البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

مجزرة كبكب.. عندما كشفت فرنسا عنصريتها وقتلت 400 عالم دين تشادي

كاتب المقال عائد عميرة - تونس   
 المشاهدات: 1994



لم تترك فرنسا في إفريقيا، مجالًا إلا وانتهكته، انقسامًا إلا وأحيته، ثروةً إلا ونهبتها، فاستعمارها لدول القارة السمراء لم يكن الهدف منه فقط سرقة خيرات القارة وإنما محاربة الدين الإسلامي أيضًا ونشر الفتنة هناك، حتى تهيئ لها الأجواء لبسط نفوذها والتحكم التام في القارة.

في هذا التقرير الجديد لنون بوست، ضمن ملف "جرائم فرنسا في إفريقيا"، سنتطرق معًا لإحدى المجازر الفرنسية المنسية في دول القارة الإفريقية، مجزرة "كبكب" التي طالت علماء المسلمين في التشاد وراح ضحيتها 400 عالم دين إسلامي هناك.

بداية الاستعمار ومقاومة "رابح"
قبل الحديث عن هذه المجزرة لا بد من العودة أولًا إلى بدايات الاستعمار الفرنسي لهذه الدولة الإفريقية. نهاية القرن التاسع عشر، كانت فرنسا الاستعمارية تحتل العديد من الدول الإفريقية، منها ثلاث دول قريبة من التشاد هي: إفريقيا الوسطى (كانت تُعرف في ذلك الوقت باسم "أوبانغي- شاري")، والكونغو (كانت تُعرف باسم مويان كونغو) والغابون.

من هذه المستعمرات الثلاثة التي أطلقت عليها فرنسا اسم "إفريقيا الاستوائية الفرنسية"، تقدمت القوات الفرنسية لاحتلال التشاد، وكان الهدف من احتلال هذه المنطقة توفير اليد العاملة لفرنسا لبناء مستعمراتها الجديدة والاستيلاء على زراعة القطن فضلًا عن وقف المد الإسلامي الذي أخذ يتزايد في إفريقيا.

كانت التشاد في تلك الفترة تحت إمرة رابح الزبير بن فضل الله، ذلك الزعيم السوداني الذي أسس إمبراطورية قوية غرب بحيرة تشاد، وقد اتخذ رابح من الشريعة الإسلامية أساسًا للحكم والقرآن دستورًا وأحيا السنة وأمات البدعة واتجه غربًا لنشر الإسلام.

بدأت فرنسا توسعها، وكانت تطمح إلى عزل إفريقيا عن الدين الإسلامي وتحويل شعوب القارة إلى النصرانية حتى يسهل السيطرة عليها، إلا أن إمبراطورية رابح مثلت العقبة الأولى أمام توسعاتها في تلك الفترة، فقد تصدى لحملاتها وقتل العديد من قادتها على غرار بول كرامبل.

جمعت فرنسا قواتها مباشرة بعد سيطرتها على الساحل الغربي الإفريقي واحتلالها لمدينة "تمبكتو"، وبدأت الزحف تجاه رابح سنة 1894، بحملة يقودها ضابط فرنسي اسمه بريتونيه، إلا أن رابح تمكن من قتله، فعاودت فرنسا المحاولة لكن هذه المرة عبر قوة أكبر، ما مكنها من هزيمة رابح وطرده من نيجريا والكاميرون وإعادته نحو حدود دولة تشاد.

تواصلت المعارك في التشاد، ودفعت فرنسا بقوات أخرى قادمة من إفريقيا الوسطى والجزائر نحو بحيرة التشاد بقيادة الضابط لامي الذي قاد جيوش فرنسا في معركة "لخته" التي انتهت بمقتله وموت رابح في أبريل/نيسان 1900.

بعد مقتل الأمير رابح، تولى القيادة ابنه فضل الله، وحقق انتصارات عديدة قبل أن يُقتل عام 1909، ثم واصلت قوات رابح القتال، بعد مقتل فضل الله، حتى عام 1911، حيث وقعت جميع الأراضي هناك تحت سيطرة الفرنسيين، وألحقت بمستعمرة "أوبانقي- شاري" (إفريقيا الوسطى حاليًّا)، فأصبحت "أوبانقي - شاري- تشاد"، مستعمرة واحدة، تابعة إداريًا إلى "إفريقيا الاستوائية الفرنسية".

سحق الشخصية المسلمة
مع تمكنها من احتلال التشاد، مارست فرنسا أنواعًا كثيرة من التعذيب ضد المسلمين هناك، حيث ألغت القوانين الإسلامية ومنعت استخدام اللغة العربية ودمرت الآثار الإسلامية التي خلفتها الإمارات والسلطنات والممالك الإسلامية في المنطقة.

لم تتوقف ممارسات الاستعمار الفرنسي عند هذا الحد، فقد أحرقت المساجد والجوامع والمدارس القرآنية أيضًا، وعملت على نشر النصرانية، وذلك لتحقيق أهدافها في الاستعمار والاستقرار والاستغلال في هذه الدولة الحديثة.

جرائم فرنسا هناك تواصلت بنسق كبير، فالهدف طمس هوية البلاد، حيث عمل المحتل الفرنسي منذ البداية على إزالة كل ما يربط سكان البلاد من خلال عمليات ممنهجة وفرض اللغة الفرنسية وإقصاء العربية، وفرض الديانة النصرانية مقابل التضييق على المسلمين.

سعي فرنسا للقضاء على الواقع الفكري والثقافي التشادي، تم أيضًا عبر محو مقومات الشخصية التشادية وإذابتها في المجتمع الأوروبي المستوطن، كل ذلك بهدف تغيير النمط المجتمعي والهوية التشادية، وهدم البنى الحضارية هناك وإعادة صياغته بما يتماشى ويكفل الهدف الاستعماري الاستيطاني.

عام 1923‏ وصلت أول بعثة تنصيرية تابعة للكنيسة البروتستانتية إلى المنطقة الجنوبية، أما الكنيسة الكاثوليكية فقد بدأت تتوافد إلى تشاد عام 1929، وتنامى نشاط الجمعيات المسيحية هناك، حيث قدم المستعمر الفرنسي تسهيلات عظيمة لهذه ‏الجمعيات، بل وحماها من أي خطر يمكن أن يصيبها أو يعيق عملها أو يحد من نشاطها في البلاد.‏

كما شرعت فرنسا الاستعمارية في تتبع وملاحقة حفظة ومُعَلِمِي القرآن الكريم والمربين والوعاظ وعلماء الدين القويم، حتى اضطر العديد منهم إلى الهروب خارج البلاد للنجاة بأنفسهم من بطش المستعمر الذي لا يفرق بين أحد، فجميع الأهالي أهداف له.

تجرد المستعمر الفرنسي من أبسط معاني الإنسانية، حتى إنه جعل العلاج وسيلة ابتزازٍ لتحويل وإخراج أهل التشاد المسلمين من دينهم، فقد كان لا يسمح للمواطنين التشاديين بالعلاج في المستشفيات التي يشرف عليها المُنصِرون إلا الذين يعتنقون الديانة المسيحية.

مجزرة كبكب
سَعيُ المستعمر الفرنسي للقضاء على الإسلام في المنطقة وتنصير البلاد طمعًا في المكوث فيها والتمتع بخيراتها، زين له ارتكاب كل أنواع الجرائم البشعة بما فيها القتل الجماعي، فلا رادع له هناك بعد القضاء على المقاومة في المنطقة.

يذكر أن الإسلام بدأ وصوله إلى منطقة التشاد منذ الفتح الإسلامي عندما وصل القائد الإسلامي عقبة بن نافع مع جيشه إلى مدينة "كوار"، ثم أخذ الإسلام في الانتشار شيئًا فشيئًا في الأراضي التشادية كافة، حتى دخل ملوك "مملكة كانم" في الإسلام في القرن الـ11 ميلاديًا، وصار الإسلام دين الدولة الكانمية الرسمي، فأخذ الحكام ينشرونه في أرجاء البلاد بدعوة الناس إليه.

يوم الـ15 من نوفمير/تشرين الثاني 1917، جمعت القوات الفرنسية خير علماء الدين الإسلامي في المنطقة، كان اللقاء مبرمجًا ظاهريًا للحديث عن إدارة البلاد تحت الحكم الفرنسي وكيفية تصريف شؤونها، إلا أن المستعمر الفرنسي كانت يبطن الشر.

جمع المستعمر في ذلك اليوم، ما يقارب 400 عالم دين وزعيم محلي في مدينة "أبشة" بإقليم "واداي" سنة 1917، وتم القضاء عليهم عبر ذبحهم بدم بارد في مرة واحدة، ودفن هؤلاء العلماء في مقبرة جماعية بمنطقة "أم كامل" وهو وادي داخل أبشة والمقبرة موجودة حتى الآن.

أراد الفرنسيون من خلال هذه المجزرة، امتلاك المعرفة والسلطة الروحية في المنطقة وترسيخ سلطتهم بشكل أفضل، فالنخبة الفكرية والدينية كانت ستكون حجر عثرة أمام مساعيهم لإدخال البعثات المسيحية في البلاد وفرض نظام الوصاية على سكان البلاد.

بقيت هذه المجزرة البشعة، راسخة في الذاكرة الجماعية تحت اسم "مجزرة كبكب"، وترمز إلى الاستعمار التعسفي في التشاد والدول المحيطة بها، فقد أجهز المحتل الفرنسي على جميع الحاضرين ولم يبقِ أحد منهم.

محاربة الدين الإسلاميِ في التشاد، لم تتوقف عند مجزرة كبكب، بل تواصلت وَفقَ خطة ممنهجة ومحكمة طويلة المدى وضعها المستعمر الفرنسي الذي عُرف باستهدافه لهوية الشعوب المستعمرة، فقد كان يطبق سياسة صليبية مقيتة وذلك لمحو الشخصية الإسلامية في كل دولة يدخلها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فرنسا، تشاد، الإحتلال، تاريخ الإحتلال، الإحتلال الفرنسي، إفريقيا، الإستعمار، التبعية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-02-2020   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - محمد بنيعيش، عمار غيلوفي، محمد شمام ، مصطفي زهران، إسراء أبو رمان، حسن عثمان، يزيد بن الحسين، محمد يحي، محمد عمر غرس الله، المولدي الفرجاني، محمود طرشوبي، ماهر عدنان قنديل، طلال قسومي، محمود فاروق سيد شعبان، فتحي العابد، الهيثم زعفان، أحمد النعيمي، تونسي، د - محمد بن موسى الشريف ، د. صلاح عودة الله ، أحمد بوادي، د - عادل رضا، حسني إبراهيم عبد العظيم، حسن الطرابلسي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد ملحم، بيلسان قيصر، د. أحمد بشير، محمد علي العقربي، د- محمد رحال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. طارق عبد الحليم، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. أحمد محمد سليمان، د- محمود علي عريقات، محمد الياسين، وائل بنجدو، أبو سمية، محمود سلطان، فوزي مسعود ، كريم السليتي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حميدة الطيلوش، مجدى داود، الهادي المثلوثي، عبد الله الفقير، ضحى عبد الرحمن، المولدي اليوسفي، منجي باكير، صالح النعامي ، عبد الغني مزوز، نادية سعد، سلوى المغربي، سامح لطف الله، عبد الله زيدان، سليمان أحمد أبو ستة، صلاح المختار، ياسين أحمد، أ.د. مصطفى رجب، صلاح الحريري، محمد الطرابلسي، عراق المطيري، محمد أحمد عزوز، د. عادل محمد عايش الأسطل، د- هاني ابوالفتوح، د. عبد الآله المالكي، فتحي الزغل، رشيد السيد أحمد، سيد السباعي، سلام الشماع، عبد العزيز كحيل، فتحـي قاره بيبـان، د- جابر قميحة، صفاء العربي، الناصر الرقيق، العادل السمعلي، محمد اسعد بيوض التميمي، رمضان حينوني، عزيز العرباوي، د - الضاوي خوالدية، عواطف منصور، د - مصطفى فهمي، فهمي شراب، خبَّاب بن مروان الحمد، سفيان عبد الكافي، رحاب اسعد بيوض التميمي، مراد قميزة، عبد الرزاق قيراط ، رافد العزاوي، رافع القارصي، إياد محمود حسين ، طارق خفاجي، سعود السبعاني، أحمد الحباسي، أشرف إبراهيم حجاج، صفاء العراقي، إيمى الأشقر، د.محمد فتحي عبد العال، سامر أبو رمان ، د - صالح المازقي، علي الكاش، أنس الشابي، علي عبد العال، يحيي البوليني، د. خالد الطراولي ، جاسم الرصيف، عمر غازي، خالد الجاف ، حاتم الصولي، د - شاكر الحوكي ، رضا الدبّابي، محرر "بوابتي"، محمد العيادي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، كريم فارق، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - المنجي الكعبي، مصطفى منيغ، صباح الموسوي ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز