في تكوّن المعنى (2): جدلية تغير المعنى في الواقع، معنى السلطة يغلب سلطة المعنى
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 584 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كنت كتبت من قبل أن معاني المفاهيم تتغير في الواقع وتأخذ إضافات في الدلالة من خارج تعريفها الأولي (1)، وأن تلك المعاني المضافة تتأتى إليها من خلال مراكز سلطة معنوية، فالشيخ والزعيم والمناضل والفنان والفرد الغربي، كلهم يتحولون لسلطات تحديد المعاني وترجيح بعضها على بعض
المعاني اذن تتغير في الواقع وهي في تغيرها تتبع حركتين:
1- حركة دوران حول المفهوم الاولي للتعريف بحيث تبقى المعاني المنتجة الجديدة على صلة ما بالمعنى الاولي للمفهوم وإن بعدت
فمثلا معاني مفاهيم الحرام والحلال لدى الشيخ أو المفسر للدين عموما يجب أن تبقى في عمليات التأويل أو الترجيح أو التوظيف، ذات صلة بمعاني الحلال والحرام كما تؤسس لها التعريفات في متون الاسلام، ذلك شرط وخيط لازم يجب الابقاء عليه للقبول بالمعاني المستحدثة
2- حركة تنائية متبادلة أي جدلية بين القطبين المؤثرين في معنى المفهوم، وهما:
أولا: المعنى الأصلي اللغوي أو الفقهي أو العلمي الذي كانت له سلطة تحديد المعنى، فهناك يوجد "المعنى السلطة المرجع"
أي المعنى النظري لمفهوم الحرام ومعنى مفهوم المناضل ومعنى مفهوم الفن وغيرها من المعاني المعرفة نظريا في مصادرها
ثانيا: السلطة المعنوية التي لها تقدير اعتباري في واقع الناس وهي من خلال تلك المكانة والسلطة في الواقع تمكنت من التأثير في معاني المفاهيم لحد اقناع الآخرين بتغيير المفهوم بعيدا عن دلالته الأولية
أي أن الزعيم مثلا سيقوم بإضافة معاني لمفهوم النضال فيضيقه أو يوسعه وهو لن يلقى اعتراضا نظرا لمكانته وسلطته، فهنا تصرف في المعنى من خلال السلطة
والفنان المشهور سيقوم بتأويل لوحة فنية أو سيقيم أغنية بعكس مايراه عامة الناس، وهو برأيه ذلك أضاف معاني للموجود الفني ابتداء كما يفترض فهمه، ووقع قبول تلك المعاني المضافة للمفهوم بحكم السلطة المعنوية لذلك الفنان
هنا في هذه الحالة الثانية، السلطة هي التي تنتح المعاني، نحن إزاء "المعنى المتأتي من السلطة" وهو ليس المعنى الاولي أي "سلطة المعنى"
بالتالي نسبة لمعاني مفهوم ما، فإن "معنى السلطة غلب سلطة المعنى" وعوضه
اذن هناك مايمكن وصفه بجدلية التعارك على تحديد المعنى للمفهوم بين المركزين القطبين: المركز النظري والمركز الواقعي
التعريفات النظرية توجد في مصدر إنتاج المعاني وهي عادة تكون المنطلق في إيجاد معاني المفهوم، ويبقى ذلك المركز هو المؤثر في المعنى وتأويله وتحديده مادام الواقع يعتمده في معاني مفاهيمه للمبادىء المؤسسة للواقع
لكن حينما يضعف اعتماد الواقع على الأفكار المؤسسة وتتقوى سلطة الواقع، فإنه تنشأ معاني جديدة في اتجاه معاكس أي من الأسفل أي الواقع نحو الأعلى، أي أن الواقع ينتج المعاني ويقترحها على منشىء المعنى لإضافتها لتعريفات المفهوم (مثلا توسيع معاني الحلال أو توسيع معاني الذوق الفني أو تضييق نفس المعاني..)
هنا يقع تغيير في معاني المفاهيم من خلال اقتراحات الواقع، فتتغير معاني المفهوم تحت ضغط سلطة الواقع، فهي إذن معاني تنبع من سلطة الواقع وليس من سلطة المعنى الاولي
ويمكن في نفس ذلك الواقع أن تأتي ظروف ما تعمل على تغليب كفة ترجيح المعاني وتفسيرها للمركز النظري، فيعاد ضبط معاني المفهوم ضبطا نظريا مبدئيا ويطلقه في الواقع من خلال تبني ترجيح المركز النظري المبدئي
إذن معاني المفهوم تتبع مسارا متذبذبا فمرة تحدد نظريا ومرة تحدد واقعيا، وهو تحديد يتبع جدلية القوة بين الواقع من جهة والمبدأ والفكرة المؤسسة لذلك الواقع من جهة ثانية
---------
(1) ينظر: تأملات (62): معاني المفاهيم تأتي من سلطة الموجودات وليس من تعريفاتها الأولية فقط
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10658