لا يختلف أحد على قدرة السينما في مجالات تزييف أو تكوين الوجدان والوعي التاريخي والعقائدي والفكري، فهي بعناصرها العديدة والمتنوعة، قادرة على صناعة تاريخ وهمي، وتجسيد أحداث مختلقة، ومن خلالها يمكن إعادة ترتيب كل شيء، التاريخ، الجغرافية، الحقائق، وبواسطتها تستطيع أن ترى أعتى المجرمين وهو يتحول إلى ضحية شجاعة .. والعكس، حيث يمكن لصناعها أن يجعلوا من قائد مغوار، فأرًا خسيسًا مذعورًا.
والسينما، بهذا المعني، سلاح استراتيجي في معركة الوعي والانتماء، وبناء وصراع الحضارات، ولذلك فقد عني بها الصهاينة والصليبيين وأعداء الأمة عنايتهم بامتلاك أسلحة الدمار الشامل.
فقد جاء في مقررات المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عُقد في مدينة (بال) عام 1897م، توصية بالاهتمام بالسينما، وهناك محاور أساسية مثلت الرسالة السينمائية الصهيونية، كاستجابة فورية ومباشرة لهذه التوصية أهمها مهاجمة الشخصية العربية والإسلامية، ومناصرة الشخصية اليهودية والمشروع اليهودي.
ولأهمية صناعة السينما في غسيل المخ والغزو الثقافي والتغريبي للمجتمع المسلم وتحرير المرأة بالذات من تعاليم الإسلام، فقد عاد رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس، الذي يعمل في مجال الإنشاءات والاتصالات للاستثمار في مجال السينما المصرية بنصف مليار دولار، ومن خلال شركة جديدة للإنتاج والتوزيع السينمائي. وقد كان ساويرس يمول مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لدورتين، وشارك في تمويل الأفلام الأخيرة التي أنتجها صديقه المسيحي هاني جرجس فوزي (علاقات خاصة واستغماية).
ثم ما هو سر التمويل الأوروبي لمسلسلات وأفلام المرأة المصرية؟ ففي الأشهر القليلة الماضية، قام الاتحاد الأوروبي بتمويل مجموعة من الأعمال الفنية والأفلام والمهرجانات، وجميعها يصب في موضوع واحد هو المرأة العربية.
والحكاية كما تؤكدها التقارير الإخبارية أنه يتم الآن تصوير مسلسل بعنوان «كوافير أشواق»، 40% من تمويل هذا المسلسل من قبل الاتحاد الأوروبي، ويتناول أحوال المرأة المسلمة... وقبل مسلسل أشواق أخذ الاتحاد الأوروبي على عاتقه تمويل مجموعة من الأفلام عن الرائدات المصريات والعربيات (حسب رؤيتهم هم للريادة) وأخرجت هذا الفيلم ماريان خوري، ابنة شقيقة المخرج يوسف شاهين.
كما قام الاتحاد الأوروبي أيضًا بتمويل مهرجان «كارافان» الذي يعرض عددًا من الأفلام الروائية القصيرة والأفلام التسجيلية والوثائقية ومهرجان آخر لأفلام المرأة يرأسه سمير فريد.
وقد دفع الاتحاد الأوروبي لمسلسل «كوافير أشواق» مبلغ مليون ونصف جنيه حتى الآن، وترعى هذا المسلسل جمعية أهلية تحمل اسم «جمعية الفن للتنمية -MADEV-» في نطاق مشروع مشترك أطلق عليه اسم (Capture Life)، وأهم أهدافه معالجة قضايا المرأة من خلال السينما والدراما التليفزيونية.
والجدير بالذكر، أن جمعية الفن هذه تترأسها مارين لبيب، وقد أسسها عدد من رجال الأعمال وبعض الفنانين غير المشهورين، وتعتبر لولا زقلمه أحد مؤسسي الجمعية، ومن رجال الأعمال عزيز قديس ونوال نجيب التي تعمل بالأمم المتحدة وجمال فوزي وفريد ناعوم وغيرهم. وتهدف هذه الجمعية الأهلية، والتي تُموَّل من قِبل الاتحاد الأوروبي إلى استخدام الفنون والتكنولوجيا كأداة تخدم قضايا المرأة من أجل التأثير الإيجابي، على حد قولها، في المجتمع المصري والعربي، وقد تم إنشاء هذه الجمعية عام 2005، وقامت بالعديد من الأنشطة في مجال الأسرة العربية، وربطها بالاتحاد الأوروبي الذي يهدف إلى دعم الفن والثقافة في الدول العربية وخاصة دول حوض البحر المتوسط.
وإذا كان هذا جزء من جهود الاتحاد الأوروبي، فمن يكشف لنا أيضًا عن دور الاتحاد الأمريكي، والاتحاد اليهودي والأمم المتحدة، والمنظمات الكنسية، والاتحادات الجاثمة على صدر أمتنا العربية المسلمة مخترقة جسد الأسرة وعقل المرأة؛ لتنخر فيها كما تشاء وحسبما ترى؟
إن المرأة تقف حائرة بين الواقع والخيال، بل يتبلور الإحساس عندها في ركن صغير جدًا من الحياة، وتأتى الدراما على رأس هذا الركن الضيق لتكشف عن دينامكية المرأة، وتستشف نسيج روحها، وما زلنا نرى المرأة ـ حتى وإن صلب عودها ونضجت تجربتها ـ، تعود كالطفلة بلا اطمئنان، إلى أفلام ومسلسلات، تدمن حكاياتها، تعيشها زيفًا وصدقًا كتجربة إنسانية ونشاط ثقافي، ذلك النشاط الذي يخضع لمعاييرها الخاصة وحدها، عندما تراها مندمجة في مسلسل أو فيلم عاطفي ساذج، تدرك على الفور الصلة الخفية بين هذا البريء الذي يجلس شاحذًا إحساسه، والبطلة البريئة المظلومة المقهورة التي يعلو صوت نحيبها خلف الشاشة.
وهكذا.. فإن الدراما والأفلام عمومًا، مؤثر خطير وحيوي على المرآة العربية في سلوكياتها وملابسها، فمن ينكر مدى تقليد الفتيات والنساء لعروض الأزياء أو بمعنى أصح ما ترتديه أو تستهلكه نجمات السينما والإعلاميات، وكل ما يُعرض على شاشات التلفاز؟ حتى وجبات الطعام الفاخرة!! الكثيرات يتسابقن لإعدادها، حتى ولو كانت مكلفة للأسرة.
وهذا يفسر لنا سر الهجمة الأمريكية والأوروبية على السينما العربية عمومًا، والمصرية خصوصًا، مركزين على المرأة وما يتصل بها من مفاهيم وقضايا؛ لكي يبثوا سمومهم ويبعدوا المرأة المسلمة عن دورها المنشود في إعداد المجتمع.