نحو إسلام العقيدة (3): "الحلال والحرام" أداة لا يمكنها تفسير الواقع، لايكفي النظر للفعل وإنما يجب النظر لاتجاهه
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 570 محور: إسلام العقيدة
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الواقع تغيره أفعال الناس، ويمكنني أن أعرف الفعل البشري أنه إنتاح المعاني واستهلاكها بطريقة فيها ادراك، لكي نميز ذلك عن فعل غير العاقل كفعل الرياح والطبيعة عموما (1)
فالفعل إخراج للمعاني من مستوى التجريدات الذهنية لمعاني المفاهيم لحد مستوى الواقع، والفعل لهذا الاعتبار فيه قصد الإتصال بالغير وإلا لما احتيج لاخراج التجريدات من مستواها الذهني
ثم لما كان الفعل معالجة فهو وجوبا نشاط زمني، أي أن الفعل البشري معالجة زمنية للمعاني ذات اتجاه ما، مادامت معالجة يمكن قياسها بين نقاط زمنية من مجال وجود ذاك النشاط
والفعل البشري فيه تعلق بموجده الأول ويمكنه أن يطال من يراد التفاعل معهم، بل هو سيطال الغير لا محالة
إذن الفعل البشري يمكن تحديده بالخاصيات التالية:
1- ماهية الفعل، أي ماهو هذا الفعل، وهذا الجانب يتم من خلال التعريفات اللفظية أي مستوى المفهوم، فنقول هذا: قتل، أكل، حب، هروب...
علما أن المفهوم لاتعلق له بأي إطار زمني أو مكاني أو خلفية عقدية (2)
2- زمن الفعل
3- مجال الفعل أي الاطار المكاني لحدوثه
4- اتجاه الفعل، وهذه الخاصية تحدد بالبحث في موجد الفعل أولا ثم البحث في نقطة الفعل قبل وصوله للحظة تناوله من أي شخص آخر غير موجد الفعل، فهنا نقطتان بترتيبهما نحدد اتجاه الفعل وهو اتجاه يحدد مستويات المسؤولية
اذا استثنينا خاصية مفهومه، فإن الفعل حين يدخل الواقع ويتعين في علاقة بفرد ما، يختلف باختلاف إحدى خاصياته الثلاث (زمنه ومكانه واتجاهه)
إذا نظرنا من زاوية المسؤولية عن الفعل، فإنه من ضمن الخواص الثلاث هذه فإن اتجاه الفعل ذو اعتبار استثنائي
أي أن اشتراك فردين في انجاز الفعل في نفس المكان ونفس الزمان، ذلك لايكفي لكي نحكم عليهما بنفس القدر من المسؤولية نسبة لذلك الفعل
بالتالي علينا البحث كذلك في اتجاه الفعل حينما وصل لكل منهما (3)
بغرض استدعاء خاصية اتجاه الفعل بطريقة سليمة، هذا يتطلب تناول الفعل كمسار وليس كنقطة، ثم تناول الواقع كمنظومة مترابطة وليس كأفراد منعزلين
--------------
ماذا يعني تناول اتجاه الفعل في تحديد المسؤوليات، بعض نتائج هذا الفهم يؤدي للتالي:
- مسؤولية انحراف الفرد المعين بفعل (زنا، سرقة، تبرج....)، ليست كمسؤولية من أوجد ذلك الانحراف وهي منظومات التوجيه والاخضاع الذهني
هنا اتجاه الفعل بدأ من منظومات التشكيل الذهني كبداية في اتجاه الأفراد، إذن فالفرد هو إما مستهلك أو في أقصى الحالات موزع للفعل، وفي كلتا الحالتين المستهلك والموزع أقل مسؤولية من المنتج، وهذا التفصيل لاينتبه له إلا بتناول موجهات الفعل وجهته
- تتبع الفعل بغرض إزالته (ليكن انحرافا ما) تكون بإزالة موجده لا تتبع عيناته المستهلكة له أي الافراد
- الحكم على الأفعال في مستوى المفاهيم (وهو المؤدي للتعامل مع الفعل من دون النظر في اتجاهه، كما يقع حاليا) هو تعامل مع مطلقات من دون تعلق لها بالواقع، وهذا قصور ينظر للأفعال أنها معالجات نقطية وأن الفرد هو من ينتجها لحظيا وهو من ينهيها، وهذا كله افتراض غير سليم يؤدي لمعالجة قاصرة للواقع
- آلية الحلال والحرام بالمعنى الفقهي الإسلامي، تتعامل مع الأفعال كحالات معينة غير زمنية، لاتعلق لها بالواقع كظواهر وإنما هي تعيينات حدية، أي هي مثلا تنظر لفعل الزنا لفرد ما في زمن ما من دون النظر لمنظومات الإخضاع التي جعلت الفرد يسقط في ذلك الانحراف ولا لاتجاه الفعل، لذلك لاتصلح آلية الحلال والحرام، كأداة لتفسير الواقع وفهم آلياته
الحلال والحرام، آلية لاتصلح لفهم الواقع لأنها تتعامل مع النتائج وليس مع الأسباب، أي أنها لا تنظر للواقع كظواهر وإنما للواقع كعينات
-الفقه يتعامل مع الفرد مستهلك الفعل وليس مع الفرد موزع الفعل أو مع الفرد منتج الفعل، وهذا قصور في الإلمام بمساحة ممكنات الفعل واختزاله في ثلث احتمالاته (4)
الحلال والحرام أداة تقنية جزائية لايجب استدعاؤها حين الفهم والبحث ولا يصح للفقيه أن يفسر الواقع ويبحث فيه بآليات فقهية، لأنه إن فعل فسيكون مكرسا للواقع جاعلا المسؤولية على الفرد متجاهلا المنظومات التي أنتجت الظواهر موضوع المعالجة
--------
(1) الفعل يشترك فيه العاقل وغير العاقل، لكن العمل والصنعة هما الفعل البشري حصرا باختلاف درجة الإتقان في الفعل
(2) يمكن النظر للمقال التالي حول الفرق بين المفهوم والمعنى:
المفهوم والمعنى والفعل: جدلية الزمن وتغير المعنى
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10798
(3) هذا الفهم هو نفسه المستعمل في الرياضيات والفيزياء حين دراسة الظواهر من خلال المتجهات (vecteurs)
(4) بغرض الفهم، يمكن استدعاء حالة الزنا أو تبرج المرأة، فنحن من منظور فقهي لانتتبع بالنهي والتحريم من أوجد الانتاجات الثقافية والاعلامية والتعليمية التي تؤسس لتلك الانحرافات ولا من روج لها، أي أننا لم نتتبع منتج الفعل ولا مروج الفعل وإنما تتبعنا فقط مستهلك الفعل