أدوات التأثير الجماعي لا تخاطب العقل ولا تعمل بموضوعية
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 403 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أتابع عادة على "اليوتيوب" وثائقيات وبرامج حول كوريا الشمالية وهي في عمومها أعمال مصدرها البلدان الغربية التي تعادي تلك الدولة
كنت أشاهد تقريرا حول الهاربين من كوريا الشمالية، وفيه تتحدث إحداهن تقول إنها لما كانت بكوريا الشمالية كانت تنبهر كيف يقول الرجل خارج بلدها للمرأة أحبك، وتقول مستغربة وضاحكة: نحن بكوريا الشمالية لا نقول أحبك إلا لزعيمنا، وكانت هذه الملاحظة كما يبدو أي تجربة الحب لدى فتاة حتى في مستواه القولي، باعثا للكثيرين خاصة من الشباب للتأثر وجعل البعض ينبهر بالنموذج الغربي ويهرب خارج كوريا الشمالية، رغم أن العديد ممن نجح في الخروج يعاني مشاكلا إقتصادية ونفسية واجتماعية وأمنية كما يقول التقرير
ما يحصل للإيقاع بالناس، هو خلق تصورات تأثر على شخصية الفرد من خلال إثارة موضوع تافه لكنه يحمل ثقلا لدى الفرد، مثل الحرمان والحرية في مستوياتها الشخصية
---------------------
نفس الملاحظة نجدها لدى أجهزة الدعاية التي توجه لبلدان أخرى، من إذاعات (عموم الإذعات الغربية الموجهة بالعربية) وتلفزات (عموم القنوات التلفزية بداية من "البي بي سي" وصولا لل"جزيرة") وقنوات "يوتيوب" ومنظمات مجتمع مدني ممولة أجنبيا (كالتي تغرق تونس وتتحدث بدل الدولة في كل المواضيع وتحدد ما يكون وما لايكون)، وهي عادة تمول أغلبها من أجهزة مخابرات، تلك الأجهزة تقوم بالتركيز على النقاط العاطفية التي يفتقدها الفرد موضوع الدعاية، حتى وإن كانت نقاطا مضخمة أو جزئية لا قيمة لها وتافهة، ما يهم في نجاح العمل الدعائي هو موقع وأهمية ذلك الموضوع في مساحة العاطفة أي الحرمان والحاجة لدى الفرد المستهدف
لذلك فإن الاعمال الدعائية تلك تحمل في ثناياها قصد التحريف والمغالطة والتمويه، وينتج عن ذلك أنها أفعال توجيهية تسعى لتشكيل أفهام الناس وأذواقهم
إذن هي أعمال لا تخاطب العقل والفهم الواعي وإنما هي أقرب للمجهود الاخضاعي، فهي أفعال ذات قصد التشويش عن الحقيقة الواقعة وشروطها الموضوعية
------------------
أدوار التشكيل الذهني والإخضاع التي تلعبها أدوات الاعلام والتثقيف تلك الموجهة للبلدان العدوة، تقوم بها أيضا عموم الأجهزة الرسمية داخل بلدانها في العصر الحديث، حيث التعليم والإعلام والتثقيف (مهرجانات، ملصقات اشهارية..) يمثل واسطة الاقناع بالمشروع التصوري الذي بنت على أساسه تلك الدولة لأنه لا توجد دولة حديثة من دون إطار عقدي فكري ضمني أو مباشر يضبط كل مساحاتها التصورية
المشكلة تحصل حينما تتحول أجهزة التوجيه الذهني ببلد ما من خدمة مصالح ذلك البلد لخدمة جهة خارجية، وهذا هو ما يقع بتونس منذ بعد عقود ما سمي استقلالا، حيث تتحرك وتتغذي أدوات التشكيل الذهني في مجال مفاهيمي يدور في أفق المركزية الغربية، وينتج عن ذلك تحول تلك الأجهزة لمهمة إخضاع التونسيين لفائدة الغير المغالب وتعطيل إدراكهم لحالهم وواقعهم