رئيس حركة مجتمع السلم يرد على المنشقين
تهمة الانحراف عن المنهج هي "قميص" عثمان
علي عبدالعال - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9650
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
دخلت حركة مجتمع السلم الجزائرية "حمس" مرحلة غير مسبوقة في تاريخها من التأزم والاحتقان، وصلت معه الأمور إلى حد خروج بعض قياداتها عن الخط التنظيمي وتأسيس هيكل جديد، إضافة إلى ما تبع ذلك من اتهامات متبادلة بين الفرقاء.
رئيس الحركة أبو جرة سلطاني كان في قلب هذا الصراع، وربما هو أول من صوبت إليه السهام، وخاصة أن الانشقاق الذي وقع من مجموعة يتزعمها نائبه عبد المجيد مناصرة كان في مجمله تمردًا وخروجا على قيادته، وفي حواره الخاص مع موقع "الإسلاميون.نت" يتناول سلطاني جميع الانتقادات التي وجهت إليه، كما يرد اتهامات المنشقين دون أن ينسى ترك الأبواب مفتحة أمامهم للعودة إلى أحضان الحركة من جديد.
اسألوا المنشقين: لماذا انشقوا؟
* ما الذي أصاب حمس منذ مؤتمرها الرابع، وهي الحركة التي كانت قد نالت إعجاب الرأي العام، وعرفت بتأثيرها في الحياة السياسية بالجزائر؟
- بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، وبعد، أشكر القائمين على خدمة هذا الموقع، وأشكركم شخصيا، وأؤكد ما جاء في سؤالكم بأن الحركة التي زكاني إخواني مرتين 2003 و2008 لقيادتها وتنسيق جهود مؤسساتها كانت محط إعجاب الأصدقاء والخصوم لأنها حركة ربانية تعتمد التربية والدعوة والسياسة والعمل الإعلامي كوسائل لانتشارها وحمل الناس على احترام فكرتها ومواقفها، وهي تدير شئونها الداخلية بالاحتكام إلى مرجعياتها الفكرية وشرعياتها المؤسسية على مبدأ الشورى وآلية الديمقراطية.
* وما دامت هي حركة شورية ولها مرجعية وشرعية ومؤسسات قائمة، فما الذي حصل؟
- وجهوا هذا السؤال لإخواننا الذين أنشئوا حزبا جديدا، اسألوهم عن دوافع هذا السلوك، فالجواب عندهم وليس عندي
* اتهمتكم قيادة المجموعة المنشقة بسلخ الحركة عن منهجها، والانحراف عن نهج الشيخين محفوظ نحناح وبوسليماني، كيف تردون؟
- أقول أولا سامحهم الله، وثانيا قولهم هذا ليس جديدًا، فقد علمتنا تجارب التاريخ أن كل من يريد الانسلاخ عن جماعته أو تراوده شهوة الخروج عن المؤسسات الشرعية يرمي أصحابها بالانحراف، ومن عجيب ما قرأت في التاريخ الإسلامي أن الذين "خرجوا" على سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) اتهموه بأنه خرج على منهج الشيخين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وما أشبه الليلة بالبارحة.
والحمد لله أن ربنا عز وجل أمرنا أن نعتصم بحبل الله جميعا، ولم يأمرنا بالاعتصام بحبال الناس وإلا لكانت الطامة أكبر، والشيخ نحناح نفسه (رحمه الله) الذي يتهمنا إخواننا بالخروج عن منهجه كان يأمرنا بأن نستمسك بمنهج الإسلام ووحدة الصف، والدفاع عن القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ونحن مازلنا على العهد أوفياء للجماعة والمنهج، وسوف نقدم حسابنا كاملا لله رب العلمين.
نذكرهم بالعهد الذي قطعوه
* تتحدث تقارير عديدة عن التصدع الذي نال من حمس بعد الانشقاق؛ خاصة في ظل ما يقال عن استمرار انضمام المزيد من أعضائها لحركة الدعوة والتغيير التي يتزعمها عبد المجيد مناصرة.
- الناس أحرار في دينهم وعقيدتهم، وهم كذلك أحرار في اختيار الإطار الذي يعملون فيه، ولكنهم ليسوا أحرارا في أن ينشقوا عن إخوانهم بتهم واهية، ومهما يكن من أمر فهم إخواننا، ونحن لا نملك قلوب الناس ولا عقولهم، وقد قال الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر"، فنحن نذكرهم بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم ولا نسيطر على قناعتهم، فقد نهانا شرع الله عن السيطرة والاستبداد، وأمرنا أن نقول للناس حسنى.. وحسبنا أن نذكر إخواننا بالفكرة والرسالة والمنهج، ونحرص على ضمهم لمؤسسات الحركة مهما بالغوا في مقاطعتنا، فهم أبناء أصلاء لهذه الحركة وسوف نظل نسعى إلى جمع الكلمة ووحدة الصف.. فمن استجاب فهو أخ في الدين له ما لنا وعليه ما علينا، ومن اختار طريقا آخر فليس أمامنا إلا أن ندعو الله أن يوفقه في مسعاه، والإسلام أوسع من أحزابنا، ولن تضيق الجزائر بميلاد حزب جديد.
* هل تتوقعون مزيدا من الخروج من قبل أعضاء حمس؟ وكيف ترون مستقبل الحركة بعد هذا الانشقاق؟
- حركة مجتمع السلم (حمس) خرجت، مند خمس (5) سنوات من مرحلة التأسيس إلى مرحلة بناء المؤسسات على قاعدة قوية من الشرعية التي صارت مربط الفرس في كل تحركاتنا، ولذلك، فالإخوة الذين خرجوا من الحركة وأعلنوا انشقاقهم عن مؤسساتها، وأسسوا حزبا جديدا خارج الأطر الشرعية سوف يصطدمون بحاجزين يصعب تجاوزهما:
الأول: داخلي بين أبناء الحركة أنفسهم، وهو حاجز الشرعية التي تعد كل خارج عنها شاقا للصف ولو كانت نيته طيبة، لأننا تعودنا أن نختلف ونخطئ ولكننا نعمل على أن نصلح أخطاءنا من داخل مؤسسات الحركة دون الخروج عنها حتى لا نتسبب في شق صفها وزعزعة استقرارها.
والثاني: خارجي، وهو نظرة الرأي العام للمنشقين، لاسيما أن الشعب الجزائري لا يقبل الخروج عن الأصل وينظر إلى كل خارج عن المؤسسة الأم نظرة الشك والريبة، ولا يزكي هذا المسار، وإخواننا يدركون هذه الحقيقة من خلال مسارات انشقاق سابقة حصلت في أحزاب جزائرية كثيرة، فقد كان الاستنكار أعظم ما نالته هذه الظاهرة؛ وبخاصة الحركات الإسلامية كما حصل لإخواننا في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، وحركة النهضة وحركة الإصلاح.. والنتائج معروفة سلفا.
لم أبتدع شيئا من عندي
* لكن.. ثمة اتهام يتكرر كثيرا بحقكم وهو الانحياز إلى أطروحات السلطة، دون تمييز بين ما يصلح منها وما لا يصلح والابتعاد عن المجتمع وقضاياه.
- قلت لكم سابقا إن تهمة الانحياز لأطروحات السلطة والارتماء في أحضانها ليست تهمة جديدة، ففضيلة الشيخ محفوظ نحناح (رحمه الله) نفسه، على جلال قدره وهيبته وفضله علينا جميعا بعد الله، لم ينج من هذه التهم الباطلة فقد كانت تطارده نفس التهمة عندما وقف مع الدولة ضد دعاة التأزيم، فلما مات ترحم عليه الملايين من الناس وصار اليوم مرجعا عالميا في مشاركة الإسلاميين في السلطة وفي الدفاع عن الدولة.
ولعلمكم فأنا لم أبتدع شيئا جديدا من عندي، فما زلت متمسكا حرفيا بمنهج الشيخ نحناح رحمه الله، فهو واضع أسس منهج المشاركة، وهو مؤسس التحالف، وهو صاحب مقولة : "الجزائر حررها الجميع ويبنيها الجميع"، فأنا لم أغير شيئا من منهج الشيخ ولم أضف إليه إلا بعض التحسينات التي وعدت بها الإخوان بعد أن زكوني في المؤتمر الثالث في شهر أغسطس 2003 بعد وفاة المرحوم الشيخ نحناح، والذين يقولون عنا انحرفنا عن المنهج ندعوهم أخويا لتصويبنا وتسديدنا، فلست أدعي العصمة ولست أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه القائل:" أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم".. ولا أفضل من عمر الفاروق القائل:" إذا رأيتموني أحسنت فأعينوني وإذا رأيتموني زغت فقوموني".
نحن نطلب من إخواننا بكل مودة وحب، أن ينصحونا ويقومونا، وخاصة أنهم أعضاء بمجلس الشورى الوطني ولهم حق المبادرة وإبداء الرأي والاعتراض على المسار والتحفظ على ما يرونه انحرافا لكن من داخل المؤسسات وعلى قاعدة الشورى وليس بالضغط علينا من خارج الصف.
دخلنا السلطة بقرار الحركة
* أرجو أن توضح لنا أكثر تفاصيل المشاركة في السلطة وتولي الوزارات من قبل بعض قيادات الحركة.
- إن إخواننا هم الذين نفذوا قرار المشاركة، وشغلوا مناصب سامية باسم الحركة، ودافعوا عن الدولة منذ مشاركة الحركة سنة 1994 في المجلس الوطني الانتقالي، وفي البرلمان، وفي مجلس الأمة، وفي صياغة تعديل الدستور.... إلخ، فكيف نشارك في الحكومة ونعارضها في نفس الوقت؟
أنا شخصيا صرت لا أفهم معنى الارتماء في أحضان السلطة لأن كل من شغل وظيفة في السلطة لم يذهب من تلقاء نفسه وإنما ذهب بقرار من الحركة ومثل الحركة في دواليب السلطة فهل يقبل عاقل هذا المبرر؟ إن وجودنا في السلطة كان بأمر من مؤسساتها وكان تضحية وواجبا لخدمة الوطن في ظروف صعبة كانت تمر بها الجزائر فهل من يقف مع دولته ويدافع عن استقرارها يصبح مرتميا في أحضان السلطة؟
نحن جميعا بحاجة لمراجعات
* هل توضح لنا المواقع التي كانت تتولاها قيادة المجموعة المنشقة خاصة بين سنوات 2003 - 2008 عندما كنت على رأس قيادة الحركة؟
- هؤلاء الإخوة، دون استثناء، كانوا قيادات وطنية عملوا معي شخصيا طيلة السنوات الخمس 2003 - 2008 في المكتب الوطني، ومجلس الشورى الوطني، وما سمعت أحدا منهم يطرح فكرة جديدة أو يعترض على قرار أو يغمز توجهاتنا وخياراتنا أو يعارض مشاركتنا في الحكومة أو ينتقد دخولنا التحالف الرئاسي، فلما عقدنا المؤتمر العام وقال كلمته في البرامج والرجال شوريا وديمقراطيا صرنا منحرفين بعده وخارجين عن خط الشيخين وعن نهج الجماعة!؟ فهل المؤتمر شرع للانحراف؟ أم أن الجماعة انحرفت بعد المؤتمر الرابع؟ أتمنى أن أسمع جوابا شافيا من إخواني.
مع أنني أعتقد أننا بحاجة جميعا إلى مراجعات عميقة وجادة لنتجاوز حالة التجاذب وكيل التهم وننزل إلى الميدان لخدمة قضايانا المصيرية والالتفات لشعبنا والأمة الإسلامية وفي المقدمة القضية الفلسطينية.
* البعض يقول إن الخلافات داخل الحركة قديمة، فمتى بالتحديد بدأت الأزمة؟
- سمعنا، بعد خروجهم من الحركة بعض إخواننا يقولون إنهم كانوا يتحركون في هذا الاتجاه قبل 5 سنوات، هل يعقل أن يكونوا في القيادة يسيرون شئون الحركة ويمثلونها وفي نفس الوقت يحضرون للخروج منها ويؤطرون الإخوة خارج المؤسسات؟ هذا ليس منهجنا ولا هو من أدبياتنا، فالمسلمون عند شروطهم والإخوان مع عهودهم ولو تولى عليهم أضعفهم أو كان عبدا حبشيا.. أسألهم عن مبررات خروجهم عن مؤسسات الحركة، وأسألهم عن الأسباب التي جعلتهم يؤسسون حزبا جديدًا.
صراعاتنا زهدت الناس فينا
* من بين الاتهامات التي توجه لكم الابتعاد عن قضايا المجتمع.
- نحن جميعا شيء واحد، وكنا نعمل في خندق واحد، وخدمة المجتمع ليست اجتهادا فرديا، فإخواننا الذين خرجوا علينا هم نواب في البرلمان ورؤساء بلديات ومناضلون في ولاياتهم، وإذا حصل تقصير فهو منا جميعا، وكان ينبغي أن نقول لبعضنا بشجاعة إن صراعاتنا الداخلية زهدت الناس فينا وألهتنا عن تحقيق أهدافنا وصرفتنا عن خدمة المجتمع..إلخ، هذا هو الصواب، أي أن نتهم أنفسنا جميعا: "قل هو من عند أنفسكم".. وليس من الصواب في شيء أن نحمل المسئولية لجهة واحدة، فنحن لسنا نظاما ومعارضة ولسنا حكومة وشعبا.. بل نحن طرف واحد في حركة مجتمع هدفنا الأساس خدمة المواطنين ونشر الوعي في الناس والتعاون على البر والتقوى وتقديم النموذج الناجح لبقية الأحزاب والحركات الإسلامية في العالم، لأننا في الجزائر –والله الحمد- نتمتع بقدر كبير من الحرية، ولأننا قطعنا شوطا كبيرا على طريق المشاركة السياسية، ولكننا للأسف بدأنا نفسد مشروعنا بخصومات تنظيمية تافهة وقد شغلنا الناس بجدل بيزنطي عقيم؛ فسامح الله المتسببين في هذا الجدل.
طرقنا كل أبواب الصلح
* لكن لماذا لا تسعون لحل الخلافات داخل البيت الواحد؟ بدلا من تركها تتفاقم حتى ينتهي الحال بانشقاق مجموعة كبيرة من أبناء الحركة؟
- نشكركم على هذا السؤال الجوهري، وأجيبكم بأننا لم نترك بابا للصلح إلا وطرقناه، إلى درجة أن إخواننا الساعين للصلح بيننا، وبعد سلسلة من المراجعات، تقدموا بمقترح للحل يستند إلى13 مطلبا كلها لصالح إخواننا الغاضبين، وتشكلت لجنة من أفاضل شيوخنا وعلمائنا ودعاتنا لمتابعة تنفيذ هذه المطالب، وبعد مراجعات دامت 8 أشهر استجبنا لجميع المطالب وأقرتها مؤسسات الحركة، في حدود الوسع والاستطاعة، وبحضور شهود أجلاء مما سمي بلجنة الصلح وقد وقعنا وثيقة الصلح وشرعنا، من جانبنا، في تنفيذها على أرض الواقع، فجاء من يقول لنا إن نقطة البداية هي استقالة رئيس الحركة من وزارة الدولة، فقلنا لهم هذه مسألة وقت، قالوا: هذه هي النقطة الجوهرية، وبالفعل لما فاز السيد عبد العزيز بوتفليقة بانتخابات 9 أبريل 2009 قدمنا لفخامته ملتمسا إعفاءنا من الوزارة فتفهم الأمر وأعفانا لنتفرغ لإعادة بناء البيت الداخلي، ولكننا فوجئنا بهم يتملصون من كل الالتزامات ويعلنون عن تأسيس حزب جديد، ويقولون لنا: إن حركة مجتمع السلم لم تعد تعنينا؟؟ وأن الاستقالة من الوزارة لا تقدم ولا تؤخر، ولما سألناهم ماذا يريدون؟ أغلقوا الباب بيننا وبينهم، ومع ذلك مازال باب الحركة مفتوحا، ولكم أنتم أن تحكموا لنا أو علينا، ونحن –بعد الذي حدث- نبرأ إلى الله تعالى من تصرفات كل الذين دفعوا إلى التشدد وحرمونا من نعمة الأخوة والوحدة.
* هم يقولون أنكم أغلقتم أمامهم كل أبواب المصالحة؟
- أقول لكم بصراحة ووضوح: أبواب الحركة مازالت مفتوحة أمام جميع أبنائها، ومرحبا بالجميع وما يهمني كرئيس لهذه الحركة، ليس أن أكون ربانا في البحر أو صيادا في النهر، بل يهمني أن يظل البحر دقاقا والنهر منسابا وتظل سفينة الحركة جامعة لكل أبنائها وبناتها.
مشكلتنا تنظيمية وليست فكرية
* أفهم من كلامكم أنكم توجهون دعوة بالعودة من جديد إلى أحضان الحركة؟
- هذا هو الأصل، فالمشكلة لا تكمن في انضمام، هذا إلى ذاك لأن مشكلتنا مشكلة تنظيمية وليست فكرية ولا صلة لها بالمنهج ولا بالخط السياسي، وعندما يتحول الصراع من الجبهات الخارجية إلى داخل الصف يجب أن توجه التهمة للأفراد لا للمؤسسات، أي أن المشكلة ليست فيمن يرث المنهج وفيمن يتبع من، ومن ينضم إلى من؟ ولكن المشكلة في اقتناع الرأي العام بهذا المنهج إلى الالتفاف حول قيمه ومثله العليا، ومناصرة الناس لخط الحركة ولأفكارها ورسالتها وأطروحاتها الدعوية والتربوية والسياسية، ولك أن تتصور كيف يصبح حالنا جميعا إذا زهد الناس فينا وفي منهجنا، فهل يبقى بعد ذلك من حديث عن وارث أو عن ميراث؟؟.
الأصل لا يلتحق بالفرع
* لكنهم اعتبروا حركة حمس "آيلة للسقوط وفقا لسنن الله"، فإذا تبين صحة هذه النبوءة، لماذا لا تنضمون أنتم لحركة الدعوة والتغيير
- لم أسمع في حياتي أن الأصل يلتحق بالفرع، وأن البحار تصب في الأنهار، وأن المؤسسات تحل نفسها وتلتحق بالأشخاص، ويوم يصب البحر الأبيض المتوسط في النيل فسوف تلتحق مؤسسات الحركة بمن خرجوا عنها، وإذا كان من علامات الساعة "أن تلد الأمة ربتها" فإن من غرائب الأحزاب الإسلامية أن تحل المؤسسات نفسها لتلتحق بأشخاص خرجوا عن الشرعية وعن المؤسسات وأعلنوا عن ميلاد حزب جديد، وتركوا الحركة والمؤسسات التي كانوا فيها ذات يوم ودافعوا عنها بضراوة وتعبوا من أجل بنائها ووحدتها، وكنا نحن "ثمرة" من ثمرات هذا البناء، ثم فجأة ينقلبون اليوم على كل ما بنوه ويتنكرون لإنجازاتهم ويديرون ظهورهم لحركتهم ويفتنون إخوانهم، ويكونون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، ويرفضون كل مساعي الصلح.
* كلاكما، أنتم والمجموعة المنشقة يدعي وراثة منهج الشيخ نحناح، كيف يتبين للناس حقيقة هذا القول؟.
- المنهج ليس نظريات طوباوية بل هو ممارسة وإنجازات، والميدان هو الحكم بين هذا وذاك، والانتخابات القادمة سنة 2012 هي التي ستقول كلمة الفصل في المنهج والبرنامج والرجال.. لقد احتكمنا لمؤسسات الحركة سنة 2008، ونظمنا مؤتمرا عاما جمع 1400 مندوبا واحتكمنا للوائح والقوانين وأدرنا أشغالنا على مدار أربعة أيام بلياليها على مبدأ الشورى وآلية الديمقراطية، وفصلنا في كل شئون الحركة ومؤسساتها داخل أعلى هيئة وهي المؤتمر العام، ولم يقل أحد كلمة في المنهج ولا في الخط السياسي، ومع ذلك خرج علينا بعد المؤتمر من يكيل لنا التهم الجزافية ويقول فينا وفي أعراضنا وفي إخواننا وأخواتنا ما لا يجوز نشره على الجرائد، وقد طوينا كل ذلك وصبرنا محتسبين الأجر والثواب عند الله تعالى.
* الناس يتحدثون بأن خلافاتكم دليل صراع وتنافس في سبيل المصالح والامتيازات.
- المشكلة فينا وليست في الناس، فلو أصلحنا حالنا ووحدنا صفنا ونزلنا إليهم بكلمة واحدة فسيكتشفون بأنفسهم حقيقة الأمر؛ لأنهم يعرفوننا جيدًا ويفرقون بين المبادئ والمصالح ويعرفون الغث من السمين، والزمن جزء من العلاج، وقد بدأ الكثيرون منهم يعرفون ذلك في الميدان، وإذا كان الزمن جزءا من العلاج فلنترك بعض المسائل العالقة لحكم الزمن، وأنا على يقين أن الله تعالى سوف يتولى "تصفية" القلوب وتنقية النفوس، ويتحقق فينا وفيهم وعده الحق، وهذه سنن الله الغلابة فينا وفي غيرنا من الناس، والله لا يحابي أحدا.
* رأى البعض في خروج مجموعة من أعضاء حمس تمزق البيت الإخواني في الجزائر، هل توافقون على هذا الرأي، وكيف ترون مستقبل حركة الإخوان المسلمين في هذه البلاد؟
- هذه حركة مباركة، وخروج بعض الناس منها سلوك قديم.. لقد خرج من صف الإخوان من هو أفضل مني ومنهم ومع ذلك بقيت الحركة شامخة والشجرة خضراء يانعة، فكان خروج بعض الناس عن الحركة كسقوط لأوراق الخريف سرعان ما تتجدد بحلول فصل الربيع.. فسقوط ورقة أو مجموعة ورقات من شجرة وارفة الظلال لا ينتقص من قوتها، بل إن سقوط غصن من أغصانها بأوراقه وثماره لا يمنع الشجرة من مواصلة الشموخ وتقديم الخدمة للعابرين، ظلا، وزينة، وثمارا، وهواء نقيا.
لقد سقطت من شجرة الإخوان أوراق كثيرة، وانتهبت منها ثمار كثيرة، وسرقت أغصان كثيرة، وهوت عليها معاول كثيرة.. وتم الهجوم عليها كثيرا بفؤوس متنوعة على أيدي أبنائها أحيانا وعلى أيدي خصومها أحيانا أخرى، ومع ذلك مازالت باسقة خضراء لأنها أصيلة، وسطية، معتدلة، ونفعها مؤكد بشهادة التاريخ والواقع، وقد تعلمنا من شيوخنا أن نكون كالشجر يرميه الناس بالحجر فيرميهم بأطيب الثمر.
الإخوان أكبر من حمس
* هل تبينتم موقف مكتب إرشاد الإخوان المسلمين في القاهرة والتنظيم الدولي للإخوان من حمس بعد الإنشقاق؟
- الإخوان في الجزائر صاروا فكرة ورسالة ومنهاجا وبرامج عمل، وهم أوسع من حركة مجتمع السلم، لأننا نمارس مع العمل السياسي تربية ودعوة، وقد صار للحركة كيان مستقل له وزراؤه ونوابه ومنتخبون ونظامه وتنظيمه ولوائحه ومؤسساته، وقراراته مستقلة ونشاطه الأساس قائم داخل الجزائر ضمن القوانين الجزائرية إلا ما كان من قضايا قومية وإقليمية تدخل في المشترك العام، (وفلسطين نموذج)، وهكذا كنا منذ زمن التأسيس، فلما دب إلينا الخلاف حول بعض المسائل التنظيمية وصار غسيله ينشر على أعمدة الصحف وفي مواقع الإنترنت سارعت جهات كثيرة من العلماء والأئمة والدعاة، ومن محبي هذه الحركة يوجهون لنا النصح خوفا على التجربة من الفشل، وكان من بين من وجهوا لنا النصح والاقتراح علماء الإخوان وشيوخهم ودعاتهم في العالم، وقد شكرناهم على هذه النصائح والتوجيهات.
* تشكرونهم على ماذا؟
- نشكرهم لسببين:
• الأول : حرصهم على وحدة صفنا وربانية أخلاقنا.
• والثاني : حبهم للجزائر وإعجابهم بتجربة المشاركة ونجاح مسعى المصالحة بين الجزائريين ورغبتهم في نجاح تجربتنا في هذا القطر، ونحن حملنا كل ما وصلنا، منهم ومن غيرهم، من نصح محمل حسن الظن بنا وقدرنا حرص الجميع على نجاح تجربة صارت ناضجة، وصارت "ملكية عامة" للأمة الإسلامية كلها، وصار حرص علماء الأمة عليها واجبا شرعيا لرعاية التجربة وليس المفاضلة بين الأشخاص، ولا نعتقد أن في المسألة ما يدعو إلى المفاضلة بين زيد أو عمرو لأن ما يهمنا ليس الأشخاص وإنما المؤسسات.
فمن وقف مع المؤسسات وجب أن نقف معه، ومن خرج عنها وجب أن يتم تأديبه بما يحفظ للمؤسسات هيبتها ويشعرنا جميعا بأن الاحتكام إلى المؤسسات والخضوع لقراراتها الشورية هو ما تعلمناه في مدرسة الإخوان المسلمين نفسها بأن الشورى ملزمة، ومعنى ملزمة أنها واجبة التنفيذ، وأنها ملزمة للقيادة والجندية، أما إذا تمردت بعض القيادات من أفراد الصف الأول على قرارات المؤسسات، واعتقد البعض من هذه القيادات أنهم فوق المؤسسات وفوق القرارات وفوق الشورى.. فمن التربية للجميع أن نتعاون على ردهم إلى الصف ردا جميلا لأنهم إخوة لنا وسند للحركة ومؤسساتها، نقوى بقوتهم ونضعف بانفصالهم عن الحركة، أما من ركب رأسه فلابد أن تطبق عليه لوائح الحركة وتنفذ في حقه قرارات مؤسساتها كائنا من كان ولو كان رئيس الحركة شخصيا!؟ فالخلاف تحسمه المؤسسات وليس رغبات الأفراد، لأن الأشخاص زائلون أما المؤسسات فباقية.
دعم الإخوان مناصرة تأسيس للتمرد
* لكن عبد المجيد مناصرة أكد في حوار سابق معنا على ثقته في الحصول على دعم الجماعة، هل ترون دعم الجماعة لمناصرة ممكنا؟
- الجماعة مؤسسة، والأصل فيها أن تدعم المؤسسات وليس الأشخاص، وأنا شخصيا لا أقبل أن أتلقى دعما لشخصي من أية جهة، ولم أطلب شيئا لنفسي وإنما أسعى جاهدا لتقوية الحركة ومؤسساتها، وأخدم ديني بمقدار ما يتوفر لي من فرص، فمن كان يريد الخير للإسلام في هذه الديار ويريد بقاء الحركة متماسكة وقوية وموحدة وربانية وصالحة بنفسها مصلحة لغيرها، فليقف مع مؤسساتها الشرعية لأنها هي المثابة والأمن لجميع أبنائها، أما الأشخاص فيحبون ويكرهون، ويرضون ويسخطون، ويحيون ويموتون..إلخ، فكيف تدعم الجماعة شخصا –مهما كانت منزلته- وهي تعلم أنها إن فعلت ذلك فقد أسست لسابقة خطيرة تفتح الباب أمام "حركات تمرد" إذا صار دعم لأشخاص سابقة في أدبيات الحركة وصارت المؤسسات والشورى واللوائح بلا وزن ولا قيمة.
* ألمح ثقة منكم، فعلى أي شيء تراهنون؟
- أراهن على أربعة أمور، هي صمام الأمان لهذه الحركة ومؤسساتها، وقد جربتها خلال مساري الدعوي والسياسي فثبتت صلاحياتها للعلاج، ولا أعتقد أن المراهن عليها اليوم أو غدا يمكن أن يعرف الخذلان:
• أولها: ثقتي في الله تعالى الذي أحس في كل خطوة أخطوها أنه معي، وأن الصبر على أذى الإخوان عبادة له وقربى، إذا تم الأخذ بالأسباب، والبقية على الل
• وثانيها: انتمائي إلى مدرسة الوسطية والاعتدال، وما عرفت به هذه المدرسة من ربانية وشمولية وواقعية وتوازن وصبر على مشقات الطريق بصدور سليمة وقلوب رحيمة وأخلاق عالية، وبعد عن تجريح الهيئات والأشخاص..
• وثالثها: شرعية المؤسسات المنبثقة عن المؤتمر الرابع الذي شهد له 1400 مندوب بأن مجرياته كانت سليمة وقراراته كانت متطابقة مع اللوائح 100 بالمائة
• ورابعها: حب الجزائريين لهذه الحركة واحترامهم لمؤسسها الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، ولأبنائها وبناتها ونصرتها في كل المواعيد، والدليل على ذلك اهتمام الجميع بها ومتابعة أخبارها والسؤال عن أحوالها من المواطنين في الداخل وأبناء الجالية في الخارج.
وصدقني إذا قلت لك إن مشاركتي في مؤتمر النصرة بإستانبول أيام 22-24 مايو 2009 جعلتني أزداد يقينا بما قلته لك، وصرت أدرك أن حركة مجتمع السلم قد تجاوزت حدود الجزائر لتصبح ذات اهتمام عالمي وصاحبة تجربة عربية وإسلامية يهتم بها كل متابع للتجارب الناجحة في العالم الثالث كله، فقد كان كل المشاركين يسألون عن حالها ويطمئنون على مسارها، ويعربون عن ارتياحهم لشرعية مؤسساتها عندما أطمئنهم بأنها تمر "بوعكة تنظيمية" عابرة ستكون بعدها أقوى وأنقى إن شاء الله.
* كلمة أخيرة.
- أشكرهم جميعا على الاهتمام بنا والمتابعة لأخبار حركتنا، وأسألهم أخويا أن يدعوا لنا بالخير، ولا يصدقوا كثيرا مما يكتب عنا وما يقال فينا، فما زلنا بحمد الله في كامل جاهزيتنا للعمل المؤسسي، دعوة وتربية وإعلاما وسياسة.. ونحن على يقين بأن ما أصابنا لا يعدو أن يكون جزءًا من مليون جزء مما أصاب صاحب الرسالة (صلى الله عليه وسلم) الذي تعلمنا منه الصمود أمام الشدائد، فالشدائد جزء من ضريبة العمل السياسي وسيكون ما نحن فيه تجربة تدخل في رصيد الحركة، والضربة التي لا تقصم ظهرك تقويه، وليطمئن قراء الموقع المحترمون أننا لا نشكو أحدًا لأحد وإنما نشكو ضعفنا وقلة حيلتنا إلى الله تعالى متأسين برسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم الطائف حينما رفع يديه إلى الله تعالى قائلا: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس.. إلخ"، فلا تبخلوا علينا باثنتين: "الدعاء، والنصيحة".
-----------------
ينشر بالتوازي مع موقع إسلاميون
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: