هؤلاء الضحايا الذين يرفضون مغادرة كهف القرن العشرين
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 263 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من يريد أن يشاهد أحد نماذج الضحايا المستلبة عقولهم، فيمكن أن يجده في أولئك الذين مازالوا يتلقّفون أخبارهم من الصحف والمواقع الفرنسية، وإن تحدثوا في موضوع استشهدوا بالقنوات الفرنسية وماتقوله، وإن استدعوا في حديثهم قدوة نموذجا افتخروا بشخصية سياسية أو إعلامية فرنسية، وإن حللوا الواقع التونسي حتى في مسائل بسيطة كسلوك الناس في الطرقات أو الادارة، استنجدوا من دون كل العالم بالتجربة الفرنسية تحديدا كمسطرة يقيمون بها ما علينا فعله ومايجب علينا تركه اقتداء بالفرد "الفرنسي الرسول الحضاري"
هؤلاء المتقطّعة قلوبهم خضوعا وذلّا لفرنسا ونموذجيتها المستوردة من فترة خلت ولكنها زالت ولم تبق آثارها البرّاقة إلا في مخيلاتهم، يعتبرون "لوموند" أرقى الصحافة و"ميديابارت" أفضل المواقع المناضلة، و"ليبراسيون" روح اليسار
هؤلاء الذين لسبب ما تُركوا في أحد كهوف القرن التاسع عشر والعشرين ولايريدون مغادرتها، ويرفضون رؤية شمس قرن آخر يظلّنا منذ فترة
أن يفعل هؤلاء مايفعلون رغم أن العالم يعجّ بالآراء والإعلام والثقافة، وأن يتشبث هؤلاء بنموذجية دولة من دون غيرها ضمن مايقرب مائتي دولة، فإنهم في فعلهم المتهتك ذهنيا ذلك مثلهم كمثل السجين الذي لم يغادر حجرته منذ عقود لا ينظر للدنيا إلا من كوّة باب الزنزانة التي يقبع فيها حتى ألفها واطمأن لها، ولما خرج من السجن عجز عن استيعاب فساحة الفضاء الرحب ولم تقدر عيناه على سطوع النور الذي يعمّه ويغرقه من كل الجهات، فلم يجد إلا أن ولّى هاربا نحو زنزانته التي يطمأن إليها وتمطئن إليه، رجع لسجنه وللثقب الصغير بالباب الذي ينظر من خلاله للعالم
يرفض منتسبو فرنسا هؤلاء استيعاب العالم، ويصرون على مشاهدته من ثقب صغير يمر من خلال المنظار الفرنسي العتيق
يرفض لواحق فرنسا هؤلاء إدراك أنهم حالة مرضية، لكن الأخطر أن غيرهم من عموم التونسيين لا يستوعب حقيقة هؤلاء التّبّع المنحطّة وهوانهم وأنهم لاشيىء، رغم ذلك مازالوا يتركونهم يتحكمون في أدوات التشكيل الذهني بتونس من تعليم وإعلام وتثقيف