لماذا لاتوجد منظمات تقاوم الفَرْنسة واستبعاد العربية (2)
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 389 محور: تفكيك منظومة فرنسا
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ماهو سبب غياب منظمات وجمعيات تعتني بالدفاع عن اللغة العربية والتصدي للفرنسة والإلحاق(*)
1- عموم الفواعل المفكرة ومنها الفواعل السياسية (النخب) تعرضت لعمليات اقتلاع عميقة امتدت لعقود ثم تشكيل ذهني انتهى بهم للقبول بالإطار المؤسس لتونس الحديثة، نتيجة ذلك أصبح أصحاب الاحزاب والناشطون يعتبرون المنطلقات العقدية والفكرية التي فوقها تم تأسيس تونس الحديثة، وضعا سويا
وصلت فاعلية عمليات الاخضاع الذهني تلك أن كثيرا من هؤلاء الفواعل تحولوا لاعتبار البناء المؤسس لتونس الحديثة، نمط التونسيين وأنه المثال الذي يجب الحفاظ عليه
هذا يعتبر "حالة دراسية" لنجاح عمليات التشكيل الذهني في العصر الحديث حينما تنجح في الإخضاع والتحكم في مجموعة بشرية كاملة، حيث نتيجتها أن يقبل الضحايا (التونسيون) السياج الذي وضعوا داخله، ويفهمون أنه النموذج الواجب الحفاظ عليه
2- كانت نتيجة عمليات الاخضاع الجماعي التي استهدفت الفواعل ممن سمي نخب الاستقلال ثم ما تلا ذلك من نخب المعارضة بما في ذلك القوميين والاسلاميين، أنه لم يكن من الوارد مراجعة الواقع في أساسه الذي صممته فرنسا وروعي فيه الحفاظ على مصالحها اللغوية والثقافية ثم الاقتصادية
وانحصرت نشاطات الفواعل الفكرية والسياسية في مجال لايتجاوز ما أوجد لهم للتحرك فيه، هذا يعني أن كل ماهو لا مادي من عقيدة وفكر ثم ثقافة، لا يمكنه الخروج من المجال المفاهيمي الذي وضعت أسسه منذ عقود والذي صمم بحيث يدور حول المركزية الغربية
لم يكن ممكنا إعادة النظر في المستوى اللامادي للواقع التونسي الحديث في تأسيساته الاولى، وكان المتاح للتونسيين التحرك في ما سمح به من المستوى المادي الذي سيكون قاصرا بفعل سقفه المنخفض المتحكم فيه
لذلك أقصى تحركات التونسيين الآن نسبة لفرنسا ذات طبيعة مادية لكنها لا تتناول أي من النقاط ذات الطبيعة اللامادية كاللغة أو المجال المفاهيمي أو المركزية العقدية، هذه أساسا مواضيع ومصطلحات غائبة لديهم
3- المنظمات العاملة في تونس أغلبها ذات استنبات صناعي، فهي لم تنشأ تلقائيا استجابة لحاجة محلية، لذلك هي منظمات ذات أهداف لاتعلق لها بالواقع التونسي
الأصل أنه توجد حاجة أولا ثم تأتي منظمة لرعايتها، لكن في تونس عموم تلك المنظمات توجد لرعاية مسألة ما في طور التشكل والتأسيس بل ولم تبلغ طور القضية، وهي عموما مشاكل وافدة نتيجة عمليات الاقتلاع والإحلال التي تعرض لها المجتمع التونسي طيلة عقود التّيه
إذن عموم هذه المنظمات تشكيلات وظيفية تلعب دور تسريع التمكين لمفاهيم فكرية من خلال صناعة قضايا متعلقة بها كامتداد مادي وواقعي لها، مما يوهم بأصالة تلك المواضيع وأنها تهم التونسيين حد تحولها لقضايا
وهكذا وقع التعامل مع مواضيع: اللواطيين، والأقليات، والكتابة باللهجة عوض اللغة العربية
نلاحظ أن هذه كلها مواضيع لا وجود لها بتونس، لكن المنظمات التي ترعاها توصلها لمرحلة قضية، ساعتها تتحول لأداة وظيفية يمكن من خلالها التأثير في المجتمع وإخضاع سياسة البلد من خلالها
إذن الدفاع عن اللغة العربية لن يكون من مهام هذه المنظمات لأن حماية هذه اللغة لا يقدم خدمة للاجانب
4- بالنتيجة هذه المنظمات هياكل وظيفية غير تلقائية، تنشأ لخدمة أدوار ايديولوجية، ولهذا الاعتبار تحديدا هي ذات ارتباطات أجنبية، فالمنظمات تلك وهي عموم الموجودة بتونس، ترتبط بالأجنبي لأنها تنفذ أهدافه وليس لها بالتالي تعلق بأهداف تهم تونس والتونسيين، ولن يكون بالتالي من أهدافها نصرة اللغة العربية ولا مقاومة عمليات استبعادها
ولايفهم كيف لمنظمة تخدم الأجنبي وتمول من طرفه، كيف يسمح لها بالنشاط وكيف تعتبر أساسا منظمة تونسية
يمكن القول أن أكبر الاختراقات لمجتعاتنا المنهكة هي هذه المنظمات الممولة أجنبيا لأنها لواحق للأجنبي تعمل على الترويج للتبعية والإقناع بها، وتسعى للتطبيع مع الانحرافات الناتجة عن عمليات الاقتلاع والإلحاق التي تتعرض لها مجتمعاتنا
-------------
(*) ينظر للجزء الأول
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10933