فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 481 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من المغالطات التي شاعت وتمّ قبولها بتسليم، القول أننا قوم نتحدث ولانفعل
أعتقد أن هذا تصور غير سليم، مشكلتنا لم تكن يوما غياب الفعل والتضحية، فنحن أكثر الشعوب فِعلا وتقديما للتضحيات من أجل ما تعتقد أنه صواب
كان ذلك زمن مقاومة الاحتلال الغربي بلداننا حيث كان الناس يتصدون ويقدمون أنفسهم فداء من أجل الدين رفضا للمحتل الكافر، ثم تواصل مسار الفعل حد التضحيات بالنفس زمن الحركات الجهادية الآن وبينهما الالاف من التضحيات الأخرى، لذلك أكثر الشعوب تصديا للغرب، كانت ومازالت الشعوب الاسلامية
بالمقابل مشكلتنا توجد في مستوى آخر لايراد تناوله، مشكلتنا أننا لا نفكر أو لنقل بدقة لانفكر بالقدر الكافي وبالطريقة السليمة التي تجعل أفعالنا تلك وتضحياتنا تنتج أثرا في الواقع وتغيره
نحن لا ننظر عقليا ونؤسس لأفعالنا، ونُقبل بدل ذلك إقبال المتحمس من دون تخطيط
نحن لانصمم مسارات أفعالنا ونعتمد بدل ذلك العشوائية
نحن لانؤطر أفعالنا في سياق منهج كبير يوضح موقعنا من عدونا الغربي الذي يغالبنا منذ قرون ويصرعنا ثم يلحقنا قهرا به، فلا نستوعب بسبب عجزنا التفكيري أن هذا الغرب أظلنا ثم أضلنا بعقيدته وفكره ومجاله المفاهيمي وأنه أنتج من بيننا منتسبين له وأوحى لنا أن نعاملهم وباقي التونسيين سواء
نحن لا نمتلك نظرية شاملة تؤطر أفعالنا ومستوياتها في أفق عالمي يكون مجالها المركزية العقدية الغربية المسيطرة والاسلامية الغائبة
نحن لانملك مشروعا فكريا يستوعب بعدي الغيب والشهود لأفعالنا، نحن نتصرف ونخلط بين الشهود والغيب ونعتقد أن أحدهما يعوض الآخر، فيكون الركود والانسحاب من الواقع
نحن لانتعامل مع الواقع بعمق، اذ مازلنا نتصرف كأن واقعنا يحكمه الإسلام، فنفهم كل الأفعال من الزاوية الفقهية أي بالحلال والحرام، ولا ندرك أن هذه مسطرة تقنية جعلت للأحكام الحدية العينية الزمنية، وليست ولم تكن يوما أداة لفهم الواقع ومسارات الفعل زمنيا
الأحكام الشرعية تلك تتحرك في مستوى الفعل النقطي أي هي عينة من زمن من فعل فرد ما، ولا يمكنها تفسير المجال الأكبر الذي يؤطر الواقع وهو صراع المركزيات العقدية الموجدة والمؤثرة في الأفعال، إذ يمكن لأحدهم مثلا أن يكون قابلا بالدوران حول المركزية الغربية المغالبة بينما في مساحته الخاصة لا يرتكب الحرام، وسبب ذلك أن كل مفهوم له مجاله، وهذا بعض معاني الإختلاف بين إسلام الهوية وإسلام الثقافة وإسلام العقيدة (1)
نحن نتعامل مع تراثنا بانتقائية ونوظفه لتكريس الواقع الفاسد فنصنع الصنميات التي تخدم سادة الواقع من خلال الاستدعاء الانتقائي لمراحل من تاريخنا
نحن مازلنا نقبل أن نعامل أناسا مثلنا أنهم أكثر جدارة عقلية ودينية لمجرد تخصصهم في علوم الاسلام، وهذا خلل أسس له تاريخيا من خلال الثورة المضادة التي قادتها قريش مبكرا فترة بني أمية ثم تواصل هذا المنحى التحريفي والتوظيفي للاسلام حتى وصلنا الآن أن أصبح المتحكمون بالواقع وسادته أي الحكام والمتغلبون عموما، يصورون آليا من طرف مرتزقة الاسلام والمتحدثون فيه، أئمة وجب طاعتهم، واشتق من هذا الانحراف أن تحول أصحاب الاحزاب والمنظمات والطوائف التي تزعم نصرة الاسلام، لمراتب تقل قليلا عن مرتبة الانبياء، من دون أن ينازعهم منازع ويردهم راد، ومن تجرأ عليهم سُفّه ولاقى العَنَت من الأتباع
تواصل هذا الهوان سببه خلل تفكيري، لأن هذا البناء التوظيفي للإسلام يصل أحيانا لدعوة الاتباع للفعل فيفعلون بل ويموتون في سبيل ذلك الفعل لكنه فعل كالهباء انتهى لنصرة سادة الواقع من دون نتيجة في مستوى تغييره
وهكذا تتواصل دوامة الفعل والتضحيات غير المثمرة بسبب غياب الفكر الذي يحيي طاقة الإسلام كمركزية عالمية، وينهي مسارات توظيفه
------------
(1) أقسم الإسلام منهجيا لثلاثة مستويات وهي إسلام الهوية ثم إسلام الثقافة ثم أعلاها إسلام العقيدة
هذا التقسيم هو الشق المكمل لمفهوم صراع المركزيات العقدية، لأن المركزية الإسلامية الغائبة لن توجد الا بإحياء إسلام العقيدة