انتخابات المحامين.. تحول إخواني ودخول سلفي على الخط
علي عبد العال - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8966
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تركت "القائمة القومية" للإخوان المسلمين أكثر من دلالة وطرحت أكثر من تساؤل، حول خطط الجماعة لخوض معركة انتخابات نقابة المحامين المصريين التي تجرى في أكتوبر المقبل، فعلى غير متوقع فاجأت الجماعة بإعلانها قائمة مرشحين من كافة الاتجاهات السياسية والحزبية، حيث ضمت 13محامياً، بينهم مسيحياً ويسارياً وناصرياً ووفدياً وسلفياً ومستقلاً، كما قدمت نحو 20 محامياً آخر لخوض انتخابات مجالس النقابات الفرعية في المحافظات، بينهم أحد المنتمين للحزب الوطني الحاكم.
وهو ما فسره ممدوح إسماعيل ـ محامي الجماعات الإسلامية ـ بالقول: إن ذلك يأتي "حرصاً من الإخوان على تأكيد شعارهم السياسي (المشاركة لا المغالبة) وهو تكتيك جيد لصد أي نقد يوجه للقائمة الانتخابية بأنها عنصرية".
ويأتي ذلك أيضاً ضمن رسالة واضحة باستعداد الجماعة للانفتاح على كافة ألوان الطيف السياسي والعقائدي، وقيادة النقابة في ظل اختلاف توجهات محاميها، وهو مؤشر آخر على تفهم الإخوان للخطر الذي ربما بات يتهدد مكانتهم القديمة بأحد أعرق النقابات العمالية، وأهمها تأثيراً بالشارع المصري، خاصة مع الهجوم المتكرر من قبل النقيب الحالي (سامح عاشور) الذي شدد ضمن تصريحات على "رفضي التام لأن تتحول (النقابة) إلى حزب للإخوان"، داعياً أنصاره إلى عدم التصويت لمرشحي الجماعة.. ومؤكداً ـ المرشح على مقعد النقيب للمرة الثالثة ـ أن هدفه من الترشح أن "تكون النقابة لكل المحامين بمختلف توجهاتهم السياسية".
تكتيك اللجوء للتعددية السياسية
ويتخذ "الإخوان" من النقابات المهنية متنفسهم الرئيسي لممارسة العمل العام في مصر، والوجود ضمن قوى المجتمع، خاصة في ظل سياسة الإقصاء وتضييق الخناق المتبعة من قبل الدولة. وفي هذا الإطار توقع مراقبون أن يحقق أعضاء الجماعة باعتبارهم القوة الرئيسة في نقابة المحامين، نتائج جيدة، حيث تسعى الجماعة إلى تحسين وضعها السياسي بعد ضربات أمنية متتالية من قبل الدولة ونظامها السياسي، حرمت عناصرها من تكرار فوزهم التاريخي بـ 82 مقعداً داخل مجلس الشعب، بعد أن منعت السلطات مرشحيهم من خوض انتخابات مجلس الشورى، وانتخابات المجالس المحلية التي أرجئت لمدة عامين، خوفاً من تحقيق نتائج تعزز وضع الإخوان داخل المعادلة السياسية.
وفي توضيح لأسباب لجوء الإخوان لهذا التباين الشديد في طرح قائمتهم، يقول القيادي الدكتور عصام العريان، إن: "هذا ليس جديداً، وقد كانت القائمة السابقة بنقابة المحامين نفسها تحظى بنفس القدر من التنوع، وهي قاعدة عامة لدينا، إذ أننا نعمل بمبدأ المشاركة سواء في العمل النقابي أو العمل العام كما جرى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. وليس لدينا أدنى مشكلة مع التصنيفات وأصحاب الاتجاهات المختلفة".
حقيقة الوجود السلفي في النقابة
ومن بين مفارقات التعددية الإخوانية داخل نقابة المحامين هذه المرة، وجود ممثل عن التيار السلفي هو (ممدوح إسماعيل) محامي الجماعات الإسلامية، وهي مفارقة تستحق التوقف أمامها إذ أنه من غير المعهود على الإخوان التنسيق مع الإسلاميين عامة والسلفيين خاصة لا في النقابات المهنية ولا في غيرها، وحول هذه المفارقة سألنا ممدوح إسماعيل.. كيف تمت مراحل التنسيق بينك وبين الإخوان للنزول على قائمتهم؟ فذهب إلى أنه : "ليس غريباً أن تشهد العلاقة تنسيقاً بيني وبين الإخوان في انتخابات النقابة، حيث يجمعني بهم علاقة طيبة خاصة الإخوان المحامين، وعقب فتح باب الترشح اقترح علي الكثير من الإخوة المحامين التقدم، ونظراً لما يحدث داخل النقابة من تكتلات كان الإخوان بلا شك هم أقرب تكتل إلى قلبي وعقلي، بدون تردد".
لكن يبقى إدعاء محامي الجماعات الإسلامية كونه ممثلاً عن التيار السلفي محل تساؤل، في ظل ما هو معروف عن السلفيين من مقاطعة المشاركة السياسية خاصة الانتخابات التي تُجرى تحت لافتة علمانية في مصر، لا اعتبار لديها لمتطلبات الشريعة الإسلامية في من يترشح ومن ينتخب وكيفية إدارة هذه العملية. ولما سألنا ممدوح إسماعيل: كيف أطلقت على نفسك صفة ممثل التيار السلفي؟ وهل جرت اتصالات بينك وبين أحد من رموز السلفية في مصر؟ قال :إن "إطلاقي لهذه الصفة يرجع لحقيقتي الفكرية، وكل من يعرفني يعرف ذلك عني، ثانياً لأنه حدث خلط بين دفاعي عن الجماعات الإسلامية بشتى أشكالها وانتمائي الفكري، فأردت أن أحرر نفسي من هذا القيد الذي ربطني به الإعلام زيفاً، وبالنسبة للتنسيق مع رموز التيار السلفي، نعم حدث تفاهم". لكن لما طلبنا منه أن يحدد مع من من السلفيين في مصر جرى التشاور؟ طلب أن نستبعد هذا السؤال لدواعي قال إنها أمنية.
لذلك يبقى التساؤل حول حقيقة الوجود السلفي في نقابة المحامين، كما هو، خاصة وأن ممدوح إسماعيل نفسه يرى أن لهم وجوداً لكنه "متناثر" فلا يجمعهم أي رابط غير عملهم في مهنة المحاماة، والبعض منهم كان قد انتظم تحت "رابطة المحامين الإسلاميين" وهى خليط من سلفيين وممن كان لهم انتماء لجماعات إسلامية أخرى ولكنهم انفصلوا عن انتمائهم وفضلوا الاستقلال والتجمع تحت هذه الرابطة، التي يقدر عدد المحامين المنتمين لها بأربعة مائة أو يزيدون، لكن لا يوجد حصر دقيق لهم حتى الآن.
وفي هذا الإطار حاولنا الاتصال بأحد المتحدثين عن "الدعوة السلفية" في الإسكندرية، فرفض الخوض بشكل عام في "مهاترات" حول طرح ممثل عن السلفيين في نقابة المحامين، مؤكداً على تسامح أصحاب المنهج السلفي تجاه مسألة خوض الانتخابات النقابية بشكل عام، إذ يفرق السلفيون بين المشاركة في العمل النقابي وسائر صور العمل السياسي، حيث يرون جواز المشاركة في الانتخابات النقابية باعتبار المجالس النقابية مجالس غير تشريعية، وإنما هي مجالس وهيئات خدمية لأعضائها وللمجتمع بالدرجة الأولى، وهذا الموقف مدون في أدبياتهم الفكرية لاسيما (سلفية الإسكندرية) الذين لا يرون مانعاً شرعياً من المشاركة في النقابات وأيضاً الاتحادات الطلابية، بشرط أن يظل الأمر خاضعاً لمقاييس المصلحة والمفسدة. وللسلفيين تجربة ناجحة في خوض انتخابات اتحادات الطلاب في الجامعة قديماً إلا أنها لم تستمر نظراً لضغوط مورست عليهم في هذا الاتجاه.
وفي السياق لا يرى السلفيون أن من المناسب الجهر برفض أحد من المنتمين للتيارات الإسلامية، برغم الاختلاف المنهجي، وهم يسلكون في ذلك مبدأ تجنب إحباط همم الساعين إلى الإصلاح، لكن بالنسبة لنقابة المحامين بالذات فهم ينظرون إلى أن انتخاباتها مسيسة أكثر مما ينبغي، وأحياناً تدخلها نفس مساوئ العملية السياسية من عدم النزاهة، والأساليب الملتوية، والتحالفات المشبوهة، والموائمات السياسية، وبالتالي فنظرتهم تختلف عن نظرتهم إلى انتخابات نقابة الأطباء مثلاً.
منصب النقيب
لكن لم تختر "لجنة الشريعة" التي تولت تسمية مرشحي قائمة الإخوان أحداً لشغل منصب نقيب المحامين، وقال محمد طوسون ـ الناطق باسم محامي الإخوان ـ : "قررنا إرجاء موقفنا حتى إغلاق باب الترشيح، والمبدأ شورى بيننا، وسنتناقش حتى يستقر الأمر على دعم أحد المرشحين أو الوقوف على الحياد". وهو ما اعتبر جزء من إستراتيجية قديمة تتبعها الجماعة في التعامل مع ملف النقابة، حيث حرص الإخوان على مدار تاريخ عملهم النقابي على الابتعاد عن كرسي النقيب وتركه لمرشح الحكومة أو من تؤيده، وهم يهدفون لتجنب استفزاز الدولة، نظراً لحساسية المنصب وأهميته بالنسبة للنظام السياسي، وأن المنافسة عليه قد تدخل الجماعة في مواجهات ومشاكل لا قبل لها بها، خاصة وأن الحاجة إليه لم تكن ماسة في ظل ضمان منصب الأمين العام ومجلس النقابة والنقابات الفرعية، وهي مقاعد يحرص "الإخوان المسلمون" على الفوز بنصيب الأغلبية منها.
وفي ذلك يقول المرشح على قائمة الجماعة المحامي ممدوح إسماعيل: "لا يريد الإخوان الاصطدام مع الدولة على منصب تعتبره الحكومة خاص بها... وإن كنت اختلف معهم في هذه النقطة بالذات، وأرى أنه لابد من ترشيح شخصية إسلامية قوية للموقع.. فمنصب النقيب مشكلة عميقة من عدة نواحي: الأولى أن الدولة ـ بخطة خبيثة ـ تقضى على ظهور أي قيادة حرة وشريفة، ولا تسمح إلا بالمسخ من الشخصيات الموافق عليه والمرضي عنها حكومياً وأمنياً، وذلك على مستوى كل مناصب العمل القيادي في البلاد، ومصر بها كفاءات نادرة وممتازة، والنقابة بها شخصيات جديرة بهذا المنصب، والإسلاميين أفضل كثيراً من غيرهم من المرشحين ألف مرة".
وحتى الآن لم تعلن الحكومة ولا الحزب الوطني مرشحهما لمنصب النقيب في ظل انقسامات داخل الحزب الحاكم حول قائمة المرشحين بهذه الانتخابات، حيث انقسمت قيادات الوطني، وكذلك أمانة المهنيين، حول تأييد النقيب الحالي سامح عاشور، أو منافسه الرئيسي المحامي رجائي عطية. وذهبت تقارير إلى أن هناك اتجاهاً داخل الحزب الوطني بعدم تأييد عاشور أو عطية وتركهما معاً، انتظاراً لقراءة الخريطة النهائية للانتخابات واختيار الورقة الرابحة، اعتماداً على أن الفائز منهما سينسق في النهاية مع الحكومة، خاصة وأن لكليهما علاقات وثيقة وصلات عديدة مع قيادات الوطني.
الموقف من مختار نوح
وبينما لم يطرح الإخوان اسماً لمنصب النقيب خاضت الجماعة معركة جانبية مع رجلها التاريخي المحامي المعروف والنقابي المخضرم (مختار نوح) الذي تشهد علاقتهما توترات واضحة كانت قد خرجت إلى العلن منذ خلافه مع الجماعة الذي انتهى بانفصاله عنها. وقد تحدثت تقارير بأن الجماعة كانت قد هددت بتقديم مرشح لمنصب النقيب لأول مرة في حال تقدم نوح للمنافسة على المنصب، بهدف سحب أصوات المحامين الإسلاميين منه وخاصة الإخوان، وحرمانه من أية فرصة للفوز.
وربما كان ذلك أحد دوافع نوح لإعلان انسحابه من التنافس، بل وعدم ترشحه لأي منصب نقابي آخر في الانتخابات القادمة، وبسبب ما قال إنه تعمد تزوير إرادة المحامين، والتخطيط لإجهاض العملية الديمقراطية بالنقابة، متهماً اللجنة القضائية وجميع من سيخوض الانتخابات بأنهم يشاركون في تزوير إرادة المحامين.
وفي تفسيره لموقف الإخوان من مختار نوح أوضح ممدوح إسماعيل قائلاً :"مختار ـ وبالرغم من أنه صديق شخصي لي ـ إلا أن خطته في الانتخابات للأسف فاشلة، فهو أراد أن يعتمد على شخصه، وهو يعلم أن الانتخابات النقابية ـ وهو أستاذها ـ لابد فيها من العمل الجماعي، فالاتحاد قوة".
وبالرغم من الخلاف المعلوم بينهما، حرص الجانبان ـ الجماعة ونوح ـ على عدم التناطح عبر وسائل الإعلام، ففي محاولة للحصول على توضيحه لما يجري بين القيادي السابق والجماعة، اكتفى عصام العريان بالقول :إن "الأستاذ مختار نوح قراره مستقل" بشأن موقفه من انتخابات النقابة، وفي مسعى للاستزادة لم يزد العريان عن القول : "بالرغم من أن الأستاذ مختار هو نفسه الذي جمد عضويته في الإخوان إلا انه يحرص دائماً على التأكيد على أنه واحد من الإخوان". وهو الأمر نفسه الذي يسلكه (مختار نوح) فقد نفى، في مؤتمر صحفي، عداءه للإخوان بسبب عدائهم وانقلابهم عليه، مؤكداً على أنه لن يكون هناك التزام بأي حسابات غير الحسابات المهنية الموضوعية، مع الأخذ في الاعتبار تقديم الصوت الإسلامي والشخصيات النقابية الحقيقية.
وكان ما تردد بشأن انسحاب مختار نوح لصالح رجائي عطية قد عزز من الشكوك التي تحوم حول حقيقة مواقف الرجل. وهو اتهام نفاه نوح عن نفسه، بالقول : "يشرفني أن أخلي مكاني لرجائي عطية، وهو صاحب أفضال علي، لكن ليس هذا هو الدافع الوحيد". مضيفاً: "خوضي الانتخابات كان سيؤدي إلي تفتيت الأصوات، وهذا من شأنه أن يصب لصالح مرشح بعينه". في إشارة منه إلى النقيب الحالي سامح عاشور الذي تتفق جهات عدة داخل النقابة على عزمها الوقوف أمام محاولة حصوله على كرسي النقيب للمرة الثالثة، متهمة عاشور المحسوب على التيار الناصري بالإرتماء الكامل في حضن السلطة خاصة في الفترة الأخيرة، التي لم يكن أبداً فيها مع المحامين ولا قضياهم.
وعلى قدر أهمية المواقع المتنافس عليها تبدو سخونة المضمار داخل نقابة المحامين المصريين، هذه الأيام، في سباق يؤكد كافة متنافسوه على وثوقهم من تحقيق الفوز، إلا أن الأيام القادمة تظل حبلى بما يصعب التكهن بحقيقته في ظل مؤشرات عديدة ومتناقضة من كافة الاتجاهات.