البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات محرر بوابتي
مقالات فوزي مسعود على الفايسبوك

البحر رمز التطوّر والجبل رمز "الجُبورة": عُقد التميّز وعُقد النقص حينما تُروّج وتُقبل واقعا

كاتب المقال فوزي مسعود - تونس   
 المشاهدات: 212
 محور:  مختلفات

 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


أذكر أنه منذ أكثر من عقد، دخلت مرة محل خدمات لطباعة ونسخ الوثائق في جهة المنزه بالعاصمة، فرأيت على الحائط ملصقا يقول ما معناه أن صاحب المحل قدم خدماته تلك بفرنسا

أي هو يعتقد أن طباعة أو نسخ الوثائق في فرنسا، يعتبر تميّزا يجعله يظهره ويفتخر به، وهو يفعل ذلك لأن من يتوجه إليهم أي عامة الناس يقرّون ذلك المقياس في التميّز

---------

واقعنا يتحرك فوق مسلمات تمايز إجتماعي وجهوي، إذ مناطق تونس الكبرى والساحل، ترى نفسها أكثر تحضرا وجدارة إجتماعية من باقي مناطق تونس

وهذا التصور له جذور تاريخية زرعت بذوره ممن حكم تونس منذ قرون، وهو تمايز مناطقي إن أردنا النظر لتونس الحديثة، يعود أوله للدولة الحفصية ثم الدولة الحسينية ثم من تلاهم، وكلهم كانوا غير تونسيين، فعملوا على تعويض غربتهم الجغرافية بوسيلة تمايز من خلال منظومة السلطة وجهازها الذي كان في جزء كبير يعتمد على الأتراك وأسرى الحروب من الروم وغيرهم ممن التحقوا بالجند وجهاز الحكم وعموما على غير سكان تونس المستقرين في المناطق الداخلية وهم من يسمى في أدبيات السلطة قديما الأعراب (*) وهم في الغالب عرب أقحاح أو عرب مختلطون بعلاقات الزواج مع البربر

ثم أتت فرنسا فكرّست ذلك التمايز الجهوي، ثم تلاها من حكمنا مما سمي دولة الإستقلال فساروا على نفس النهج، بل وتمّ تطوير التمييز الجهوي من خلال تحويله لسياسة دولة وعُمل على الترويج لذلك والإقناع به من خلال منظومات التشكيل الذهني خاصة في الاعلام والثقافة التي كانت ومازالت بعض موادها السخرية من ناطقي حرف "ڨ" وجعل سكان المناطق الداخلية نمطيا قرناء الجهل ومحل السخرية

هذا انتهى لجعل أصحاب العلوّ ينتجون مواقفا تعكس تصوراتهم أنهم أفضل من غيرهم في مواقفهم اليومية
وجعل أصحاب عقد النقص يعكسون تصوراتهم الوضيعة عن أنفسهم في مواقفهم اليومية أنهم خلقوا ليكونوا أقل من غيرهم

-------

عقد التكبّر والتمايز الجهوي من ناحية وعقد النقص من ناحية أخرى، حينما يتشبع بها الفرد ويعتبرها مسلمة، فإنها تظهر في المواقف اليومية لدى الطرفين

رجل الأعمال الذي يفتح مغازة تونسية وبسلع تونسية، لكنه يطلق على مغازته إسما فرنسيا، ذلك إنما يقوم باستدعاء عقد النقص لدى التونسيين ويوظفها، أولئك التونسيون الذين يحولون عقد النقص لديهم لموجه لسلوكياتهم اليومية، فيصبح كل ماله علاقة بالنموذج الفرنسي جيدا بدوره
وهي عقدة نقص إزاء فرنسا النموذج التي هي تفريع من عقدة تعالي متوهمة ضد بعض التونسيين، لذلك فإن عموما من يشعر بعقد التعالي على التونسيين هو ذاته من يحمل عقد النقص نحو فرنسا

والسياسي والناشط التونسي ابن المناطق الداخلية، الذي يتخلى عن استعمال حرف "ڨ" ويخجل من نطقه ويستعمل حرف "ق"، إنما يقوم باستدعاء عقدة النقص لديه التي ورثها فيتبناها ويعممها فيصبح كل ما له علاقة بمنطقته مرذولا لايملك الجدارة، لذلك هو يقتنع أن لهجته ليست بمستوى لهجة المناطق الرفيعة بزعمه، وهذا ما يفسر عدم استعمالها

ثم إن عُقد التمايز والنقص تلحق الانتماء الجغرافي لذاته، وهذا مستوى متقدم من الاقتلاع الذهني، إذ يصبح الذهاب للبحر دليل رقي اجتماعي بينما السكن بالجبل دليل تخلف
وهذا سلوك يظهر لدى الطرفين بمعنى القبول بدلالته واعتماده مسطرة يقع التنافس على الاستجابة لتقريراتها

حيث نرى من يقول هذا الكلام حرفيا أي أن سكان المناطق البحرية وعموما من يَرِد البحر هو كذا وكذا من الرفعة والتحضر، وأن سكان المناطق الداخلية ممن لا يعرف السباحة بالبحر هم كذا وكذا من صفات التسفيه الاجتماعي

بالتوازي، فإن أصحاب عقد النقص يقرون كل تلك التصورات مما يعني أنها تحولت لمحددات للسلوك
إذ ترى بعض أبناء المناطق الداخلية يجهدون أنفسهم لإثبات أنهم ذهبوا إلى البحر وأنهم سبحوا فيه بل ويعرفون السباحة، ويسرفون في نشر صور تؤكد كلامهم

----------

بينما الأمر كله عِراك تافه، لأنه كله متفرع من مسلمة جذرية فاسدة تقول برفعة جغرافية ومناطقية متوهمة، علينا أن ننظر لجذورها ونفهمها ثم نرفضها، لا أن نقبلها ونجعلها مسلمة ونبني فوقها سلوكياتنا

حينما نفهم الأمور بهذا المعنى، سيصبح البحر كالجبل، مجرد موجود طبيعي لايعطي لصاحبه أي تمايز، وتصبح السباحة كصعود الجبل مجرد نشاط لا معنى له في ذاته من حيث تحويله لفعل تمايز إجتماعي، ويصبح الجهل بالسباحة أمرا لا قيمة له مثل جهل أهل البحر بطرق صيد فراخ طائر "الحجل" في الصيف القائظ، بإحدى جبال ڨفصة

----------
(*) كان الجهاز الدعائي للبايات يسمي سكان المناطق الداخلية، الأعراب، تمييزا لهم عن الحضر أي سكان العاصمة والساحل، وقد ورد في مراسلات نقلها ابن أبي ضياف، حول ثورة ابن غذاهم، ذكر فيها وصف الأعراب

-----------
فوزي مسعود
#فوزي_مسعود

الرابط على فايسبوك
. البحر رمز التطوّر والجبل رمز "الجُبورة": عُقد التميّز وعُقد النقص حينما تُروّج وتُقبل واقعا


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فايسبوك،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-07-2024  


تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
مقالات فوزي مسعود على الفايسبوك حسب المحاور
اضغط على اسم المحور للإطلاع على مقالاته

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء