فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 413 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حينما تتناول شخصا ما باعتباره مسؤولا في حزب أو منظمة أو إدارة خدمية، يقع التنادي لكونك تتشمت به أو تكرهه فيعملون على ترهيبك وتسفيهك وتعطيل رأيك
وحينما تتناول تنظيما ما بنقد يقع لومك وقد ستصنف كعدو
وحينما تقرّ البعض على صوابية أفكارهم، يقع لومك ويقال لك أن ذلك الشخص مسؤول حزبي من أولئك الذين يعارضوننا، فعليك أن تصنف آليا كل كلام منه أنه فاسد
هذه عينات لبعض مشاكلنا، وهي تمثل إعاقة كبيرة للتناول الموضوعي للواقع، لأنها تكون ثقلا يعيق وترهيبا يمنع من مواصلة الحديث في ذلك الموضوع
سبب هذه المواقف فَهم ينطلق من تسطيح أبعاد الفرد في بُعد واحد، ثم يقع الاختيار تحديدا من ضمن كل الممكنات على البُعد الذي له تعلق بالمتحدث، أي البعد الذاتي
بينما الفرد في الواقع يحمل ويتحرك في أبعاد عديدة حسب نشاطه وفاعليته
فالبُعد الأول هو بُعد الإنسان ذي علاقات النسب وتفريعاتها وما تنتجه من شبكات تعاطف، هذا البُعد يكاد يشترك فيه كل إنسان
لكن هناك أبعاد أخرى، إذ هناك بُعد الفرد الفاعل الاقتصادي، فهو عامل أو موظف أي الحارس والطبيب والمعلم والمهندس وسائق الحافلة، فهذا بُعد آخر لاعلاقة له بالبعد الأول أي بُعد الإنسان الأولي
وهناك بُعد الفرد الفاعل السياسي أي الذي له صفة حزبية كأن يكون ناشطا قاعديا أو قياديا
وهناك بُعد الفرد المنتج للمعني أي الفرد الكاتب ومنتج الفلم والمؤلف المسرحي ومؤلف الأغنية
وهناك بُعد الفرد مروج المعنى أي المغني والممثل ورجل الإشهار
بالتوازي فإن هذه الأبعاد يمكن النظر إليها من زاويتين، زاوية المجال الخاص للفرد وزاوية المجال العام
يمكن القول أن وحده بُعد الفرد الإنسان متعلق بمجاله الخاص، ماعدا ذلك فإن كل الأبعاد لها تعلق بالمجال العام
ثم أنه يمكنني أن أقدم القاعدة التالية وهي أن أبعاد الفرد لاتعلق لها ببعضها من حيث صحة وصوابية (1) معانيها أي الصادر عنها
فبُعد الفرد الفاعل اقتصاديا لاتعلق ببعده الانساني، أي أن أنشطته الاقتصادية ومعانيها لا علاقة لها بكونه ابن فلان ويسكن في منطقة كذا، ليس من حيث وجودها وإنما من حيث صحتها، أي لاتعلق لصحة كونك طبيبا أو معلما مثلا بكونك ابن فلان وتسكن في منطقة كذا وجسمك بكذا مواصفات
وقس على ذلك باقي الأبعاد، فهي مستقلة في معانيها عن بعضها
إذن الخلط ببن أبعاد الفرد أولا لايوجد مايستدعيه، ثم هو يؤدي للتعامل مع معاني غير سليمة لأنك ستأخذ مثلا معاني بُعد الفرد الاقتصادي على أنها معاني البُعد الانساني وستأخذ بُعد منتج المعنى على أنها بُعد شخصي إنساني، فهذا الخلط يؤدي لمعاني غير سليمة، أي لمقدمات مواقف وقرارات فاسدة لاحقا
ثالثا فإن هذا الخلط بين الأبعاد الفردية نموذجه الأكثر ورودا هو تسطيح الأبعاد لبُعد واحد، حيث يصر المتناول له فهم الفرد والنظر إليه باعتماده فقط كبُعد زاوية نظر
تسطيح الأبعاد يؤدي لتعطيلات كثيرة في مستوى فهم الفرد والتعامل معه، فأنت إن تناولت الفرد كفاعل اقتصادي بشُكر، فهمه الطرف الآخر أنه شكر للفرد كشخص في مجاله الخاص وهذا يمكن أن يخلق احراجات مع المرأة، وإن انتقدته فهم أنه عداوة لسخصه
وإن كان الشخص فاعلا حزبيا إن انتقدته فهمها أنها شماتة في شخصه وهو المريض أو المعاق أو أنه تهجم على المنطقة الفلانية حيث هي موطنه
هذا الفهم التسطيحي للأبعاد ينتج ثقلا معنويا يتكون معه نوع من المنع والترهيب لتواصل التناول الموضوعي لذلك الشخص
------
(1) الصواب غير الصحيح، عموما الصواب له تعلق باللاماديات وكل ما لا يمكن ضبطه بدقة، أما الصحيح فيقال عموما لكل مايمكن ضبطه بدقة