سيادة الرئيس:
آلاف المصريين أحوج لعفوك من (إبراهيم عيسى)
علي عبدالعال - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8879
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لم تكن المرة الأولى التي يحكم فيها بالسجن بحق صحفيين مصريين، ولن تكون الأخيرة، إلا أن السيد الرئيس أراد أن يصطفي من بين كل هؤلاء (إبراهيم عيسى) ـ رئيس تحرير "الدستور" ـ ليمنحه وحده حق العفو الذي يمتلكه.
من حق سيادة رئيس الجمهورية أن يمنح عفوه من يشاء، ومن حق إبراهيم عيسى أن يتمتع ـ كأي مواطن مصري ـ بهذا العفو الرئاسي، ومن حقنا نحن أيضاً ألا نترك مثل هذه الواقعة النادرة أن تمر دون أن ننظر في هذا الكم من التساؤلات التي تطرحها، ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن من هذه التساؤلات الشيطانية : "لماذا عيسى بالذات من بين 80 مليون مصري، كلهم أحوج منه لهذا العفو؟".
هل لأنه مواطن مصري؟! فإن كان فإن بمصر آلاف المواطنين، ما بين معتقل ومسجون ومحتجز ظلماً وعدواناً في المعتقلات وأقسام الشرطة التي باتت تعج بالمظاليم، والتي لا يكاد يمر يوم أو يومين حتى تطالعنا الأخبار بنبأ ضحايا جدد من ضحايا التعذيب الذي صار ممنهجاً فيها.
هل لأن (عيسى) صحفياً؟! فإن كان فإن في مصر آلاف الصحفيين هم أيضاً بحاجة إلى هذا الأمان الرئاسي، وإن لم يكن لهم شهرة رئيس تحرير "الدستور"، عشرات منهم سجنوا وآخرين تلاحقهم أحكام السجن لآرائهم وما جنته أقلامهم وما ينشرون.
حقيقة تبدو أسباب أخرى وراء هذا العفو، ربما منها شهرة إبراهيم عيسى، وقلمه الذي يمكنه من الرد على هذا السجن لو جرى بحقه، خاصة وأن الرجل صار متخصصاً في نقد الريس وسياساته.. إبراهيم عيسى ليس بالمواطن الضعيف فتجري عليه الأحكام التي تجرى على عامة المصريين، ولا يسهل البطش به كغيره من أهل هذا البلد، وإن أتى البطش من مؤسسة الرئاسة، ولعل بطانة السيد رئيس الجمهورية أدركت ذلك جيداً وفي اللحظة الحاسمة، فسجن عيسى يفتح أبواب من النار ويهيج أخرى كـ (الصحف، والفضائيات، وسلم النقابة، والمنظمات الحقوقية) وقضيته ستمثل مادة جيدة لإثارة شياطين المعارضة، وعفاريت التدوين والمظاهرات.. ورئيسنا ذكي ـ كعهدنا به ـ بالقدر الذي يحجمه عن تهييج العفاريت، ومن ثم لجأت حاشيته ـ في دهاء ـ إلى هذا العفو على أمل الترويض.
ولما كان العفو شيمة الكرماء كان الأمل معقوداً على الترويج لهذا الكرم الحاتمي، إلا أن تاريخ طويل من البطش والإذلال بحق المصريين ربما كان الحائل دون نجاح الحملة هذه المرة.
من حق المصريين أن يعترضوا على هذه السياسات التي لم تعد مفهومة، ومن حقهم أيضاً أن يتساءلوا في ظل هذه التصرفات الانتقائية.. إذ لم يكن مقبولاً أن تضيع حقوق الناس لأنهم ليسوا من المشاهير، وليس لهم من الملكة التي تؤهلهم للدفاع عن أنفسهم، وليس لهم من الرصيد ما يستدعي منظمات وفضائيات وصحف لنجدتهم. حقيقة فالأمور مقلوبة كثيراً في بلادنا، ويبدو أنها ستظل مقلوبة هكذا إلى أمد غير قريب.
في الحديث النبوي :"فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". كانت تلك هي الكلمات التي رد بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أسامة بن زيد، الذي جاءه يشفع للمرأة المخزومية التي سرقت حتى لا يقيم عليها النبي الحد، ويقطع يدها.. فلما كلمه أسامة تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "أتشفع في حد من حدود الله" ثم قام فخطب الناس وقال قولته الشهيرة، ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فأقيم عليها الحد، فلم يميز صلى الله عليه وسلم في العدل بين الشريف والوضيع ولو كانت فاطمة رضي الله عنها.