البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المحرر الذي أخلف موعده في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1668


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في مشهد روائي عظيم يصف غابريال قارسيا ماركيز؛ المحرر سيمون بوليفار في ردهة من ردهات حرب التحرير من الاستعمار الإسباني وقد خانه أغلب جنرالاته وارتدوا عن حرب التحرير مستقلين كل بولايته، وقد غرق بحصانه في مستنقع وبيل مع قلة باقية من جنده. يقف على ظهر الحصان ويعلن بصوت واثق أن الحرب لن تتوقف حتى يحرر كل أمريكا اللاتينية ويطرد المحتل الإسباني. ويخرج بصعوبة من المستنقع ويواصل حربه في كرة ثانية وينتصر ويحوز لقب المحرر عن جدارة لم ينتقصها أحد من بعده ولا حاز مجد التحرير مثله. هذا المحرر لم يركب حصانه في تونس ولم يعلن حربا ثانية، فالحرب الغريزية ضد الإسلاميين تهلك الحرث والنسل وتدفع البلد إلى مستنقع بلا قاع، ولا محرر في الأفق.

في ليلة النصف من رمضان يتفاخر التونسيون بطبخ وجبة الكسكسي التي صارت واجبا دينيا، رغم أن عرب الجزيرة ومنهم النبي وصحابته لم يكونوا من أكلة القمح ولا عرفوا الرحى والغربال، ولا عرفوا المحراث والنورج. تصلنا أخبار الإعدامات الجماعية من مصر ونقرأ لمكونات سياسية تونسية دعوتها الملحة للرئيس بتحريك الجيش ضد الحكومة وحسم الأزمة السياسية عسكريا، أسوة بنظام السيسي الانقلابي الذي يستمتع بإعدام الناس في رمضان.

فشل حكومة المشيشي في القيادة

البحث عن الحد الأدنى لم يعد كافيا لتبرير عجز الحكومة عن إخراج البلد من الأزمة التي تردى فيها. من السهل الإلحاج على ذريعة أن الرئيس يعطل الحكومة ويمنعها من العمل، وهي حجة واقعية لا ننقضها، ولكن مقابل هذا التعطيل كان يجب إبراز خاصيات الزعامة وإثبات الكفاءة القيادية على طريقة المحرر الذي لم يرهب المستنقع ولا الخيانات الداخلية من جنرالاته المستعجلين على المغنم.

التصدي للشأن العام يفترض وجود هذه الكفاءة وبعد النظر والشجاعة الأدبية، لكن الحكومة تغرق وتُغرق البلد، ومن سوء تقديرها للوضع أن تأمل عطف الرئيس وحزامه الاستئصالي ويتراجع عن التعطيل. الوضع يقتضي تجاوز قوة التعطيل والشروع في مغامرة سياسية؛ لعل السفر إلى طرابلس برغم رفض الرئيس غير المعلن أحد مفاتيحها. ولا نرى المشيشي يملك هذه القوة الأدبية، لذلك يتوسل مؤسسات الإقراض الدولية التي تتلدد وتفرض شروطها على بلد يقف على حافة الإفلاس.

لقد رفض البنك الدولي مد يد المساعدة في انتظار إعلان الإفلاس وإرسال الكومسيون المالي على طريقة الفرنسيين في نهاية القرن التاسع عشر، وهو الكومسيون الذي شرع للحماية بدعوى استعادة الديون فتحول إلى احتلال غاشم. وفشل رئيس الحكومة متولد عن فشل البرلمان والحزام السياسي للحكومة الذي يناور لإبقاء الحد الأدنى السياسي قائما بزعم الخوف من تعميق الأزمة، وكأن الأزمة ليست بصدد الاستفحال بالتعطيل الرئاسي. تردد البرلمان (حيث حزام الحكومة) يجعل الحكومة مترددة، والمحرر لا يأتي ولو كحلم روائي. إنا لا نرى المحرر في الأفق.

الوضع يستدعي مخلصا من خارج الحدود

لا نرغب في التسليم بهذه الحقيقة فهي تؤلمنا في السويداء، فالخصومة الداخلية لا تنبئ بخير، والحرب قائمة وإن لم يسل الدم بعد وقد لا يسيل حقيقة، ولكن مستويات الفقر التي تتضح تعادل في قوتها وألمها حربا أهلية. وتزدهر الآن تحليلات هي أقرب إلى الأماني (ونحن نساهم فيها من قهر لا من رغبة) أن صراع القوى العظمى على إعادة توزيع النفوذ في البحر المتوسط سيأتي بحل لتونس، وسيعطف عليها بعض أصدقائها فيخرجونها من أزمتها، وفي خيالنا الساذج أن ذلك يكون بلا مقابل سياسي واقتصادي على الأجيال القادمة.

نعم يوجد في تونس من يود ذلك ويعمل عليه ليلا ونهارا، فالأوليات مضطربة. ومقابل أن يسقط المسار الانتقالي ويأخذ معه الإسلام السياسي (ممثلا في حزب النهضة وتوابعه). لا بأس أن يصل البلد إلى الإفلاس وتتدخل القوى الخارجية للسيطرة على مستقبل البلد والأجيال، فمثل هذا التدخل سيكون عند الراغبين فيه مقبولا جدا ما دام المسار القائم يسمح بديمقراطية فيها إسلاميون. أي أن المطلوب إعدام الديمقراطية لإعدام الإسلاميين سياسيا وربما أمنيا (على طريقة ابن علي). السيسي عند هؤلاء نموذج مغر للاتباع، ولا ضير أن يُعدم الإخوان في رمضان، فهم إخوان وحقوق الإنسان لا تشملهم.

هل يأتي المخلص من خارج الحدود؟ كل المؤشرات تفتح هذا الباب، فأهل البلد لا يتفقون على مستقبله ولا يحسنون إدارة حاضره المأزوم، ولم يبق إلا أن يخاف الجوار من فوضى تونسية فيستبقون بفرض قيود على المختلفين فيلزمونهم بالعمل المشترك ثم يطلبون الثمن.

لا شيء ينبئ عن وجود عقل سياسي يفكر في المستقبل، رغم أن وباء كورونا يحصد الأرواح حصدا وكأن الموتى في قارة أخرى نحسبهم ولا نشعر بالألم. الحكومة لا تبادر فتستبق، ويظهر ارتباكها في كل قرار، وحزامها البرلماني يلقي إليها بالمسؤولية، والنخب المستقلة تتفاصح في تفسير الدستور (حيث جرهم الرئيس) وتمتعوا بخبرتهم في الأمر، والاستئصاليون يرابطون على موقف واحد لا يغيرونه "تونس بلا خوانجية ولو حمل الطوفان الشعب والوطن".

المخلص/ المحرر لن يأتي إلا ليأخذ روح البلد ويحوله إلى حديقة خلفية لمشاريعه، فهو يحتاج إلى شكل حكومة تدخله من الباب ليسكن البيت ويحول أهله عبيدا. ولن يبقى لنا إلا سؤال روائي: لماذا لا تنتج تونس محررها الذي يرى العدو ويسميه باسمه فيقود معركة تحرير؟

يمكننا الذهاب في التاريخ فلن نجد هذ المحرر، لقد تغير هذا البلد دوما بفعل قوة خارجية وكل اسم لمع فيه وأثر جاء من خارجه، من حنبعل برقة إلى سنان باشا التركي، ولكن لنا نماذج كثيرة، مثل أبي الحسن الحفصي الذي استعان بعدوه (شال الخامس أو شارل كنت) ليحكم رقاب شعبه. وإنه ليؤلمنا أشد الألم أن نلوذ بالدعاء المقهور كحل أخير لحلحلة الأوضاع الدنيوية التي صنعناها بأيدينا. فاللهم في ليلة النصف من رمضان امنحنا عفوك لنروي لك كل شيء.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة المضادة، اليسار الفرنسي، بقايا فرنسا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-04-2021  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
خالد الجاف ، أحمد النعيمي، عبد الرزاق قيراط ، د- محمد رحال، د- جابر قميحة، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الغني مزوز، د - المنجي الكعبي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. أحمد بشير، د - محمد بن موسى الشريف ، حميدة الطيلوش، مصطفى منيغ، د. صلاح عودة الله ، ياسين أحمد، فتحي الزغل، رحاب اسعد بيوض التميمي، علي عبد العال، جاسم الرصيف، د. خالد الطراولي ، صلاح المختار، د - شاكر الحوكي ، مصطفي زهران، نادية سعد، إيمى الأشقر، كريم السليتي، علي الكاش، عراق المطيري، رافع القارصي، د- هاني ابوالفتوح، الهيثم زعفان، أبو سمية، سامح لطف الله، فوزي مسعود ، محمد شمام ، يزيد بن الحسين، رضا الدبّابي، المولدي اليوسفي، الناصر الرقيق، عمر غازي، حاتم الصولي، يحيي البوليني، سامر أبو رمان ، محرر "بوابتي"، محمد أحمد عزوز، صفاء العراقي، مجدى داود، رمضان حينوني، فهمي شراب، د - مصطفى فهمي، عمار غيلوفي، ماهر عدنان قنديل، د - محمد بنيعيش، محمد الياسين، عزيز العرباوي، سلوى المغربي، د - الضاوي خوالدية، سلام الشماع، المولدي الفرجاني، عبد الله زيدان، سيد السباعي، إياد محمود حسين ، أشرف إبراهيم حجاج، مراد قميزة، منجي باكير، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صالح النعامي ، سعود السبعاني، تونسي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمود سلطان، حسني إبراهيم عبد العظيم، الهادي المثلوثي، كريم فارق، طلال قسومي، عبد الله الفقير، د. طارق عبد الحليم، صباح الموسوي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد الحباسي، د.محمد فتحي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، د. عبد الآله المالكي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد الطرابلسي، محمد علي العقربي، طارق خفاجي، أ.د. مصطفى رجب، إسراء أبو رمان، العادل السمعلي، بيلسان قيصر، فتحـي قاره بيبـان، صفاء العربي، محمد العيادي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - صالح المازقي، د - عادل رضا، وائل بنجدو، محمد يحي، د. أحمد محمد سليمان، أنس الشابي، عواطف منصور، رشيد السيد أحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد عمر غرس الله، محمود فاروق سيد شعبان، سفيان عبد الكافي، عبد العزيز كحيل، حسن عثمان، أحمد بوادي، رافد العزاوي، صلاح الحريري، د- محمود علي عريقات، فتحي العابد، محمد اسعد بيوض التميمي، حسن الطرابلسي، ضحى عبد الرحمن، محمود طرشوبي، أحمد ملحم،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز