فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 383 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هناك أسئلة لا أفهم لها جوابا حاسما حول سبب الإسراف في الشعر المتعلق بالمرأة (1) من دون غيره من المواضيع، خاصة في الزمن الحديث
إذا كان الشعر يعبر عن المساحات الوجدانية غير الممكن نقلها بطرق التعبير الأخرى، ثم إن المعاني الممكنة هي تلك التي تخص كل ما يعترض الفرد في حياته، فإنه يفترض أن تكون مواضيع الشعر متنوعة باعتبار تنوع مجالات معاني وجود الفرد في مراحل وزوايا حياته
فلماذا نجد الشعر حول المرأة من حيث كثرته أزيد من المواضيع الأخرى ذات المعاني التي تهم الفرد أيضا وتؤثر بعمق فيه
لماذا لا نجد شعرا كثيفا وعميقا حول الحزن وحول الحرمان وحول الخيانة وحول الفشل وحول النجاح وحول الكره والاستبعاد والكيد من الآخر
هذه كلها مواضيع تمس عمق النفس البشرية وتنتج معاني وجدانية قوية في حياة الفرد وتؤثر فيها، ونحن نعرف أنها تصل ببعضهم حتى للانتحار، فلماذا هذه المواضيع تبقى دون الشعر الذي يقال حول المرأة في مساحته الكمية وفي عمقه
- أتفهم كون المرأة قد تكون عادة موضوع تجربة عاطفية لها خصوصية باعتبار العلاقة بين جنسين تحمل معاني الرجولة بالنسبة للذكر والأنوثة بالنسبة للمرأة، فيكون الشعر حول المرأة أداة لتأكيد الانتماء لطائفة الرجال بالنسبة للذكر، أو لطائفة النساء المحبوبات المشتهيات من الرجال بالنسبة للأنثى
لكن هذا التفسير قد يبقى مرجحا لقائلي الشعر المبتدئين ممن تغالبهم أجسادهم وشقوتهم، لكنه تفسير لا أقبل به حينما أجد كهلا يقول الشعر في المرأة ومازال مولعا بوصف التفاتاتها وتبسمها وثغرها ومشيتها، وقد رأيت موضعا يتبارى فيه مجموعة من الشعراء الشعبيين في وصف التفاتات امرأة
طيب وماذا بعد إن وصفتم كل ذلك، هذا شيئ أعجز عن استيعاب جدواه
- قد يستنجد البعض بالمجاز فيقول أن المرأة يقصد بها مواضيع أخرى كالوطن والقبيلة والأم وغيرها من الإسراف في التأويل الذي يمثل طريقة فضفاضة يحتمى بها حين العجز عن تبرير هذا النوع من الشعر، فهذا تفسير فاسد، لأنه يمكنك أن تتحدث عن الوطن وعن القبيلة وعن الأم مباشرة بوضوح من دون هذه الالتواءات
- هل يكون سبب ذلك خواء المعنى لدى هؤلاء الشعراء في مساحات الحياة الاخرى غير المرأة، لأن الكتابة المعمقة ومنها الشعر تفترض وجود قدرة على انتاج المعنى وهذا يكون عادة من خلال تجربة وجدانية ما أو بنوع من الإنزواء والتأمل، ولما كانت طبيعة الحياة الحديثة تجعل التأملات المستدعية للعزلة عسيرة على الناس، فإنه لايبقى من ممكن إلا التجربة العاطفية التي يسهل انتاج المعاني منها استعانة بالاستعارات الرائجة، فيكون الشعر حول المرأة إذن يسيرا نوعا ما عكس أنواع الشعر في التجارب الوجدانية الأخرى
- هل يكون الشعر حول المرأة نوعا من غياب الفعل والإنسحاب من مساحات الحياة الاخرى، أي أن استشعار الشاعر العجز عن الفعل في الواقع وخلق رمزية لذاته من خلال مسائل الواقع الحقيقية يدفعه لتوظيف المرأة لانتاج أثر شعري يصنفه كصاحب قول وإن كان شعرا عاطفيا
ولعله توجد تفاسير أخرى لهذا الولع الغريب بنهش المرأة وتوظيفها، لم تبلغ فهمي
---------
(1) أرفض وصف هذا الشعر بالغزل، لأن الغزل مصطلح يصف نوعا من الشعر ذي خصائص معينة لاتتوفر في مانحن بصدده من توظيف للمرأة وغياب عمق تجارب حقيقية في المعاني، فهو أقرب للتكلف مع غياب رقي الشعر