الإجابة تونس.. هكذا كنا وهكذا قلنا وبهذا آمنا، فقد كانت تونس قبل كتابة هذا المقال هي الإجابة عن كل الأسئلة الممكنة وغير الممكنة، منذ أن أشعل محمد البوعزيزي النار في نفسه معلنا بداية الربيع العربي، الذي كتبت الثورة المضادة صفحته الأخيرة في البيان الأخير للرئيس التونسي قيس سعيد.
انقلاب على الدستور، وانقلاب على الثورة، انقلاب على الشرعية والديمقراطية، وبيان حديث قديم أعلن به السيسي انقلابه العسكري على التجربة الديمقراطية في مصر في تموز/ يوليو 2013، وها هو قيس سعيد يعلن انقلابه بالكلمات نفسها وبقرارات مشابهة، وبدعم من قيادات عسكرية كما أظهرت الصور التي سبقت هذا البيان.
ينص الفصل الثمانين من الدستور التونسي، على أن الرئيس التونسي لا يمكن أن يتخذ قرارا بحل البرلمان التونسي حال اتخاذه قرارات استثنائية تمس حالة الأمن والسلم العام في الشارع التونسي، ولكن سعيد لم يعبأ بهذا بالدستور ولم يحترم مؤسسات الدولة التونسية، فقرر تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه كافة، وأطلق يد النيابة العامة لملاحقة أعضائه، وهو استنساخ لما فعله السيسي في مصر، عندما عطل العمل بالدستور وعيّن رئيس المحكمة الدستورية كرئيس مؤقت للبلاد، ثم أطلق يد الجيش والشرطة لاعتقال الجميع.
كتالوج الانقلاب العسكري واضح، تسير عليه قوى الثورة المضادة بقيادة الإمارات وبتنفيذ السيسي ومجلسه العسكري. مشاهد حرق مقرات الإخوان في مصر والاعتداء على قياداتها وتدمير ممتلكاتهم العامة والخاصة، وتسويقها بأنها تصرفات غاضبة من بعض الثوار الغاضبين من جماعة الإخوان؛ هي نفسها ما تابعناه في الساعات الأخيرة في تونس من حرق واعتداء على مقرات حركة النهضة وتدمير ممتلكات أعضائها العامة والخاصة أيضا.
أنا سأقود السلطة التنفيذية وسأقوم بترؤس الحكومة، وسأختار رئيسا للحكومة يقترح عليّ أسماء الوزراء وأنا من أوافق عليهم، أنا أقوم بعمل البرلمان وعمل النيابة وعمل المحكمة إن استدعى الأمر، أنا من أجمد البرلمان، وأنا من أرفع الحصانة عنهم وأنا من أحاسبهم وأنا أيضا من يعطل الدستور. قيس سعيد في لحظة قذافية موسيلينية، جمع فيها بين طغيان هتلر وجنون السيسي ومكر ابن زايد وإجرام محمد بن سلمان.
هي لحظة انقلابية بامتياز، تكتب بها الثورة المضادة الصفحة الأخيرة في عقد الربيع العربي. لا تريد الإمارات ومصر والسعودية أن تستمر أي حالة نجاح لثورات الربيع العربي، استقبلوا قيس سعيد ودعموه ولقّنوه ما يقول وماذا يجب عليه أن يفعل ومتى يفعل، فكانت تونس على موعد مع رئيس يتودد للجيش والعسكر ويهاجم المؤسسات المنتخبة، يخترق الدستور ثم يتشدق باحترام الدستور حتى جاءته لحظة مناسبة انقض فيها على الثورة ورجالاتها.
وكأنه بات حراما على الشعوب العربية أن تتلمس أنفاس الحرية، وكأنه بات ممنوعا على أبناء الربيع العربي أن يعيشوا بإرادتهم. ما حدث في تونس، يؤكد أنه لا حياة لهذه الشعوب العربية طالما ظل أمثال السيسي وابن زايد وابن سلمان على عروشهم، فهؤلاء لا تهمهم لا حرية ولا ديمقراطية ولا عدالة اجتماعية، فلتبقى عروشهم وليخلد حكمهم ولتذهب الشعوب إلى الجحيم.
التجربة أثبتت أن مثل قيس سعيد كمثل السيسي، لا يحترمون دستورا ولا يتحملون حياة مدنية تقودها مؤسسات منتخبة، هؤلاء أعماهم جنون العظمة وأغواهم دعم حكام الإمارات. وباتت الكرة الآن في ملعب الشعب التونسي، فلا يجب القبول بانقلاب كهذا دبر بليل في قصور الحكم في مصر والإمارات. الشعب التونسي يجب أن يتحرك فورا لحماية مؤسساته من الانقلاب، وحماية ثورته من السرقة، وحماية أصواته من أن يدهسها رئيس باع شعبه من أجل عيون السيسي والإمارات.
الأيام القادمة ستكون صعبة وفارقة في التاريخ التونسي، قيس سعيد يهدد من يعترض بأنه سيواجه الجيش في الشوارع. حركة النهضة اعتبرت ما جرى انقلابا صريحا على الدستور والمؤسسات، ولكن الأمر المقلق بالفعل أن تسمع أصواتا في الداخل التونسي يبدو وكأنها لم تتعلم الدرس من الخراب الذي خلفه انقلاب السيسي في مصر، هؤلاء بدؤوا يتحدثون عن أخطاء النهضة التي أوصلت تونس إلى ما وصلت إليه، ولم تخرج منهم كلمة واحدة رافضة للانقلاب الذي قام به قيس سعيد.
لهؤلاء تحديدا أقول: لا تشاركوا في كتابة الصفحة الأخيرة للثورة التونسية، فليلة السكاكين الطويلة تطال الجميع، ولكم في مصر العبرة والعظة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: