علي عبد العال
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8111
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
جمل تلغرافية وعدد من الكلمات القصيرة، حوت عدداً من القضايا الخطيرة ومدلولات أكبر، وخروجها من نجيب ساويرس يزيدها اشتعالاً، فالرجل ليس سفيهاً حتى نقول "لا يعلم ما يهذي به"، والكلام الذي تفوه به ليس بسيطاً كي نمرره دون الوقوف أمامه، ومع يقيني أن "الإخوان" ليسوا المقصودين بعينهم من تصريحات رجل الأعمال القبطي لأن ساويرس سبق وتكلم عن المد الإسلامي، وانتشار الحجاب في مصر.. فهي إذاً ليست المرة الأولى التي يخوض فيها بقضايا صادمة للرأي العام بأغلبيته المسلمة.
فنحن أمام حلقة جديدة ضمن حلقات التحريض والاستفزاز يطل بها نجيب ساويرس على المصريين، لكنها هذه المرة تأخذ بعداً جديداً بدعوته من أسماها "القوى الليبرالية" في مصر إلى مساندة الحكومة ضد الإخوان المسلمين "لأنّ ضرب الإخوان بالعصي وملاحقتهم في الشوارع لن يكون حلاً"، معتبراً أنّ الحكومة "لن تتمكن وحدها من الانتصار على الإخوان"، وكأن الحكومة والإخوان في ساحة قتال والمعركة حامية بينهما، كما يحاول ساويرس أن يصور لنا المشهد.
ففي لقاء موسع جمعه بأعضاء أحد أندية "الروتاري" في القاهرة، أبدى رجل الأعمال القبطي تفهمه لعدم إطلاق السلطات المصرية الحريات بشكل كامل، لأنّ هذا سيأتي "بقوى مثل الإخوان أو حماس، ويعيدنا خمسين عاماً للوراء". وفي إطار تأييده للموقف الرسمي من أحداث غزة زعم ساويرس "أنّ قادة حماس اختبأوا في جحورهم، وتركوا الشعب الفلسطيني يواجه الحرب" مع أن العالم أجمع يشهد بأن مقاتلي حماس واجهوا الموت بأرواحهم وتصدوا لأعتى مجرمي الأرض بما في أيديهم من أسلحة بسيطة. ويتابع ساويرس بأنه: "ليس مطلوباً من مصر أن تستقبل الفلسطينيين وتقيم لهم المخيمات"، لماذا؟ لأن هذا ـ برأيه ـ مخطط "سينقل طهران إلى حدود مصر".
هكذا وبكل لوذعية ينبئونا الرجل بأن إغاثة المصريين لإخوانهم المستضعفين في غزة، أو نجدتهم من آلة الحرب الصهيونية سينقل طهران إلى بلادنا، ومثل هذه الاستنتاجات الشاذة ربما يصعب فهمها إلا إذا أمكننا الجمع بين مواقف أقباط المهجر الذين أصدروا البيانات وسيروا المسيرات في أمريكا ودول أوربا من أجل نصرة إسرائيل على أعدائها من العرب، ثم مواقف أمين صندوق المهجريين الذي لاح له أن يذكرنا، وفي قلب القاهرة، بأن كل جريح أو شهيد من أهل غزة إنما يحمل في جيبه إيرانياً يخفيه بين ملابسه حتى ينقله ليحتل مصر.
حين يجمع ساويرس الحديث عن الإخوان في مصر وحماس في غزة، في هذه الظروف وبهذه الطريقة أمام أحد أندية الماسونية العالمية، فهو دليل حي على أنه صاحب فتنة، بل عاشق للصيد في المياه العكرة، وأكثر من ذلك أنه متهور لدرجة العمى، يريد أن يظهر في ثوب المخلص من حيث يدري ولا يدري.. وحين يسعى لتجييش الأمور في البلاد ضد مجموعة من أبناء هذا الوطن، فهو لا يعي أبعاد ما يفعل، أو أنه لا يشغله سوى إشعال الحرائق في كل مكان حتى لا يلتفت أحد لأفعاله هو وأقباط المهجر .
الإخوان المسلمون ـ سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم ـ جزء أصيل من المجتمع المصري، ليس بالإمكان نفيه، وهي إحدى الجماعات الوطنية التي لها تاريخها في هذه البلاد، تملك أكثر من 80 مقعداً داخل البرلمان، بإرادة شعبية حرة وإجماع دوائر انتخابية لا سبيل إلى التشكيك فيها، ليس من حق ساويرس ولا غير ساويرس، كائنا من كان، وزيراً كان أو غفيرا أن يشكك فيهم، أو يستعدي عليهم، أو يجيش البلاد ضدهم، ولعله من أهم واجبات الدولة الحديثة حفظ كرامة وحقوق كافة جماعاتها الوطنية، حتى لا يتمزق هذا النسيج الواحد ويضيع جراء مكر آحاد الماكرين من مجموع أبنائه.
إن إثارة الفتن ليس بالأمر الهين، والضرب على مشاعر الأغلبية ليس في صالح الجميع، وهذه الأساليب الإقصائية لا يمكن تمريرها، وأخشى ما أخشاه أن تستفز فجاجة مثل هذه السفاهات من يرد عليها بطريقته ويقع ما لا تحمد عقباه، ولعله من الحكمة أن تجد الدولة ما تلجم به الطائشين مهما تضخمت ثرواتهم بحق أو بغير حق.
ولعلها من السوابق التي تذكر للرجل في هذا الموضع غمزه الحجاب الإسلامي داعياً إلى تغيير ديموغرافية الشارع المصري، بالقول: "عندما أسير في الشارع، أشعر كما لو كنت في إيران" من كثرة ما يرى من المحجبات، وهو تهجم ما كان ينبغي أن يمر حتى يلفت انتباهه إلى أن مثل هذه التصريحات لا يمكن أن تكون مقبولة داخل مجتمع متدين يحترم عقائد أبنائه، ولك أن تتخيل الحال لو أن مسلماً خرج ليصرح على الملأ: "إنني أتقزز من رؤية نساء الأقباط سافرات في شوارع القاهرة"، لقامت الدنيا ولم تقعد، وهو ما ينبغي أن يكون الحال نفسه مع ساويرس، لأنه ليس من حقه ولا حق غيره أن ينتقد زي المرأة المسلمة في بلد يسكنه 80 مليون أغلبيتهم الساحقة مسلمون متدينون.
ومن ذلك أيضاً إعلانه تدشين قناتين تلفزيونيتين بالإضافة إلى قناة "أو تي في" لمواجهة ما وصفه بتزايد النزعة المحافظة اجتماعياً ودينياً في مصر، ومواجهة "الجرعة العالية" من البرامج الدينية في القنوات الأخرى. كما كان ساويرس قد طالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع، داعياً إلى وضع دستور علماني يفصل الدين عن الدولة ويكون من بين نصوصه أن الإسلام والمسيحية دين الدولة، زاعماً أن الأقباط لا يتمتعون بحقوقهم في مصر، ولست أدري حقيقة كيف يطيب له أن يروج مثل هذه المزاعم وهو نفسه أغنى رجل في مصر كلها، وعائلته أغنى عائلة فيها، ولا أظن ولا أظنه يظن أن هناك من رجال الأعمال المسلمين من يملك ولو نصف ما يملك (13 مليار دولار)، ولا أظن أيضاً أن عائلة مسلمة تملك ربع ما تملكه عائلة ساويرس في مصر.
الحجاب، والمادة الثانية من الدستور، والصحوة الدينية في مصر، والإخوان المسلمون، قضايا ذات حساسية خاصة داخل المجتمع المصري، لا يسوغ لرجل في حجم ساويرس أن يتخذ منها مادة يلوكها من وقت لآخر، خاصة إذا كان يدين بدين آخر، ولا تهمه قضايا الدين الذي لا يعتنقه، ولم يكره أحد على اعتناقه.. إذ لم يطلب أحد من ساويرس أن يرتدي الحجاب، ولا أظن أن أحداً ممكن أن يخطر بباله انضمام الرجل للإخوان، أو أن يلتزم بقواعد الإسلام.. ومن ثم فمن الأولى البعد عما يشحن النفوس أو يوتر الأوضاع بين أبناء الوطن الواحد، أو يستعدي الناس بغير دليل، وهذه حكمة لا أظن أنها إن غابت عن ساويرس ينبغي أن تغيب عن الدولة كغطاء واحد يجمع الكل، ويحفظ للجميع حقوقهم وكرامتهم وحريتهم فيما يعتنقون.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: