أحمد النعيمي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7830 Ahmeed_asd@hotmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه أسيراً في بلده، مقيدة ً حريته مكبلة ً حواسه وموصى على أفكاره وهو بين أهله وأبناء عمومته !؟ وما أصعب استعباد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا !؟ وما أصعب على النفوس التي تأبى حياة الأسر وتقييد الحريات أن تجد حالها مكبلة ً بالخوف والعجز !؟ وما أعجب أن يجد الإنسان نفسه مضطراً للنفاق والدجل في ظروف القهر والاضطهاد التي نعيش !؟ فيصبح عندها تائهاً بين تأدية واجبه في تبيان الحقيقة للناس وتأنيب ضميره وبين أن يصدح في هذا فيكون مصيره الملاحقة والسجن، أو أن يخرج طريداً إلى بلاد الغرب يحاول أن يجد في أحضانها ما فقده من حرية في بلاده التي ما تركها إلا مكرهاً ومجبراً، فما الذي أوصلنا إلى هذه النقطة !؟ وما الذي حدا بالشعوب المقهورة أن تتحول كظاهرة عامة إلى ظاهرة كذب ونفاق !؟
وأي مجتمع هذا الذي نعيش فيه وأي نوع من الحياة تلك التي نحياها !؟ وأي استقرار وبناء ستكون على يد أرواح الشعوب القلقة وسط كل هذا الخوف والبطش !؟ وأي بلاد تلك التي تفاخر بأنها تقصقص أجنحة أبنائها وتقمع أفكارهم وإبداعهم !؟ وأي بلاد تلك التي تضطهد أناسها وتتلذذ بخنق أرواحهم ونفوسهم !؟ وأي زعامات تلك التي تتحكم بمصائر شعوبها وتربي مواطنيها على الذل والخنوع !؟ وأي رقي تحاول تلك الحكومات المنبطحة أن تقود شعوبها إليه !؟
أمور كثير تدور ليل نهار في ذهن كل إنسان منا، وإن كتمها وحرص كل الحرص على عدم إظهارها، إلا أنها باتت حقيقة تعشش فينا وتقيد حركاتنا، وبات خلالها المواطن يخشى من أي كلمة قد تفلت منه سهواً قد تكون فيها نهاية حياته بالقتل أو السجن أو التشريد. ووضعنا رؤوسنا بين تلك الرؤوس وقلنا يا فرعون اقطع.
وفي هذا المقال سنلقي الضوء على بعض من معاناة الإنسان في بلادنا لنرى حجم ما يقاسيه المواطن والمفكر والمبدع ومدى الحريات التي تزعم أنها موجودة فينا، ولنرى مدى القمع الفكري والإرهابي الذي تمارسه الحكومات على الشعوب المسلمة وإن تفاوتت هذه النسب من بلد لآخر.
فتنقسم دولنا في هذا إلى قسمين :
فهي دول إما أن تقمع وبشكل عنيف كل كلمة وتكمم الأفواه وتطبق على الأنفاس فلا يأتي أحد بحركة دون إذن أو موافقة الحكومة فيها، وقد حدثني بعض أصدقائي أنهم في بلدانهم لا يستطيع واحد منهم أن يذكر اسم رئيس الدولة على لسانه فضلاً عن انتقاد الفساد المستشري في جميع بلادنا، حتى وأمام اقرب المقربين إليه كان هذا القريب أخاً أو زوجة ً أو أبناً، وإذا ذُكر صاحب الفخامة بسوء ؛ فإن الذاكر في نهاية هذا اليوم يكون مطلوباً إلى أحد أقسام المخابرات وقد يكون هذا آخر عهده بالنور.
ومن طرائف ما يذكر أن رجلاً كان يصحب أبنه في السوق ورأوا تمثال الرئيس كما هي عادة رؤوسنا أن يزينوا صورهم وتماثيلهم في كل شارع، وهو أفضل ما قدموه لشعوبهم في الوقت الذي دأبوا فيه على مص دمائهم وخيارتهم وفقد العدل والإنصاف كل مقاييسه بحق تلك الشعوب البائسة، فلما رأى الابن التمثال قال له : " أبي أليس هذا الذي كلما يخرج في التلفاز تبصق عليه !؟ " وما كان من الأب المسكين إلا أن قال : " مين مضيع ولد " وتبرأ من أبنه.
ومن هذه الأمثلة على القمع الفكري في هذه البلاد..
السجين الشاعر السوري فراس سعد الذي اعتقل بتاريخ 30 تموز 2006 بسبب مقالة نشرها على الشبكة العنكبوتية كان عنوانها " أين الجيش السوري من الحرب الإسرائيلية على لبنان " حكم بسببها أربعة سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة من شانها وهن نفسية الأمة.
وسجن طارق البياسي مدون سوري بتاريخ 7 تموز 2007م من قبل المخابرات العسكرية بسبب انتقاده للأجهزة الأمنية، عبر تعليقات أرسلها لمنتديات الكترونية وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمتي أضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة.
والسجن لثمانية مدونين وهم شباب يساريون اعتقلوا ما بين كانون الأول 2005م وآذار 2006م حيث وضعوا بسجن انفرادي وبمعلومات تأكدت منها " سكايز " فقد تعرضوا للتعذيب الشديد " الضرب بجنازير آليات عسكرية، الضرب المبرح حتى تكسير العظام " وأصيب احد المعتقلين الثمانية بحالة عصبية فقد على أثرها النطق والحركة، وتم تحويلهم إلى محكمة امن الدولة بسبب سعيهم لإنشاء تجمع سياسي شبابي ونشرهم مقالات على شبكة الانترنت عبروا فيها عن غياب الحرية والديمقراطية في سوريا. " نقلاً عن مركز سكايز للدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية ".
ومن الأمثلة كذلك على هذا القمع والتعسف وإخفاء الحقائق ما حصل في المغرب السنة الماضية من سقوط قتلى نتيجة أحداث عنيفة جرت بين متظاهرين وقوات الأمن في مدينة سيدي إيفني يوم 7 حزيران الماضي كما صورت لنا الجزيرة، ورغم كل هذا قامت السلطات بعدها بتغيب هذه الأخبار واعتقال مدير قناة الجزيرة الذي لم ينفد بجلده إلا بأعجوبة، وكذلك ما حصل في سوريا في مذبحة صدنايا التي عتمت عنها كل الدول التي تدعي في هذا الحرية أو غيرها، والفضائح التي كشفت في سجن أبو غريب سيء الصيت على يد قوات الاحتلال الأمريكي، و مقتل العديد من المساجين المعتصمين والمضربين في سجونهم كما حصل في سجن بوكا وأدى إلى مقتل أربعة سجناء سنة 2006م. ومن هذه الشواهد الكثير.
وكان آخرها قيام السلطات المغربية باعتقال الناشط الحقوقي شكيب الخياري، وقيام السلطات السورية باعتقال المحامي موسى الشناني بعد عودته من زيارة إلى قطر منذ عدة أيام مضت.
وقد أحسن الشاعر.. في قصيدته " يحيا العدل "
حبسوه
قبل أن يتهموه..
عذبوه
قبل أن يستجوبوه..
أطفئوا سيجارة في مقلتيه
عرضوا بعض التصاوير عليه :
قل.. لمن هذي الوجوه !؟
قال : لا أبصر
قصوا شفتيه
طلبوا منه اعترافاً
حول من قد جندوه
ولما عجزوا أن ينطقوه
شنقوه..
بعد شهر برآوه
أدركوا أن الفتى ليس مطلوبا أصلاً
بل أخوه..
ومضوا نحو الأخ الثاني
ولكن.. وجدوه..
ميتا من شدة الحزن
فلم يعتقلوه
وإما دول تزعم أن لديها مساحة من الحرية فتسمح للناس أن يتكلموا وينتقدوا ويعترضوا مطبقة سياسة التنفيس والتنفيس فقط، وكما حدثني واحد من أصدقائي أنه يقال لهم : " اكتبوا ما تشاءوا وانتقدوا ولكننا بالأخير لا نفعل إلا ما نريد ".
ففي بلد مثل الأردن الذي يدعي أن لديه مساحة من الحرية، فقد أظهرت عدة تقارير صدرت عام 2006م من منظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان تدين أعمال التعذيب التي تجري في الدوائر الأمنية الأردنية وتصور أشكال التعذيب الذي يمارس وكيفية إفلات مرتكبي جرائم التعذيب من العقاب. وجاء في تقرير منظمة حقوق الإنسان أن القانون الأردني يعاقب بالسجن لمدة تزيد عن ثلاث سنوات ولكن لم يحل أي مسئول أردني للمحاكمة عن هذه التهمة.
ورغم محاولات الأردن أن تؤكد أنها تسعى لإنهاء هذه الظاهرة إلى أن تقرير هيومن رايتس أعاد وأكد من جديد أن التعذيب يمارس وعلى نطاق واسع من قبل الأمن الأردني، وقالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقا في المنطقة " سارة ليا ويتسن " أن برنامج الإصلاح الذي تتبناه الحكومة الأردنية في سجونها العشرة لم ينجح في تحسين أوضاعها.
وأكدت ويتسن أن 66 نزيلا من بين 110 استمعت " هيومن رايتس " إلى إفادتهم في سبعة سجون خلال عامي 2007 و 2008 تحدثوا عن تعرضهم لتعذيب وسوء معاملة، شارك فيها شخصيا مدراء خمسة سجون ".
وبالنتيجة فإن جميع تلك الحكومات الجبرية متفقة على سحق الشعوب الخانعة المستسلمة، وأكل خيراتها وتجويعها وتركعيها حتى لا تفكر بشيء سوى الجري المتواصل خلف لقمة العيش، وبعد ساعات عمل طويلة وتعب وكد فإنه بالكاد أن يكفيه مرتبه لآخر الشهر، يعود هذا المسكين لينام ويستيقظ مجدداً ويعود لعمله وكأنه آلة خلقت للعمل والعمل المضني فقط !! فمثل هذا الحالات التي سادت في بلادنا ماذا ستقدم وأي وقت سيكون لديها لتقدمه !؟
مما دفع كثيراً من المثقفين والمفكرين والمبدعين العرب إلى الهرب من هذا الجحيم، والالتجاء إلى جحيم آخر وإن كان أخف من بطش حكامنا ووجدوا هناك مساحة أوسع قليلاً، رغم ما تقوم به المخابرات هناك من مراقبة ومتابعة وذلك كما بينت أحد المقالات عن عملية تجنيد الجواسيس ومتابعة المسلمين في مساجد أمريكيا، وكذلك إصدار قرار أمريكي السنة الماضية تمت خلاله الموافقة بالتنصت على مكالمات المسلمين في أمريكا ورصد تحركاتهم.
وليس المثقفون وحدهم الذين يريدون الخلاص من هذا الواقع المرير بل أي مواطن عادي يرغب بالخلاص فعلاً من تلك الظروف، وليس أدل على هذا إلا ما نسمعه من يوم وآخر عن غرق واختناق وموت أبنائنا وهم يحاولون يائسين أن يجدوا وضعاً أفضل مما هم فيه، ومستوى معيشي يحقق لهم حياة مرفهة نوعاً ما.
ولا شك أن لسيطرة أجهزة المخابرات في الدول العربية وتدخلها في شؤون الناس صغيرها وكبيرها وجعل ملف لكل مواطن يكتب فيه كل حركاته وسكناته سبب كبير لاستفحال هذه الظواهر.. من مراقبة التحركات ومتابعة السكنات ومعاقبة كل من يخالف توجهات الحكومات الخانعة بالقتل والسجن والتشريد.
وللأسف أن هذه الحالات باتت جزءاً منا نعيشها في بلادنا وأصبحت الأجهزة الأمنية هي التي تتحكم بزمام المواطنين، وبات المواطن يخاف بمجرد أن يذكر أمر في السياسة أو أن يسأله أحد : " ما رأيك بالموضوع السياسي الفلاني " فتراه مباشرة يقول : " أرجوك بلاش نتكلم في السياسة " ويغلق الموضوع بشكل قاطع .
وقد أحسن الشاعر إذ قال :
تهت عن بيت صديقي، فسالت العابرين
قيل لي امش يساراً، سترى خلفك بعض المخبرين
حد لدى أولهم، سوف تلاقي مخبراً يعمل في نصب كمين
اتجه للمخبر البادي، أمام المخبر الكامن
واحسب سبعة، ثم توقف
تجد البيت وراء المخبر الثامن في أقصى اليمين
سلم الله أمير المخبرين
فلقد اتخم بالأمن بلاد المسلمين
أيها الناس اطمئنوا، هذه أبوابكم محروسة في كل حين
فادخلوها بسلام آمنين!!
مشكلتنا ليست بعدم وجود عقول مفكرة ومبدعة ومخترعة، ولكن مشكلتنا في السياسات القمعية والاضطهادية التي تمارس على شعوبنا وعلى رأسهم المبدعين فيها. وكم من مخترع ومبدع كان نتيجة إبداعاتهم واختراعاتهم أن أودعوا السجون ولا يزالون قابعين فيها، وهذا مصير الرئيس العراقي الراحل – رحمه الله – الذي احتوى تلك العقول، فكان مصيره أن اجتمعت عليه أمم الأرض من عرب وعجم لمنعه من صنع أي سلاح وثنيه عن محاولة التقدم بشعبه بأي مجال من مجال العلم، وإلى الآن لا زالت ترتكب في العراق مجازر دموية بحق تلك العقول المفكرة، فقتل منهم من قتل واعتقل من اعتقل وشرد الكثير.
وللأسف أن يكون الحكام أعداء لشعوبهم فبدل أن يعملوا على توفير حياة رغدة لشعوبها وتوفير حياة كريمة واستغلال العقول المبدعة وما تحمل من أفكار وعلم من أجل الرقي بمجتمعنا الإسلامي فإنها على العكس من ذلك تعمل جاهدة على التضييق عليهم وسجنهم وتشريدهم وإفراغ الساحة منهم، لا يهمها في هذا تقدم البلد أو تأخره، المهم أن تشبع البطون وتنتفخ الجيوب وتتقلد أفراد أسرهم المقدسة زمام الدولة من صغيرهم إلى كبيرهم، وجنود حولهم لحماية هذا الكرسي اللعين، وفتات يعطى للأبواق التي تسبح بحمدهم وتزيدهم طغياناً إلى طغيانهم.
فإلى كل من يتبجح بالحريات ويزعم أن الأمن مستتب والعدل مطبق على الشعوب وان الشعوب تحيى حياة أحلام وردية، والى كل من يزعم أن بلادنا تسعى إلى التقدم والرقي بمجتمعها.. إلى كل هؤلاء نقول : كذبتم والله وانتم لستم سوى أبواق للحكام الجبريين الظالمين، ولستم سوى مشاركين في جرائم الظلمة الذين لا هم لهم إلا أن يحافظوا على عروشهم ولا يهمهم في هذا قمع أو تنكيل أو بطش.
ولو أردنا أن نستفيض لملأنا الصفحات تلو الصفحات مما يجري من جرائم بحق الشعوب والمواطنين المقهورين في بلادنا، وهذا غيض من فيض.
ويبقى السؤال يلح في كل الآفاق إلى متى سيبقى الإنسان العربي والمسلم مستعبداً في بلده !؟ والى متى ستسمر مطاردة العقول المبدعة !؟ وإلى متى سيستمر مسلسل هجرتهم إلى الخارج !؟
وها قد مضت السنوات الخمسون الأخيرة في ظل القمع والخوف، ولا زالت أحوالنا تزداد من سيء إلى أسوأ.. وسط سكوتنا عن المطالبة بحقوقنا وتفاعلنا النشط مع ما حيك ضدنا من مؤامرات وعجزنا عن رفع الظلم عنا.. فشجعناهم بسكوتنا وأغريناهم بتفاعلنا وسرعة انقيادنا لرغباتهم وشهواتهم، ولذلك كان لا عجب أن يستخفون بنا وبعقولنا، وكان حالهم وحالنا كحال فرعون وقومه : (( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ )) الزخرف 54.
نعم نحن من أغرى تلك الحكومات وجرأها علينا ولن تتغير حالنا إلا إذا تركنا الخوف من العباد، والتجأنا إلى رب العباد واتقيناه حق تقواها، وعلمنا أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.. وأيقنا أنه لو اجتمعت الأمة كلها على أن يضرونا بشيء فلن يضرونا إلا بشيء قد كتبه الله علينا.
عندها فقط، يظهر فينا رجال أمثال عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز – رضي الله عنهم – رجال نشروا العدل بين العباد رجال وفروا الحياة الرغيدة لشعوبهم رجال وضعوا المخبرين على ولاتهم ليعرفوا إذا ما قصروا حقيقة في تطبيق العدل في شعوبهم.. حتى انه قيل أنهم كانوا يرسلون موظفيهم ليعطوا المحتاج ما يحتاج من أموال فكان الناس لا يلتفتون لها لأنهم وجدوا خيراً منها، وجدوا الحرية التي نفتقدها نحن جميعاً، نعم وجدوا الحرية.
وأما نحن فسيبقى الموت أو السجن أو الغربة تتخطف من بيننا تلك العقول المبدعة والمفكرة واحداً واحداً، ونبقى كالأغنام نقاد بلا حول ولا قوة، لأننا لا نريد أن تغير ما بأنفسنا حقيقة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: