قيس سعيد، الفخفاخ .... حلقة أخرى من التصدي للثورة المضادة بتونس
نور الدين العلوي - تونس المشاهدات: 2107
من الأمثال السائرة في الجنوب التونسي أن المرأة المحظوظة تحتطب لها الريح، ومعناه أن تسبق الريح امرأة ذهبت تحتطب فتقلع لها الريح الحطب فتكتفي بجمعه وتعود بلا شقاء. يبدو أن حزب النهضة هو الذي تحتطب له الرياح هذه الأيام. حطب يجمعه كلما أفحش خصومه في الأخطاء السياسية. الهدايا لا ترفض وبعضها لا يحتاج إلى رد طبقا لقاعدة الانتروبولوجي مرسال موس.
لم يتوقع أحد هذه النهاية السريعة للسيد الياس الفخفاخ، فقد كان ذات يوم نجم حكومة الترويكا الذكي والعارف بالشأن الاجتماعي ووزير المالية الألمعي. من دفع الفخفاخ إلى صدام مع حزب النهضة؟ ومن استفاد حتى الآن من هذه المعركة؟. نعرف أن الفخفاخ قد خرج من الباب الصغير وأنه لم يخسر حكومته بل انقطعت طريقه إلى كل مجد سياسي.
الفخفاخ فُرض على حزب النهضة
لم يكن خيار النهضة بعد انتخابات 2019 أن تقدم شخصية من خارج حزبها لقيادة السلطة التنفيذية. ولكنها أرغمت على قبول الفخفاخ فقدمت سلامة المسار على مكاسب الحزب الأول وقد قدم رئيس كتلتها البرلمانية (نور الدين البحيري) تنبيهات على وجود شبهة تضارب المصالح حتى قبل المصادقة على الحكومة ولكن سارت رياح القوى البرلمانية بغير ما تشتهيه مراكب النهضة فكتمتها في نفسها وانتظرت.
خلق هذا التنازل (والذي هو ضمن سلسلة تنازلات كثيرة تحت مسميات توافقية) انطباعا بأن حزب النهضة مكسور الجناح وأنه يمكن ركوبه إلى كل غاية دون أخذ رأيه في الطريق. ضاعف هذا من قدرة الفخفاخ وشركائه على ابتزاز حزب النهضة المنهزم (سقوط خياره الحبيب الجملي) هذا الانطباع تحول إلى سياسة تقود الفخفاخ وأصفياؤه في الحكومة وفي مقدمتهم حزب التيار بقيادة محمد عبو فأعلن اشمئزازه من وزراء حزب النهضة وصدرت عنه أقوال تحقر الحزب وتعلن عدم الحاجة إليه في الحكومة.
تراكمت المشاعر السلبية بين رئيس الحكومة وحزب النهضة ومع الوقت انقسمت الحكومة الفخفاخ وعبو ضد وزراء النهضة. لكن كشف شبهات فساد الفخفاخ لم تأت من النهضة بل من جهة ما فكانت هدية دسمة للنهضة لم تفرط فيها. ووجد الذين فرضوا الفخفاخ على النهضة بالقوة بعد الانتخابات يفقدون السلطة معه وترافقهم سمعة سيئة في مستقبلهم السياسي. ولا ندري كيف يمكن لمثل الفخفاخ أن يواصل بناء حياة سياسية بعد الخروج الصغير. ومع ذلك يظل السؤال يلح هل هذا هو الفخفاخ وزير مالية الترويكا المتعاون والذكي؟
لقد أحيط بالفخفاخ
شعور القوة الذي خلقه التكليف من قبل الرئيس بعد إسقاط خيار حزب النهضة (الحزب الأول الذي رضخ) استثمره الفخفاخ بشكل مفرط فظن أن لن يقدر عليه أحد. لذلك مثل أمام البرلمان في مساءلة عن أداء حكومته فكلم البرلمان بتعال ارتد عليه. لم يهضم الكثيرون عنجهيته فمروا إلى السؤال من يدفعه إلى كل هذا الصلف؟ ولم يطل بهم الوقت ليعرفوا أن انقسام وزارته الذي أشرنا إليه أعلاه هو السبب المحيط.
لقد أحاطت به وزينت له الأحزاب الثورية أن الحزب القوي ليس قويا بما يكفي وإنه يعاني من انهيار داخلي ولذلك فهو مشغول عن كل فعل سياسي بحروبه الداخلية (معركة خلافة الغنوشي). ولن يجد الجهد والوقت للاهتمام بتفصيل إجرائي يتعلق باستعمال رئيس الحكومة لنفوذه ليحصل به مكاسب شخصية. فإذا كسر الحزب القوي سيستتب له الحكم. فسار في مسار ناصح مغرض فخسر.
تتركب عناصر الصورة الاستئصالية من رئيس يعتقد أنه يملك الحكمة وفصل الخطاب وقد كلف رئيس حكومة طاهر ورئيس الحكومة ألف حزامه من الطهرانيين الذين دفعوه إلى التشدد مع الخصم (وهو شريك). النتيجة ماثلة أمام أعين العالم.
ولولا أن الأمر يتعلق بحياة الشعب التونسي وآماله في الخروج من الأزمة الاقتصادية لقلنا إنها لعبة مسلية فأبطال مقاومة الفساد انتهوا يدافعون عن شبهات فساد والمتهمون بالفساد من سنوات يسقطونهم.
في هذه اللعبة المضحكة حد البكاء نختصر، خلف الغلالة الثورية والطهورية السياسية توجد الخطة الاستئصالية نفسها. كيف تحجم حزب النهضة وتحرمه من ممارسة السلطة وكل الوسائل جائزة. لم يكن شركاء الحكم جادين في شراكتهم مع حزب النهضة ولم يكن التقاؤهم معها إلا من أجل تفتيتها المتدرج الذي بدأ منذ وجودها. المحيط الاستئصالي الذي قسم حكومة الفخفاخ هو الذي أسقطه بعد أن شحنه بشحنة كبر وصلف على شركاء أصحاب حق لا متسولي فضل.
مرحبًا بالهدية
هذا لسان حال النهضة الآن وقد عادت إلى وضع من يملك واقعيًا تشكيل حكومة بلا شركاء عدوانيين. يمكنها فرض شروطها لا في الحكومة فقط بل على الرئيس الذي باء بوزر الشخصية الأكفأ التي كلفها ففشلت. لقد رأينا رئيس الدولة يستنكف عن الحديث مع الغنوشي (رئيس البرلمان) ثم يعود من باب خلفي ليكلم وزراء الحزب ثم يضطر إلى الجلوس إلى الغنوشي في محاولة إنقاذ أخيرة.
انحناءة رئاسية مكلفة أمام الغنوشي وضعت الأخير في موضع فرض الشروط وأولها اختيار رئيس الحكومة. ولاحقًا حجم التمثيل فيها ونوعية الشركاء المقبولين. وهنا وجب التنبيه إلى مسألة مهمة؛ وهي مسألة عريضة اللوم التي كانت موجهة لرئيس الحكومة والتي كانت تمهد لإسقاطه، فاستبقها بالاستقالة. لقد تجمع في العريضة حوالي 120 إمضاء نيابيًا أي الأغلبية الكافية لقبول حكومة أخرى أو رفضها والرقم رسالة مباشرة للرئيس أولًا ولذلك الحزام الذي أحاط بالفخفاخ ثانيًا. لم تعد المبادرة بين أيديكم فتواضعوا وفاوضوا مكسروين.
صلابة موقف الممضين على العريضة وتماسكهم (أو هشاشتهم) حول موقف سياسي واحد في الأيام والأشهر القادمة سيحدد مستقبل السياسة في تونس. الممضون على القائمة سيكرسون إذا تماسكوا موقع الغنوشي في البرلمان فلا يبقى تحت رحمة الفاشية. وهو سيرد من موقع رئيس الحزب القادر على التحكم في مسار الحكم التنفيذي. في عملية إرسال مصعد متبادل هذه بتلك (شيلني وأشيلك). انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وتعديل القانون الانتخابي وطرح الانتخابات السابقة لأوانها لإخراج الفاشية من البرلمان.
هذه آفاق مرهونة بتماسك الاتفاق ويبدو لي أن هناك عناصر كثيرة فيه ومن حوله تسمح له بالصمود وتعديل مسار الحكم خارج الإقصاء السياسي وهنا سنجد الرابح الأكبر حزب النهضة.
لقد أعد الاستئصاليون المزمنون الحطب للحزب كما فعلت الجبهة الشعبية قبلهم. فأورى ناره وبدأ حفلة الشواء.
---------------
وقع تحوير العنوان الأصلي للمقال
محرر موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: