا يوجد أحد يعارض الإصلاح ، ومن كان يعارضه الفاسدون وهم قلّة لم تعد موجودة الآن في سورية" .
و كان الأجدر أن يقول: "يوجد من يعارض الإصلاح الآن في سورية ، وهم فاسدون "
غير أنّ غرور الحاكم المطلق أعاد صياغة الجملة لتعبّر بنفي قاطع عن قطع دابر الفساد و المفسدين في الخطاب لا في البلاد.
تلك هي ألاعيب الأسد اللغويّة التي لا هدف لها سوى نفي الفساد لتثبيت الحكم و يمكن أن نلخّصها في نقاط ثلاث:
ـ لا يوجد فساد أو مفسدون في سوريّة.
ـ لا نريد التسرّع في الإصلاح.
ـ الإصلاح قد يكون مدمّرا.
و في مقابل ذلك طالب الأسد شعبه " بوأد الفتنة.. و تقويض القلّة القليلة التي تريد تخريب الوحدة الوطنية".
لقد وضع الأسد النقاط على حروف كلماته فأحسن قراءتها معلنا أنّ الثورة التي طرقت أبوابه ليست سوى فتنة و مؤامرة خبيثة. و لأنّ القراءة كانت جميلة بفضل تلك الألاعيب ، تلقّى القارئ موجة من التصفيق و التهليل من قبل نوّاب شعبه. و لكنّ شعب سوريّة لم يشكّل كلمته بعد. هو يردّدها و يقدّم دماءه من أجلها. و هي الكلمة الوحيدة التي تجنّب الأسد الحديث عنها لأنّها لا تحتمل الألاعيب البهلوانيّة.
تلك الكلمة لا تحتاج إلى الخطب الطويلة المملّة المرصّعة بالأكاذيب البلاغيّة، تلك الكلمة تحتاج فقط إلى الحناجر التي ستردّدها عاليا لتسمعها يا بشّار كما سمعها من سقطوا قبلك. تلك الكلمة هي الحرّيّة، الحريّة و بس!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: