المستشار السابق لمحفوظ نحناح متحدثاً عن الخيار الثالث لإخوان الجزائر
نحناح لم تكن لديه الثقة في تجربة العمل السياسي
علي عبدالعال
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6627
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من غير المرجح أن تنطوي صفحة الخلافات التي أصابت حركة مجتمع السلم قريبا، كما أن الأصداء التي نجمت عن تلك الخلافات ستظل تلقي بظلالها إلى أمد ليس بالقصير، ومتابعة لهذه القضية كنا قد تحدثنا مع عبد المجيد مناصرة أحد مؤسسي حركة "الدعوة والتغيير" المنشقة عن حمس فعرض لوجهة نظره، وما اعتبره ملاحظات سجلت خروجا عن خط الحركة ونهج مؤسسها. وتحاورنا بالمقابل مع رئيس "حمس" الشيخ أبو جرة سلطاني الذي دافع في حواره عن الحركة في وجه منتقديها، وأعلن عن استمرارها في خطها الرئيس، والالتزام بالثوابت التي خطها مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح.
ولأن كلا الطرفين يعتبر نفسه الوريث الشرعي لنهج الحركة ومؤسسها، والمعبر عن خط جماعة الإخوان المسلمين بالجزائر كان لزاما علينا أن نستدعي طرفا ثالثا بعيدا عن اصطفافات الفريقين، وله خبرة ودراية بتجارب الحركة ومحكاتها، وينتمي في ذات الوقت للإطار الفكري الإخواني بالجزائر الذي يدعي الطرفان وصلا به. ولم نجد في رحلة البحث عن شخصية تتوفر لها هذه الاشتراطات الموضوعية أفضل من رفيق مؤسس مجتمع السلم الراحل محفوظ نحناح ومستشاره الخاص الأستاذ: عامر ولد ساعد سعود، مؤسس المبادرة الجزائرية لدعم فكر المقاومة "مجد"، في الجزائر، وأحد المعبرين عن فكر الإخوان بالجزائر، وهو صاحب رؤى تقييمية لتجربة العمل الإسلامي هناك.
وفي حواره يحلل ولد ساعد الأسباب الجوهرية لما آلت إليه حركة مجتمع السلم، ويركز على المخاطر والتأثيرات السلبية التي نجمت عن التكالب على العمل السياسي، وحسب قوله فإن: "اختلال التوازن بين المخزون التربوي والمؤهلات القيادية ومهاراتها من جهة، وبين المساحات والفضاءات التي فتحتها تجربة المشاركة من جهة أخرى هي السبب الرئيسي فيما حصل". ورغم ما بدا من ميل لتشديد الإدانة لأبي جرة سلطاني من قبل عامر ولد ساعد إلا أنه حمل الطرفين مسئولية ما يحدث. في الحوار إسهاب في تشريح أزمة الإخوان بالجزائر، ومعالم لخارطة طريق، وروشتة علاج لكيفية الخروج من هذه الوضعية، وحديث عن إمكانية تواجد خيار إخواني ثالث بالجزائر، ومقومات واشتراطات هذا الخيار وفق رؤية عامر ولد ساعد.
حفظ الأسرار
* أصدرتم بيانا تناول معاناة أبناء الحركة من حالة التشرذم والانقسام الحاصلة، ما خلفية هذا البيان بعد الانشقاق الذي جرى مؤخرا داخل حركة حمس؟
- لم نصدر أي بيان، كل ما في الأمر أننا صغنا رسالة داخلية، وضحنا فيها موقفنا، وقد اكتفينا بتوزيعها على الإخوة والأخوات من الطرفين، وتعهدنا بتقديمها لكل من يطلب موقفنا في الموضوع، وقررنا عدم نشرها في وسائل الإعلام، ووكلنا الله على من يسربها للصحافة؛ لأنه ليس من شيمنا تقسيم المقسم، ولكننا أعلنا بوضوح عن انسحابنا التام من أي عمل سياسي حزبي، ملتزمين بحفظ الأسرار، ودعونا الجميع إلى التمسك بمحتوى بيعتهم مع الله، والثبات في المؤسسات الدعوية، وفي أحضان المجتمع ومؤسساته، عابدين لله، خادمين لعباده على قدر المستطاع، ووفق ما أتيح من وسائل، وقررنا التفرغ لمهمتين:
الأولى: مرافقة الأفراد والمجموعات الراغبة في مواصلة الفكرة والمشروع بعيدا عن الصراعات الحزبية، ومساعدتهم على إنجاز مشاريعهم الدعوية.
الثانية: نصح جميع الإخوان بالالتزام بأخلاقيات الفكرة، وصدهم قدر المستطاع عن تجاوز الضوابط الشرعية في ممارساتهم الحزبية، قياما بواجب النصح، وإبراء للذمة أمام الله.
دون أن ننسى للجميع الود الذي بيننا، مصرين على الحفاظ على أخوتنا وحبنا في الله للجميع، واضعين أنفسنا وكل ما نملك فداء لأي مسعى مخلص يجعلنا صفا ربانيا موحدا، وتقدمنا باعتذارنا على ما حصل إلى جميع الإخوان والأخوات في جميع الأماكن، وعلى جميع المستويات، خصوصا لأرواح الشيخين، وشهداء الحركة، وهم الأحياء عند ربهم يرزقون، وللمؤسسين والثابتين على العهد، وللطلاب والطالبات والشباب والشابات المتشبعين بالحماس الفياض والنوايا الصادقة، ولمحبي الشيخين وفكرهما ومشروعهما، واعتذرنا لمدرسة الإخوان وشهدائها وعلمائها وقادتها وأبنائها ومحبيها في العالم، ولفلسطين وشهدائها ومجاهديها قديما وحديثا، ولجماهير شعبنا المفدى الذي تجند خلفنا في جميع المواعيد الانتخابية، فحققنا له جزءا من مطالبه، وعجزنا عن تحقيق الجزء الآخر.
* في حوار سابق قلت: "لن أسمح لنفسي بالانخراط في مجموعة من مجموعات الحركة، بعدما ظللت أنتج الأفكار التي تساعد في إدارة توازناتها ومجموعاتها الخفية آنذاك"، هل يعني ذلك أنك حتما لابد أن تتبنى اتجاها إخوانيا ثالثا في الجزائر؟
- لقد أكرمنا الله بصحبة الشيخ محفوظ نحناح الذي علمنا ضرورة وأهمية أن نستوعب الجميع، وأن نقيس كل فرد بما فيه من إيجابيات وسلبيات، وننظر للأشخاص والأفكار والجماعات من مختلف الزوايا لتكتمل الصورة، بحيث يأتي الموقف (الفتوى) مستوعبا للشروط والضوابط الشرعية، فتقدر الفتوى (الموقف) زمانا ومكانا وشخصا وحالا.
وعليه بقيت خارج المجموعات التي ظهرت بوضوح بعد وفاة المرحوم، ولا يهمنا إن كان ذلك طريقا ثالثا أم لا بقدر ما يهمنا أن نبني مواقفنا على قناعات مؤسسة، وضوابط شرعية، وقراءات صحيحة للتاريخ، ودراسة علمية للواقع، واستشراف إستراتيجي للمستقبل.
ويوجد في هذا التوجه الكثير من الإطارات النوعية التي اشتغلت مع المرحوم في ملفات خاصة، وبقية طوال حياتها بعيدة عن تجاذب المجموعات، وهي تواصل رسالتها الدعوية بإخلاص وتفان، بعيدا عن الأضواء والصراعات الحزبية، لكنها تبقى محرومة من قيادة سياسية في مستوى تطلعاتها، وتبقى القيادات السياسية الحالية محرومة من خدمات هذه الكفاءات.
الخيار الثالث لإخوان الجزائر
* لكن البعض بات ينظر إلى أنكم فصيل ثالث بالفعل؟
- من حق أي واحد أن ينظر إلينا كيفما شاء، لكن المهم أننا تلاميذ لمدرسة كرّس مؤسسوها حياتهم في جمع الأمة على ما يخدم مستقبلها، وكقناعة من القناعات الراسخة لهذه المدرسة أنّ السير في عمليات التقسيم والتشرذم الناتج عن ضيق الأفق والتهميش والإقصاء التي شهدها ولا يزال يشهدها الوطن العربي والأمة الإسلامية، ونقل جرثومتها للحركات والجماعات الإسلامية، لا يمكن بأي حال أن يخدم الرسالة المحمدية، ولذلك ليس لنا أي طموح ولا رغبة –رغم القدرة المتوفرة– في صناعة لافتة تضاف لكثير من اللافتات التي تشهد انقسامات وانشطارات وتشرذم في كل منعرج.
وعليه فقد اخترنا العمل فيما يجمع الناس ولا يفرقهم، وفي مقدمة ذلك الالتصاق ببيوت الله، والإبحار في كتاب الله حفظا وتجويدا وقراءة وتدبرا، وهذا ما ندعو إليه ليس جميع إخوان الجزائر من الطرفين فحسب، بل جميع أبناء وبنات الصحوة الإسلامية، لعل الله يكرمنا بما يجمعنا على ما يحقق للأمة طموحها، خصوصا مع المراجعات العميقة التي يقوم بها قيادات وأفراد كل الجماعات الإسلامية على ضوء تجربة العشرين سنة من الانفتاح السياسي في جرائرنا.
إنّ إفرازات عقدين من الزمن (1998-2009) في حاجة إلى وقفة متأنية وتشخيص دقيق يعتمد على قراءة متبصرة للتاريخ، ودراسة علمية للواقع واستشراف للمستقبل، فإذا كان لابد من طريق ثالث فهو الذي يجمع ولا يشتت، يوحد ولا يفرق، يبني ولا يهدم، يتواصل ولا يبتر، يستر ولا يكشف، يعفو ولا يحقد، يشارك ولا يقصي ولا يهمش، يساهم في بناء التكتلات الكبرى ولا يتمادى في تفتيت الكيانات الصغرى، يؤسس اللوبيات المخترقة للغرب ومؤسساته، ولا يؤسس المجموعات الانقلابية، ويعيد الاتصال الفعلي بين الجماعة وبين من قال فيهم الشهيد حسن البنا "كثير من هم منا وليسوا فينا"، كما يضع الآليات التي تجنب الجماعة شرّ من قال فيهم الشهيد "هم فينا وليسوا منا".
الخيار الثالث هو فضاء مفتوح يستوعب إيجابيات جميع التكتلات والمجموعات والأفراد ويتجنب سلبياتها جميعا، وهذا الخيار لا يمكن أن يؤسسه فرد أو مجموعة، كما لا يمكن أن يكون نتيجة قرار تنظيمي تتخذه الجماعة لصالح أو ضد أي مجموعة.
الخيار المنشود لابد أن يكون ثمرة تشخيص دقيق يبنى على حقائق الماضي ومعطيات الواقع ومقتضيات المستقبل، تشخيص لابد أن يتسم بالعلمية والحيادية والمرجعية، ويأخذ الوقت الكافي الذي لا يقل في تقديرنا الأولي عن خمس سنوات.
ليس كل ما يعرف يقال
* من وجهة نظرك، ما حقيقة ما جرى بين الذين كانوا رفقاء دعوة بالأمس، وهل كل ما في الأمر صراع على الزعامة، أم إن هناك خلافات منهجية (فكرية أو دعوية) تقف وراء هذا الخلاف؟
- أذكركم بالقاعدة التربوية الإخوانية القائلة "ليس كل ما يُعرف يُقال وليس كل ما يُتردد، يقال لكل الناس"، وعليه فلا يمكن تقديم حقيقة ما يجري إلا لأهل الحل والعقد ممن يعنيهم الأمر.
وما يمكن قوله للناس الآن، هو أنّ الشيخين –نحناح وبوسليماني– رحمهما الله لم تكن لهما الثقة الكاملة فيما سُمي بالتعددية السياسية آنذاك، وبعد دراسة وتمحيص، تقرّر الخروج من السرية إلى العلنية عبر مجموعة مشاريع دعوية اجتماعية، وفي مقدمتها جمعية الإرشاد والإصلاح، وقد ردّ نحناح على المتحمسين إلى دخول العمل السياسي حينها في أول تجمع شعبي للجمعية بقوله "لا نريد أن نولد ولادة قيصرية" وكان يقول لبعض قادة العمل الإسلامي في العالم أثناء مناقشتهم في الموضوع فيما معناه "يا إخواني أنتم شاب شعركم في الدعوة، أما أنا فمعي شباب إذا ما انفتحت أمامهم الدنيا سيتناطحون، ويحصل بينهم ما لا يُحمد عقباه".
وكان مطلب الجماعة آنذاك يتمثل في حرية العمل والتعبير والتنظيم، وكانت الجماعة تعمل وقتئذ على عزل الطبقات بين العلماء والدعاة وقيادات الحركة الإسلامية من جهة، وصناع القرار في البلاد من جهة أخرى، إلا أنّ الظروف التي صاحبت تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ وإصرار بعض قياداتها على تكسير المرجعيات، وبعد أن تأكد فشل مشروع رابطة الدعوة الإسلامية بقيادة الشيخ أحمد سحنون رحمه الله، وأمام المخاطر التي ارتسمت في الأفق، كان على الجماعة أن تقدم مصلحة الجزائر ومشروع الصحوة ككل على مصلحتها الخاصة.
ونؤكد أنّ تأسيس الحزب السياسي "حركة المجتمع الإسلامي" (حمس) مطلع تسعينيات القرن الماضي، كان تنازلا من الجماعة وتضحية منها لحماية الدولة من الانهيار وصيانة المشروع الإسلامي من الاستئصال؛ لأنّ مصلحة الجماعة آنذاك كانت في الاكتفاء بالمشاريع التي باشرتها والتي تمكنها من الإعداد الجيد للمستقبل، وليس من الصعب الاستدلال على مدى تضحية الجماعة وتنازلها لصالح الوطن، بعد أن قدم الشهيد بوسليماني روحه فداء لذلك، وبعد أن تنازل الشيخ محفوظ عن رئاسة الجمهورية سنة 1995 بعدما فاز بها فوزا واضحا، وبعد أن قبل بجميع المواعيد الانتخابية المزورة بعدها.
ونؤكد أيضا أنّ الشيخ نحناح لم يشارك في أي انتخابات من أجل الفوز بها كليا، ولا من أجل الوصول إلى السلطة، إذ لم تكن له أي رغبة في ذلك، وقد يأتي اليوم الذي نتكلم فيه عن المناصب والمزايا التي عُرضت عليه، وكان دوما يرفضها حفاظا على استقلالية قراره وقرار حركته، فقد كان عمله السياسي من أجل تأمين الدعوة بصفتها مشروعه المقدس، وحماية الدولة بصفتها الباخرة التي تقلنا مع غيرنا، وعلينا واجب حمايتها مادمنا من ركابها ومادام ركابها مسلمون يقرون بالشهادة.
وعليه فالتضحيات التي قدمتها الجماعة في مواجهة الفتنة التي مرت بها الجزائر كانت أكبر من قدرات كوادرها وقياداتها، والطموحات والآفاق التي رسمها الشيخان نحناح وبوسليماني كانت أصعب من أن يستوعبها الكثير، وإن اختلال التوازن بين المخزون التربوي والمؤهلات القيادية ومهاراتها من جهة، وبين المساحات والفضاءات التي فتحتها تجربة المشاركة من جهة أخرى هي السبب الرئيسي فيما حصل.
إقصاء المقربين من نحناح
* تردد أنكم خرجتم تدريجيا من حمس بعد تولي أبو جرة سلطاني قيادتها، هل يعني ذلك أنك أميل لحركة الدعوة والتغيير التي أعلنها عبد المجيد مناصرة؟ وما الذي تنقمونه على سلطاني، وكان منتخبا وعليه ما يشبه الإجماع؟
- لقد كانت لدينا تنبؤات مبكرة بما حصل لاحقا، وكانت ولا تزال لدينا تحفظاتنا على المنظومة القيادية بطرفيها، وبما أننا شعرنا بالعجز عن وقف الانفجار، لم نرد أن نكون من المساهمين فيه، وحرصنا ولا نزال على التواصل الأخوي مع الجميع، وكنا رغم تحفظاتنا نتعامل مع القيادة بعد وفاة المرحوم بطرفيها وفقا لما تطلبه منا من أعمال، ولسنا ندري أمن محاسن الأقدار أم من مساوئها، أنها لم تطلب منا أي عمل طوال العهدة الماضية.. إن عملية الانسحاب التدريجي مارسها الكثير من الدعاة وعلى جميع المستويات، خصوصا أولئك الذين كانت لهم علاقات عمل خاصة مع المرحوم؛ لأن الأجواء التي صنعت الانقسام لم تكن تسمح لمثل هؤلاء بالمشاركة.
أما عن أبو جرة، فمن المؤكد أنّ التاريخ سيكتب أنه بعد توليه الرئاسة الجزئية في المؤتمر الثالث حدث الانقسام الخفي، وبعد توليه الرئاسة الكلية في المؤتمر الرابع حدث الانقسام العلني، وانفجرت جمعية الإرشاد وكادت تنفجر الكشافة الإسلامية لولا رعاية الله ووعي وقدرة قيادتها، أما عن انتخاب سلطاني بالإجماع فقد حصل ذلك بعد أن بلغت القلوب الحناجر في المؤتمر الرابع، وجاءت صلاة الجمعة التاريخية كغيث من السماء صنعت أجواء رائعة من قيم التسامح والتسامي والتنازل بين الإخوة، وعكست ذلكم المخزون التربوي الراقي لجميع الإخوة والأخوات، فحصل ذلك التنازل التاريخي، ولكن القيادة التي أفرزها المؤتمر لم تستوعب ما حصل، فنسفت أجواء الجمعة وفهمت التنازل فهما خاطئا، ونجحت في الحصول على الشرعية القانونية، ولكنها فشلت في تسيير توازنات الحركة التي ما هي إلا جزء منها، فحدث الذي تعرفون، ونسأل الله العافية فيما تخبؤه الأيام.
أما عن حركة الدعوة والتغيير فقرأنا خبر إعلانها في الصحافة، ولا نعلم إلى اليوم هل هي قرار جماعة أم مبادرة أفراد؟ ولا نعلم طبيعتها هل هي سياسية حزبية، وبالتالي لا تعنينا وفقا لموقفنا، أم إنها دعوية محضة فلا يمكننا في هذه الحالة إلا أن نكون وإياها في خندق واحد.
على من يدعي وراثة نحناح أن يلتزم بأخلاقه
* كنت مقربا من نحناح ومستشاره الخاص، لكن في ظل ادعاء كلا من جبهتي أبو جرة ومناصرة وراثة الرجل، من تراه أنت من إخوان الجزائر أحق بإرث الراحل؟
- لا يمكن لعاقل أن ينكر لأي من الطرفين، خصوصا عموم المناضلين والأتباع في القواعد تعلقه وأخذه من تراث الشيخ نحناح، وتأثره به بنسب مختلفة، وليس خافيا على أحد أنّ القيادات المركزية في الطرفين مسئولة عن ما حصل ويحصل.
وبما أننا نتكلم عن تراث الشيخ، فإنّ الواجب الشرعي يجعلني أتساءل عن مصير الخطاب الافتتاحي للمرحوم في المؤتمر الثاني للحركة سنة 1998، والذي اعتمده المؤتمرون بقرار من المؤتمر آنذاك وثيقة مرجعية للحركة، وعلقت عليه معظم الصحف الجزائرية باللغتين العربية والفرنسية، كما وصفته بـ"الخطاب البرنامج"، والذي قال عنه الشيخ محمد أحمد الراشد إنه يصلح كخطاب للحركة الإسلامية العالمية في هذا القرن مع بعض التعديلات والإضافات، ومع ذلك لم نر لهذه الوثيقة أي أثر منذ وفاة نحناح على مستوى القيادات للطرفين، وأكتفي بهذا المثال الواضح في التعامل مع تراث المرحوم، وندعو كل من يدعي وراثة تراث الشيخ أن يلتزم بأخلاقه التي عبرت عن بعضها دراسة متواضعة تحت عنوان "الإصلاح السياسي عند الشيخ نحناح" نرجو أن يستفيد منها الجميع.
من جهة أخرى، فإنّ إرث نحناح أصبح ملكا مشاعا للجميع وبالخصوص للأحزاب الإسلامية والوطنية التي نهلت جميعها من محتواه الفلسفي ومحاوره الكبرى، فقد رسم رحمه الله خارطة طريق العمل السياسي للإسلاميين في الوطن العربي، خصوصا أنه مشفوع بتحركات ومبادرات متنوعة كان يقودها أو يشارك فيها لمعالجة ملفات معقدة وحساسة في كثير من بلدان العالم.
وبما أننا على مقربة من ذكرى وفاة الراحل، فإننا نقترح عليكم نشر هذه الوثيقة التاريخية بالمناسبة، وفتح نقاش حولها مع التزامنا بتزويدكم بنسخة منها، وبقراءة تتضمن كيفيات إعدادها وتفاعلاتها، ونقترح على محبي الشيخ وأصحابه، خصوصا من قيادات العمل الإسلامي في العالم، تنظيم ملتقى دولي لدراسة هذا التراث وتلكم التجربة واستكتاب جميع من عرفوا المرحوم من القيادات الرسمية والشعبية في العالم، وأننا متأكدون أنّ هذه القيادات ستكشف الكثير من الأسرار ذات الأهمية البالغة والأثر الإيجابي على صورة الحركة الإسلامية في الجزائر وعلى حركة الإخوان ككل، بعد التشويه الذي سببته الانقسامات والتراشق الإعلامي، على أن يدعى لذلكم الملتقى جميع من له علاقة بالمرحوم للإدلاء بما لديهم من شهادات وحقائق.
* برأيك هل يعكس التشرذم في حمس حقيقة الانقسام بين فصائل الحركة الإسلامية في الجزائر؟
- الوضع الذي وصلت إليه جميع الأحزاب الإسلامية بعد مرور عقدين من الزمن (1989-2009) يقتضي الوقوف وقفة تأمل ودراسة وتقييم وتشخيص علمي، يأخذ بدروس التاريخ ومعطيات الواقع ومقتضيات المستقبل، ولعل الجميع اليوم يدرك أهمية ذلك المشروع الحضاري المرجعي الذي أفشله الجميع، والمتمثل في رابطة الدعوة الإسلامية، لقد حان الوقت لتقييم ممارسات التفلت من المرجعيات، ولأنه كان انعدام التجربة مبررا للأخطاء التي أفرزت الانقسامات الحاصلة، فإنّ الإصرار على مواصلة الأخطاء بعد التجربة يُصبح خطيئة.
وبما أننا قررنا الانسحاب من العمل السياسي الحزبي، ندعو الله أن يوفق جميع هذه الأحزاب وغيرها لما يخدم البلاد والعباد، ولما يرجع للجزائر عزتها وللأمة مجدها وللإسلام انتشاره في العالم.
قضية "الإخوان" في الجزائر
* وماذا عن مستقبل الإخوان المسلمين بعد انقسام حمس إلى شطرين؟
- هذا أحسن سؤال في الحوار من حيث الأهمية فيما يبنى عليه العمل، وعليه نستسمحكم في الإجابة بنوع من التفصيل فنقول وبالله التوفيق: موضوع الإخوان في الجزائر لابد من معالجته من خلال أربعة أبعاد:
البعد الأول: ويتمثل في فكرة الإخوان في حد ذاتها، فهي في تقديرنا من أحسن الأفكار التي أنتجها العقل المسلم لمواجهة وضع ما بعد سقوط الخلافة، ولا شك أنّ الشهيد البنا قد قام بمجهود مضن في تلخيص محتوى الإسلام واجتهادات من سبقه وإخراجه في شكل فكرة متكاملة، بين بعدها الإستراتيجي وخطواتها التكتيكية وعملياتها الإجرائية؛ حيث أصبحت قابلة للتطبيق بما يرجع للفكرة الإسلامية الأصيلة فعاليتها المفقودة.
ولا ينكر إلا جاحد فضل هذه الفكرة على جميع حركات التحرر في الوطن العربي، وعلى جميع الحركات الإسلامية في العالم، وقد حان الوقت أن ينتقل النقاش حول فكرة الإخوان إلى المساحات الرحبة، إذ مجرد دراسة وتحليل الأصول العشرين لركن الفهم يمكن أن يقدم الكثير من الحلول لما تعانيه الحركات الإسلامية من أزمات متعددة، ويقدم الكثير من الحلول لمشاكل العنف والتطرف والغلو في الدين من جهة، ولمشاكل التدجين والانسلاخ والمسخ الثقافي والحضاري والانحرافات والفساد من جهة أخرى.
البعد الثاني: ويتمثل في العلاقات التاريخية للإخوان بالجزائر، والتي تمتد إلى ما قبل اندلاع ثورة التحرير، من خلال المبادرات النوعية لرجالات الجماعة، وفي مقدمتهم العلامة الفضيل الورتيلاني الإخواني الجزائري، مرورا بدور التأييد والنصرة الذي قام به الإخوان لصالح ثورة التحرير المباركة بشهادات بعض قيادات الثورة ورجالات الحركة الوطنية، ولم يتخلف الإخوان عن دعم الجزائر بعد الاستقلال، خصوصا من خلال رجالات التربية والتعليم، وكذا في المجالات التي طلبتها الجزائر مثل المجهودات التي قام بها المرحوم توفيق الشاوي بصفته رجل قانون وغيرها، وهو ما جعل شباب الصحوة ودعاتها وبعض قادتها يتعلقون بالجماعة وفكرها وعلمائها، مما أقنع كلا من الشيخ محفوظ نحناح والشيخ محمد بوسليماني والشيخ عبد الله جاب الله، وثلة من شباب الصحوة بالتفكير في الاستفادة من فكرة الإخوان وتنظيمهم في هيكلة عمل الصحوة وتطوير آليات الدعوة.
وبسبب بعض الخلافات التنظيمية والأخطاء التكتيكية، ظهر الانشقاق الأول بين أبناء الإخوان، تمثل آنذاك في جماعة الإخوان المعتمدة التي يقودها الشيخ نحناح، وجماعة الإخوان غير المعتمدة التي يقودها الشيخ عبد الله جاب الله، فلا الاعتماد التنظيمي جعل من جميع أتباع نحناح إخوانا بأتم معنى للكلمة، ولا غياب الاعتماد التنظيمي في الجهة المقابلة منع من أن يكون هناك إخوان بأتم معنى للكلمة؛ حيث إنّ الخلاف كان تنظيميا، ولم يكن في الموقف من فكر الإخوان، وعليه أدعو إلى الاستفادة من هذا الدرس التاريخي المهم في معالجة الوضع الحالي كما سيأتي لاحقا.
وخلاصة لهذا البعد، نقول إنّ جماعة الإخوان فكرا وتنظيما ورجالا كانت لها أفضال على الجزائر قبل وبعد الاستقلال، ولم نر منها ما يتعارض ومصالح الجزائر على جميع المستويات، ولا نذيع سرا إذا قلنا إنه أثناء الأزمة الدموية كان للإخوان صولات وجولات داخل الوطن وخارجه من أجل تطويق الأزمة ووقف النزيف الدموي، نسال الله أن يكتبها في ميزان حسنات هذه الجماعة المباركة ورجالاتها وقادتها، وأن يكفر بها سيئات القادة الذين قسموا الحركة وشوهوا صورتها الناصعة.
البعد الثالث: يتعلق بالتمثيل الإخواني في الجزائر، وهنا ومن أجل فهم الموضوع إخوانيا وبعمق لابد من الرجوع إلى مقولة حسن البنا رحمه الله: "كثير من هم منا وليسوا فينا، وكثير من هم فينا وليسوا منا"، فالمتأمل في ثنايا المجتمع الجزائري عموما وفي رواد بيوت الله خصوصا، وفي أبناء الصحوة من الشباب والدعاة والعلماء على وجه أخص، يجد هذه الحقيقة ماثلة للعيان فيما يتعلق بالشطر الأول من المقولة من خلال:
1- الكثير ممن تجد فيهم أخلاق وسلوك الإخوان وتربيتهم وفهمهم، ولكن الظروف والملابسات والخلافات التنظيمية حالت دون التحاقهم بالجماعة ومؤسساتها وأطرها التنظيمية، لكن جميع أفعالهم ومبادراتهم وتحركاتهم تصب في محتوى فكرة الإخوان وفهمهم، كما أنهم لم يلتحقوا بالجماعات الإسلامية الجزائرية الأخرى، ومن هؤلاء من له مواقع محترمة ومرجعية شعبية ورسمية، هؤلاء حُرموا من خدمات الجماعة، وحُرمت هي الأخرى من خدماتهم.
2- العدد المعتبر من إطارات الإخوان ودعاتهم وقادتهم (سواء من أتباع كل من الشيخ نحناح أو الشيخ جاب الله) ممن لم يدخلوا العمل السياسي والحزبي، وأولئك الذين رفضوا التقدم إلى المناصب والواجهات النيابية أو الوزارية أو الحزبية، وأولئك الذين انسحبوا تدريجيا وعلى مراحل وفي صمت، وأقاموا لهم مشاريع دعوية نموذجية، وهم يحظون باحترام المجتمع بكل شرائحه، ويقومون بأعمال تثير إعجاب المتتبعين من أهل الخير في جزائرنا الحبيبة، وأولئك الذين انسحبوا وهم في مرحلة التفكير والتأمل والمراجعة الذاتية.
3- الكثير من إطارات وشباب وأخوات حركة النهضة وطرفي حركة الإصلاح وحركة مجتمع السلم وحركة الدعوة والتغيير، والمتأمل في سلوك عدد معتبر من القيادات المعتمدة سابقا لدى الإخوان وفي منسوبهم التربوي وتصرفاتهم ومواقفهم مع إخوانهم ومع غيرهم ومع مرجعياتهم، يلمس بوضوح الشطر الثاني من المقولة.
مرشد الإخوان يرفع غطاء الجماعة عن حمس
البعد الرابع: ويتمثل في مستقبل الإخوان في الجزائر، فإذا تكلمنا عن فكر الإخوان، نستطيع القول إنه الأكثر قبولا ورواجا في جزائرنا الحبيبة، أما إذا تكلمنا عن دور الجماعة كقوة عالمية معتبرة لها ثقلها ومؤسساتها وعلاقاتها المتشابكة وقادتها الملمين بملفات العالم، فإنني أولا أرى أن قرار المرشد برفع الغطاء عن الجميع كان جد صائبا أنتجته الاستخارة الصادقة والاستشارة الواسعة والواعية، فهو قرار يعكس قراءة متأنية للتاريخ وإدراك دقيق للواقع، وتطلع إستراتيجي للمستقبل.
وعليه فالوضع الحالي يتيح للجماعة التفكير بهدوء وروية من أجل رسم إستراتيجية المستقبل ليس فقط بالنسبة للجزائر، ولكن بالنسبة لجميع الدول التي تشهد مشاكل تنظيمية أعاقت وصول الفكرة إلى أهدافها، أكثر مما أعاقها أعداء الفكرة وخصومها، ولا يمكن التفكير في الإستراتيجية المستقبلية دون إعداد تشخيص علمي للماضي والحاضر، ويقوم به من الإخوان من تتوفر فيهم محددات المنهج، وكفاءات العصر وتقنياته، وشروط القبول شعبيا ورسميا، من أمثال المشايخ: يوسف القرضاوي، ومحمد أحمد الراشد، وطارق السويدان، ويوسف ندا وغيرهم، فلابد من تشخيص يستند إلى دراسات ميدانية واستطلاعات رأي علمية، دون الاكتفاء بالاتصالات القيادية المركزية الموجهة، أو بالتقارير الجوفاء، أو بالأطر والقنوات التنظيمية المسدودة.
فالتشخيص هو الحلقة الأولى في مسار تفكير إستراتيجي يتبعه التحليل والتخطيط والاختيار والتنفيذ والتقييم، إذ لابد من مراجعة منهجية تأخذ في الحسبان جميع التجارب السابقة، وتستوعب معطيات الواقع بجميع تناقضاته من أجل اقتراح الحلول والبدائل المستقبلية التي يجب أن تستند إلى الآليات العصرية في رسم الإستراتيجية، وإنشاء أدوات التحليل والتخطيط والتنفيذ والتقييم والمراجعة الدائمة.
لقد آن الأوان للتفكير خارج العلبة، وخارج الإطار، كما يقول الدكتور طارق السويدان، لابد من انتصار عقلية الأفق المفتوح والمساحات الرحبة، مع وجوب الالتصاق بأصول الفكرة ومحدداتها ومنطقاتها وثوابتها الشرعية على الخصوص.
فالتشخيص إذا هو دراسة ميدانية علمية يقوم بها خبراء متخصصون لا تقل مدة إنجازها عن الخمس سنوات، يمكن بعدها وضع رؤية إستراتيجية للمستقبل، وما عدا هذا المنحى فأي قرار ذو طابع تنظيمي مهما كان سيكون مزيدا من التشويه لفكرة الإخوان، وتنفير الناس من الجماعة رغم تمسكهم عن قناعة بفكرها الذي يبقى الفكر الأصيل والصحيح للإسلام رغم كل ما حدث ويحدث.
* هل تطلعنا على علاقتكم الحالية بمكتب الإرشاد في القاهرة، وشخص المرشد الأستاذ عاكف؟
- هذا السؤال يذكرنا بالأسئلة التي كان يطرحها واحد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة على فضيلة الشيخ محفوظ نحناح في لقاءات الحوار الوطني أيام الأزمة الدامية التي مرت بها الجزائر، ما يهمنا أنّ الله أكرمنا بالإسلام، وبفكر الإخوان، وبصحبة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، ونحن على دربه ومنهجه سائرون، سائلين المولى الثبات.
--------------
ينشر بالتوازي مع موقع إسلاميون
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: