فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 362 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الكتابة مهما برع صاحبها، فإنها تبقى مجرد صورة تقريبية للمعنى الموجود بالذهن، لأنها وسيلة لنقل المعنى وليست هي المعنى
حيث أن الكتابة تكثيف وتصرف في المعاني بما هو متاح من أدوات اللفظ المكتوب، لذلك فإن نفس النص لا يعطي نفس المعاني لدى قراء مختلفين
الكاتب تجده يجهد نفسه لتنزيل المعنى في صيغ مكتوبة، لكن تلك الأوعية اللفظية حينما تصل غيرك، فإنه لايستوعب إلا بعض المعنى الذي تريد تبليغه، هذا مفاده أن هناك مساحة بين اللفظ والمعنى هي التي تتحكم في حقل الدلالة المستوعب وهي مساحة يضيع جزء منها فلا يصل ولا يتم تبليغه للغير
تفسير ذلك أن المعاني التي تنزّل في كتابات، تقوم بقطع مسافات في ذهن كاتبها وتتخمر لفترات، قبل أن تصل للقارىء، أي أن المعنى في أوله موجود ذهني متعدد الأبعاد لكنه يصل للغير في الوجود الخارجي ببُعد واحد هو بعد اللغة، يكثف كل الأبعاد ويراكمها في واحد فقط يمثل نوعا من التسطيح فتكون الكتابة وجوبا ذات معاني ناقصة
ثم إن نتيجة ضياع جزء من المعنى هو عدم قدرة القارى على إدراك المراد إيصاله بالدقة التي لدى صاحب المعنى، إذ أحيانا تكتب فكرة ما وتتعمق فيها، ثم تجد أحدهم يتفاعل معك بما يفيد عدم إدراكه حتى لبدايات معاني تلك الفكرة التي تريد تبليغها، وتحس بشعور يتراوح بين الإحباط و الفشل في إيصال المعاني للغير، ويستولي عليك نوع من التثاقل يغلبك فيشدك ويمنعك من مزيد الشرح لاستيآسك من جدوى مزيد التوضيح والنقاش مادامت بدايات الفكرة غير مستوعبة فكيف ستوصل باقي الفكرة
ثم سرعان ما تنتبه أن عدم استيعاب الغير المعنى، أمر يجب أن يتوقع لأنه يتم التعامل مع موجودين ذهنيين مختلفين وإن تعلقا ظاهرا بنفس الموضوع، فالمعنى كموجود ذهني لديك متعدد الأبعاد بينما هو لدى غيرك ذو بُعد واحد مسطح ومكثف تكثيف اللغة وألفاظها
من زاوية أخرى، نلاحظ أنه كلما تعمقت الفكرة وكانت ذات تفاصيل فيها جدّة على غير ما ألفه الناس، كان احتمال غياب المعنى وضياعه في الأثناء أكبر، فيكون الاستيعاب جيدا في معاني الألفاظ النمطية المألوفة ثم ينخفض كلما اتجهنا نحو أفكار ذات معاني فيها عمق أو خروج عن استعمالات اللفظ العادية، ما يستلزم اعتصار الألفاظ في ممكناتها غير المأهولة إن أردنا الوصول للمعنى
لكن هذا النحو من النظر في اللفظ ليس ممكنا لأي قارىء سواء من حيث القدرة اللغوية أو من حيث القدرة العقلية التي تتيح الانتباه لمدخل وزاوية ما، في الفهم
ولأن الناس يختلفون في هاتين القدرتين، كان ذلك سبب اختلافهم في استيعاب ممكنات المعنى من نفس النص المكتوب